تراجع التحويلات وعودة الكثير من العاملين في الخارجمحمد وهبة
في ظل ما يتردد عن ازدياد نسبة الاحتمالات التي تفيد أن اللبنانيين المغتربين، ولا سيما في دول الخليج، سيمرّون بمرحلة صعبة، لا تزال تداعيات هذا الأمر على السوق المحليّة مفتوحة على خيارات ضيقة أبرزها: بدء الهجرة المعاكسة من جانب اللبنانيين العاملين في الخارج، وتراجع مداخيل من لم يفقد فرصة عمله. وبالتالي، فإن الاحتمالين سيؤديان إلى ارتفاع الطلب على العمل في السوق المحليّة، وتراجع التحويلات المالية إلى لبنان، وهذه النتيجة تثير الهواجس المتصلة بقدرة الاقتصاد اللبناني على استيعابها، ولا سيما أنه أصبح أكثر تبعية للخارج.

تداعيات سوق العمل

ليس أسوأ من الهجرة إلا العودة على أنقاض أزمة، إذ سيكون لها أثر مختلف وتداعيات أعمق من التأثير المالي المباشر في قيمة التحويلات ومدى إسهامها في تدعيم موازنات الأسر اللبنانية والإنفاق الاستهلاكي، لأن نسبة استيعاب سوق العمل لهؤلاء قد تكون متدنية، أو أنها ستأتي على حساب العاطلين من العمل، والمتخرّجين الجدد الباحثين عن العمل لأول مرة. فهل سيمثّل هذا الأمر فرصة لإصلاح تشوّهات اقتصادية تسهم في تنمية الطلب في السوق العمل عبر توسيع حجم الاقتصاد وزيادة نسبة نموّه؟ أم أن التعامل مع انعكاسات الأزمة العالمية على لبنانيي الداخل والخارج سيكون شبيهاً بمضمون الحوار الذي دعا إليه رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري لمناقشة تداعيات الأزمة العالمية على لبنان، حيث احتفل المدعوّون وتبادلوا المديح والتهنئة بعنوان أساسي هو: «قدرة الاقتصاد اللبناني على استيعاب الأزمة وبانعكاس تراجع أسعار النفط على المالية العامة والدين العام».
وتأتي هذه التساؤلات بالتزامن مع تقرير للبنك الدولي يفيد أن الدول المتلقّية للتحويلات ستكون أكثر هشاشة في ما يتعلق بحركة الهجرة المعاكسة، وستتأثر التحويلات إلى البلدان النامية، وستكون أكثر عمقاً فتنتقل من مرحلة تباطؤ النمو في نهاية عام 2008 إلى مرحلة الانخفاض بنسب تراوح بين 6.7 في المئة و13.2 في المئة عام 2009 وذلك على أساس مدى سوء سيناريو التراجع الذي سينتج من تأثر اقتصادات الدول المصدرة لهذه التحويلات بالأزمة المالية العالمية.

التحويلات: تباطؤ... فتراجع

وتوقع البنك أن تبلغ تحويلات المغتربين اللبنانيين 6 مليارات دولار عام 2008، بارتفاع نسبته 4 في المئة عن عام 2007 حين كانت 5.77 مليارات دولار و5.2 مليارات عام 2006 و4.9 مليارات عام 2005. وبالتالي فإن نسبة تراجع هذه التحويلات إلى لبنان ستكون خاضعة لواحد من هذين السيناريوهين، إذ ستنخفض قيمة التحويلات إلى لبنان بما قيمته 400 مليون دولار وفقاً للسيناريو الأول، أو 762 مليون دولار وفقاً للسيناريو الأسوأ. علماً بأن تقديرات البنك الدولي لا تشمل التحويلات التي تأتي مباشرة إلى لبنان عبر اليد ولا تمر عبر أي قنوات نظامية.
ويستكمل البنك توقعاته لعام 2010 مشيراً إلى أن نهاية النصف الأول منه ستشهد عودة النمو لهذه التحويلات، ولكنها ستبقى خلال سنة كاملة على الأقل في منحى تراجعي، لافتاً إلى أن تأثيرات الأزمة العالمية على قطاع المصارف في دول مجلس التعاون الخليجي ستكون واضحة في نشاط الإنشاءات والبناء، وهو القطاع الذي يستقطب أكبر نسبة من العمالة المهاجرة، علماً بأن تراجع قيمة اليورو مقابل الدولار يؤدي إلى تراجع قيمة التحويلات من الدول الأوروبية بنسبة 8 في المئة عام 2009.

