يديعوت أحرونوت ــ أليكس فيشمانبات الوقت الآن متأخراً للانقضاض على قطاع غزة. فالخيول فرت من الإسطبل برعاية التهدئة. «حماس» استكملت إنشاء الذراع الاستراتيجية الطويلة المدى. أقامت منظومات دفاعية في غزة، ورسّخت منظومة الأنفاق كـ«ذراع تتجاوز المعابر». كل «الخطوط الحمراء»، المحظور السماح للفلسطينيين في القطاع تجاوزها، قد جرى تجاوزها.
فضلاً عن ذلك، نحن في عشية الانتخابات. الوضع السياسي عندنا حساس، وهناك إدارة جديدة في أميركا، والشتاء يقترب مع ما فيه من وحل وسُحُب. فاتنا القطار. يجب الانتظار إلى أن تقوم حكومة جديدة، على أمل أن تعرف كيف تتخذ القرارات. حتى ذلك الحين، سيستمر السلوك الإسرائيلي حيال القطاع في صيغة إطفاء حرائق.
ما يثير الغضب أكثر من أي شيء آخر في هذه القصة هو حقيقة أن الفلسطينيين أيضاً يعرفون أن إسرائيل لن تجتاح القطاع في الزمن القريب. وهم واثقون باستراتيجية ضبط النفس الإسرائيلية لدرجة أنهم يسمحون لأنفسهم بمواصلة الضغط على الزناد.
في مثل هذا الوضع، ليس مفاجئاً أبداً أن يسقط عشية انتهاء التهدئة نحو 25 صاروخاً في إسرائيل. هذا ما سيحصل اليوم وغداً. «حماس» قررت قواعد لعب جديدة حيال إسرائيل تمهيداً لفترة ما بعد التهدئة، وإسرائيل تجد نفسها تنجر وراءها، بدل تحطيم هذه القواعد.
ولإجمال الأشهر الستة للتهدئة كما ينبغي، فإننا ملزمون بأن نكون نزيهين وأن نعترف بأنه كان لها غير قليل من الفضائل، ولا سيما في الساحة السياسية. لو لم تنطلق التهدئة إلى حيز التنفيذ، ودخلت إسرائيل في قتال في قطاع غزة، لما كان محمود عباس، ولما كانت حكومة سلام فياض، ولما كانت مفاوضات، والسلطة الفلسطينية كانت ستنهار. وبدلاً من ذلك يوجد اليوم تحسن في مكانة السلطة الفلسطينية، التي تعمل بطريقة ناجعة حيال «حماس».
الوضع الاقتصادي في الضفة يتحسن، مليون ونصف مليون سائح زاروها في السنة الأخيرة، وانتهت الفوضى في الشوارع. المصالحة الوطنية الفلسطينية انهارت برعاية التهدئة. في 9 كانون الثاني 2009، عندما ستكف «حماس» عن الاعتراف برئاسة أبو مازن، سينشأ وضع دولتين لشعب واحد (في الضفة وفي غزة). وستكون هناك حكومتان، جيشان، نظامان قانونيان، شرطتان مختلفتان، مصدران مختلفان للصلاحيات. من قال إن هذا سيء لإسرائيل؟
التهدئة مثّّلت أيضاً رافعة لتحسين التنسيق بين إسرائيل ومصر. الأزمة في غزة لم تتسلّل إلى داخل مصر. والمصريون لم يتنازلوا لـ«حماس» في مواضيع مهمة لإسرائيل، مثل فتح معبر رفح وتحرير سجناء «حماس» في مصر. التهدئة أيضاً سمحت بتقدم المبادرة السعودية والحفاظ على العلاقات السليمة بين اسرائيل والعالم العربي المعتدل. وليس صدفة أن الملك عبد الله الثاني الأردني دعا قبل شهرين رئيس الوزراء ووزير الدفاع، فإمكان تحطيم التهدئة يعرّض استقرار النظام في الاردن.
وبفضل التهدئة أيضاً نزلنا قليلاً عن شاشات التلفزيون في أوروبا وفي الولايات المتحدة، الأمر الذي سمح للرباعية بمواصلة التمسك بسياسة مقاطعة «حماس» ومنحت الإدارة الأميركية بعض الهدوء كي تتمكن من التركيز على شؤونها في العراق وفي أفغانستان.
التهدئة سمحت للجيش الإسرائيلي بالاستعداد، باستكمال الخطط، وبالتسلح. ولكن لا يمكن قول ذلك على سكّان غلاف القطاع. الزمن لم يستغل كما ينبغي، لا لاستكمال التحصين ولا للاستعداد، لأن مزيداً من البلدات باتت اليوم تحت تهديد الصواريخ.
في الجيش يؤمنون بأن المواجهة في جبهة غزة من شأنها أن تفتح جبهة ثانية في الشمال، بحيث إن التهدئة وفرت علينا جولة عنف أخرى في جبهتين بالتوازي، في توقيت غير مريح.
جهاز الأمن، بما فيه وزير الدفاع ورئيس الأركان، يرى في التهدئة فضائل أكثر مما فيها من سلبيات. ولكن حيال الفضائل يقف تعميق سيطرة «حماس» في قطاع غزة وتعميق قدراتها العسكرية.
اليوم تحتفظ «حماس» بذراع صاروخية مضاعفة في حجمها ومداها عما كان لديها قبل نصف سنة. تحت تصرف حماس 8 إلى 10 آلاف صاروخ من أنواع مختلفة. قبل نصف سنة بلغ مدى الصواريخ 20 كيلومتراً، أما اليوم، فمن غير المستبعد أن تكون قادرة على الوصول حتى إلى بئر السبع.
بالتوازي، استكملت «حماس» منظومة الدفاع لغزة، التي تضم: 8 كتائب، أي 16 ألفاً من حملة السلاح، سلاح مضاد للدبابات ومضاد للطائرات. جودة العائق ضد المدرعات الإسرائيلية تحسنت، والتخندق تحت الأرض أفضل بأضعاف: اليوم يوجد في غزة أنفاق بطول نحو 50 كيلومتراً، مقارّ تحت الأرض محسنة وأدوات استخبارية أفضل.
في إسرائيل كانت هناك توقعات بأن تقدّم التهدئة مفاوضات تحرير جلعاد شاليط إلى الأمام، لكن هذا لم يحدث.
وباختصار: ما كان يمكن الجيش الإسرائيلي أن يفعله قبل نصف سنة، بات أكثر تعقيداً اليوم بأضعاف. اليوم لا يوجد ما يدعو إلى الإسراع، أو مثلما قال وزير الدفاع، «الحرب لن تهرب».