منذ حوالى 6 سنوات، بُني مجمع ABC التجاري في الأشرفية، فزاد صعوبات الحياة في محيطه، إذ إنه السبب الأساسي في زحمة السير وتلويث الهواء، فيما تأثيراته السلبية امتدت إلى نحو 600 متجر تتراجع مبيعاتها لتنعكس مآساة على مئات العائلات!
رشا أبو زكي
السيارات مصطفّة في طوابير خانقة. لا مجال للحركة ولا للتأفف. رائحة الدواخين المتراصفة تكاد تسرق الأنفاس. وأمام مقر الـABC في الأشرفية أصبح الوضع لا يطاق. بعض الشتائم تترامى إلى مسامع الداخلين إلى المجمع التجاري الضخم، وأبواق السيارات كافية لنقل مشاعر الاستنكار والانزعاج من عملاق إسمنتي تعدّى على سكون الأشرفية، ورفع حجارته بين أزقّتها الضيقة الجميلة، ليفتعل أزمة سير خانقة تؤرّق الموظفين وطلاب المدارس المجاورة، وسكان المنطقة في كل مرة يحاولون فيها الخروج إلى الشارع... والمتطفّل الضخم تحرّش بالأشرفية في تشرين الثاني عام 2003، مستحوذاً على مساحة 37 ألف متر مربع من شارع السلام، منتزعاً نادياً رياضياً لشباب المنطقة اسمه «أبناء نبتون»... ليأخذ مكانه. والمشكلة بالطبع لا تنحصر بازدحام السير الخانق في محيط الـABC، بل بالسيطرة على الحركة التجارية في منطقة كانت تعرف بجوهرة التجارة في السابق، فإذا بمبيعات أصحاب المحال الصغيرة المتناثرة حول المجمع التجاري، والتي تعد بالمئات تتراجع بين 50 إلى 70 في المئة منذ أن حطّ العملاق في المنطقة. وهذه التداعيات الصعبة التي تجمع مئات العائلات، أضيفت إلى مصاعب اقتصادية ومعيشية شملت جميع اللبنانيين، لتصبح المحال التجارية أشبه بطائر صغير ينتظر فتات ما بقي من طعام النسور!

تذمّر وانزعاج

وإدارة الـABC تعلم أن موقع مجمعها التجاري شاذ في المنطقة، وخصوصاً أن التذمر من الازدحام ومن تراجع مبيعات التجار يصل ربما كل يوم إلى مسامعها، فإذا بها تنشر عدداً من الشبان في محيط المجمع، يوزعون الحلوى على أصحاب السيارات المتوقفة قسراً أمام الـABC، إلا أن الابتسامات المرتسمة على وجوه الشبان غالباً ما تواجه بعبارات الانزعاج، كما لا تخفّف من حنق التجار على المجمع.
«أنا موجود قبلو» يقول منيف نصار، صاحب محل قرب الـABC، ويلفت إلى أنه افتتح محله منذ عام 1982، وكان يفيد من وجود النادي مكان المجمع التجاري، «ولكن بعد مجيء الـABC اختلف الوضع». أما فؤاد حنا، وهو صاحب محل «اتيكيت» للثياب، فلفت إلى أنه افتتح متجره منذ 40 عاماً، وكان حجم مبيعاته ممتازاً إلى أن جاء الـABC، حيث تراجعت الحركة بين 60 و70 في المئة ليس في متجره فقط، بل في جميع المتاجر المحيطة بالـABC والقريبة منه، ولولا الإيجارات القديمة في المنطقة، لكان معظم هذه المحال قد أقفل أبوابه!
فيما فريد فيعاني الذي يملك محل «أف فيعاني» للثياب منذ 25 سنة، يشير إلى أن العمل تراجع نحو 50 في المئة منذ مجيء «المول»، لافتاً إلى أن «المنافسة لا يمكن أن تكون بين محل صغير ومجمع تجاري، حتى لو كانت الأسعار منخفضة لدينا أكثر من الـABC». ويؤكد فيعاني أن الحركة الزائدة موجودة، ولكنها تنحصر بزبائن الـABC، وقلّما تفيد المحال المجاورة له.

مبادرات للتهدئة

ويقول عبود أبو موسى، صاحب محلات «أبو موسى» للمفروشات، إن الـ ABC أدى إلى تراجع المبيعات من 60 إلى 70 في المئة، ويلفت إلى أنه يوجد العديد من محال المفروشات التي أُغلقت بعد تراجع مبيعاتها تراجعاً كبيراً بسبب المجمع التجاري، ومنها مثلاً محلات سويري للمفروشات، التي كانت تعدّ الأعرق بفعل وجودها في المنطقة منذ 40 عاماً. ويقول بانفعال «أخذوا منا كل الزبائن»! ويسأل «أين أذهب؟ الإيجارات مرتفعة جداً خارج المنطقة، فيمان أنا أعمل مع 3 إخوة لي لتأمين إيجار هذا المحل وهو 6 ملايين ليرة سنوياً فقط»! مشيراً إلى أنه يتمنى لو أن الـABC يرحل عن المنطقة، ويتفق معه ديمتري بردويل صاحب «حايك سبور» للثياب الرياضية، فيشير إلى أن متجره موجود في المنطقة منذ الأربعينات، وقد تراجع العمل بنسبة 30 إلى 40 في المئة، بعدما أتى الـ ABC إلى الشارع.
أمّا هادي حداد، وهو صاحب محل «ملكي للخياطة»، فربما كان الوحيد الذي استفاد من وجود الـABC، إذ يشير إلى أن نوع الأعمال التي يزاولها غير موجودة في المجمع التجاري، وبالتالي فإنه استفاد من وجوده بحيث حصل على عدد من الزبائن الإضافيين.

التأثير محدود؟

في الأشرفية نحو 600 محل تجاري، كما يقول رئيس جمعية تجار المنطقة أنطوان عيد لـ«الأخبار»، ويلفت إلى أن الحركة حالياً جيدة في هذه المحال بسبب الأعياد، وخصوصاً أن وزارة الداخلية أقدمت على تحسين وضع السير في الأشرفية أخيراً. وعن مدى تأثير الـABC في عمل المحال الموجودة، يقول عيد، إن المجمعات التجارية تأخذ الزبائن من المحال المجاورة، ولكنها تأتي بحركة خارجية إلى المنطقة، بحيث يتحقق نوع من التوازن في هذا الموضوع. ويوضح أن لديه محالّ في الـABC وخارجها، وهو لم يلحظ أي تغيير في مبيعات محاله التي هي خارج المجمع. ويلفت عيد إلى أن الـABC لم يكن المصدر الوحيد لانخفاض الحركة التجارية في المنطقة، إذ توجد العديد من التأثيرات الخارجية، منها الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة. ويرى عيد أنه بفعل تواصله مع التجار تبين أن الحركة تحسنت مقارنةً بالعام الماضي نحو 15 في المئة.