الهجرة المعاكسة: إصلاحات الاقتصاد

وتثير أزمة تراجع التحويلات من دول الاغتراب أسئلة أكبر عن أزمة الاقتصاد الوطني والاحتياطات التي يجب أن تتخذ لمواجهة الأزمة، إذ إن الخبير الاقتصادي كمال حمدان يتوقع الظهور العملي لانخفاض تحويلات المغتربين اللبنانيين بعد شهور قليلة، فيما همّ الدولة وزعمائها منصبّ على الوضع النقدي وتأمين تمويل الدين العام. وفيما تهنئ الدولة نفسها بانخفاض نسبة الدولرة، لا تزال الفائدة على التسليف مستقرّة على عكس تراجع أسعار الفوائد عالمياً منذ أشهر، مستغرباً «لماذا لا يُستفاد من الوظيفة الأساسية لليرة في تحفيز التسليف؟ ماذا ستفعل الدولة بالتضخم وعدم تراجع مؤشرات الأسعار بالنسب نفسها التي تتراجع فيها عالمياً؟».
ويعتقد أن هناك ضرورة لإعادة النظر في الاستثمار العام الحكومي، وإعادة النظر أيضاً في دور القطاع المصرفي لتحفيز التسليف وتطوير نوعيته وحجمه، إذ إن الاستقطابات الاقتصادية الحالية وتركّز التسليف لا يخدمان الاقتصاد الوطني... وهناك أيضاً مشكلة الاحتكار وتركز العمل الاقتصادي في بيروت وإهمال المناطق التي تكمن فيها قدرات هائلة.

التموّل من الجاليات

وإذا كان حمدان يعتقد أن هذه هي الحلول التي تؤمّن قدرة استيعابية لعودة أعداد من المهاجرين فضلاً عن كونها إصلاحات أساسية يجب أن يقام بها بصرف النظر عن الأزمة المالية العالمية والتوقعات بعودة المهاجرين وتراجع قيمة تحويلاتهم، يرى الخبير الاقتصادي في البنك الدولي، ديليب راثا، أن التحويلات مصدر مهم للتمويل من أجل التنمية في البلدان النامية التي تواجه هبوطاً حاداً في الموارد التمويلية والاستثمارات بسبب الأزمة، إذ إن هذه التحويلات ستثبت أنها أكثر مرونة حتى من التدفقات الرأسمالية أو حتى المعونات الرسمية خلال الفترة من الآن حتى عام 2010.
وحتى تتمكن هذه الدول من الاستفادة من الوضع الجديد الناتج من الأزمة المالية العالمية، عليها الاستفادة من جاليات مواطنيها المغتربين الكبيرة نسبياً في الخارج، وذلك من خلال إصدار سندات أو أدوات تمويل أخرى لتعبئة رؤوس الأموال.


%24.4 مضمونون

هي نسبة تحويلات المغتربين اللبنانيين من الناتج القومي الإجمالي عام 2007 بحسب التقرير الأخير للبنك الدولي، وهي خامس أعلى نسبة في العالم، ويأتي لبنان بعد هندوراس، ليسوتو، مولدوفا وطاجيكستان، وهي النسبة الأعلى بين الدول ذات الدخل العالي والمتوسط.


تراجع وفق المصدر