قبل ساعات من انتهاء صلاحيّة اتفاق التهدئة بين «حماس» وإسرائيل، لا تزال الأمور غير واضحة، وإن كانت الحركة الإسلاميّة تلجأ إلى المناورة لرفع سقف شروط التمديد
حسام كنفاني
التهدئة في قطاع غزة باتت الحديث الوحيد حالياً على الساحة الفلسطينية. بين التجديد ورفضه لا تزال الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات. ورغم إعلان خالد مشعل عدم تجديد التهدئة «على الأغلب»، فإن الواقع قد يكون مختلفاً تماماً؛ فموقفه قد لا يخرج عن إطار الرسالة التي تريد حركته توجيهيها إلى إسرائيل ومصر، ولا سيما أن توجهات حركة مشاورات «حماس» مع الفصائل في غزة، والأحاديث التي كانت تدور داخلها، تختلف عما أعلنه رئيس مكتبها السياسي.
حتى كلام مشعل نفسه يحمل الكثير من المعطيات التي تخالف إعلان رفض التجديد، إذ يشير إلى أن «المقاومة على الأرض ستتصرف مع المتطلبات الميدانية». ويضيف «نتدارس مع حلفائنا ومع بقية الفصائل موضوع التهدئة، رغم أن المزاج الشعبي والفصائلي ليس مع تمديد التهدئة والعدو لم يلتزم باستحقاقاتها».
كما أن الكلام خلف الأبواب المغلقة لقادة «حماس» يختلف عن إعلان مشعل؛ فخلال المشاورات مع الفصائل الأسبوع الماضي، قال القيادي في الحركة، خليل الحيّة، وفق محضر حصلت عليه «الأخبار»، «تقويمي الشخصي بخصوص التهدئة أنها لم تعط الأهداف المرجوة منها، لكن هناك فائدة من تمديد التهدئة لعدم استخدام غزة كورقة في الانتخابات الإسرائيلية ويمكن أن يساعد تمديدها على أجواء الحوار، إضافة إلى حاجة المواطنين إليها».
إذاً باب النقاش بشأن التهدئة لا يزال مفتوحاً، ولا يزال يمثّل أولويّة بالنسبة إلى حركة «حماس»، التي تعتبرها مصلحة لها رغم الخروق الإسرائيلية. وبالتالي يمكن وضع كلام مشعل في إطار المناورة «الحمساوية» لرفع الشروط واستدراج العروض لأسباب عديدة.
بدايةً، لا شك أن رسالة مباشرة إلى القاهرة، كانت في طي تصريحات مشعل، باعتبارها وسيط التهدئة والمسؤولة عربيّاً عن الملف. والرسالة تعبّر عن امتعاض «حمساوي» من تجاهل القاهرة للحركة الإسلامية على مشارف انتهاء التهدئة، فيما تستقبل الموفدين الإسرائيليين لتقرير مصير التهدئة بغض النظر عن موقف «حماس». وإعلان خالد مشعل في هذا المجال يمثّل ضربة للدور المصري في القضيّة الفلسطينية عموماً، وقطاع غزّة خصوصاً، وهو ما تلقفته القاهرة سريعاً عبر الإعلان عن موفدين إلى الأراضي المحتلة للتشاور مع الفصائل في مصير التهدئة. مشاورات لا بد أن تشمل حركة «حماس»، حتى وإن لم تسمها المصادر المصرية في إعلانها، باعتبارها المسؤول الأول والأخير عن الأوضاع في القطاع المحاصر.
والتهدئة، كما هي مصلحة لإسرائيل و«حماس»، هي أيضاً ذات أهميّة كبيرة للقاهرة؛ فمصر تسعى دائماً إلى دور في القضية الفلسطينية عموماً، وقطاع غزّة خصوصاً. وفي ظل تعثر مفاوضات السلام وانهيار مسار محادثات المصالحة، لا يمكن القاهرة أن ترمي ورقة التهدئة من يدها، باعتباره حالياً آخر ما يربطها بمسار الأمور الجارية داخل الأراضي الفلسطينية.
استراتيجية «حماس» مع القاهرة قد تؤتي أملها خلال الأيام القليلة المقبلة، لتسجّل أول اتصال بين الحركة والعاصمة المصرية منذ إلغاء مؤتمر الحوار الوطني الذي كان مقرّراً في الحادي عشر من الشهر الماضي. اتصال سيكون لا شك مناسبة لفتح باب النقاش وللمساومة على القضايا العالقة، ومنها ورقة الحوار الوطني ومعبر رفح.
إعلان مشعل يحمل أيضاً رسالة إلى إسرائيل لرفع سقف شروط التهدئة، بعد انخفاضها إلى الحد الأدنى في الأسابيع القليلة الماضيّة. فمع بداية إبرام الاتفاق، كان الشعار الأساس أن التهدئة مقابل رفع الحصار ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، غير أنه بعد الحصار الخانق بات هناك معادلة جديدة فرضتها إسرائيل. فالحركة الإسلامية باتت تتعامل على قاعدة وقف الصواريخ لفتح المعابر، وهي معادلة لا تلبي الطموح الفلسطيني الذي أقيمت التهدئة على أساسه.
ووفقاً لهذه المعادلة فلا حاجة إلى اتفاق تهدئة، فالأمور تسير وفق المزاج الإسرائيلي، وهو ما تدركه «حماس» ولا ترغب فيه، إلا وفق الشروط الأولى، حتى وإن كانت التهدئة لن تمتد إلى الضفة الغربية، كما كان متفقاً قبل ستة أشهر. شروط يمكن أن تؤمنها الوساطة المصريّة، بغض النظر عن معارضة الفصائل الأخرى للتمديد، ما دام القرار الأول والأخير بيد «حماس»، التي استخدمت القوة في كثير من الأحيان لضمان ثبات التهدئة في ظل رفض بعض الفصائل للاتّفاق الأوّل.
غاية «حماس» اليوم هي تمديد التهدئة، لكن ليس بأي ثمن. وهي على قناعة بأن الشارع ليس مهيّئاً لتحمّل حرب مع إسرائيل، تدرك الحركة الإسلاميّة أنها «حتميّة»، لكن تسعى إلى تأجيل اندلاعها.