الإنترنت ظاهرة لا يمكن مقاومتها، حتى حيث تسود الأعراف المتشددة. مقاهي إنترنت «للنساء فقط» في بغداد قد تحلّ مشكلة نصف المجتمع
بغداد ــ زيد الزبيدي
تعجز الطالبة الجامعية إيلاف عن شراء جهاز كومبيوتر ووصله بخط إنترنت، وتراودها رغبة كبيرة بولوج مقاهي العالم الافتراضي المنتشرة بكثرة في منطقتها. لكن تحذير والدها من مخالطة الفتيان في تلك الأماكن يقيّد قدميها، ويعيدها إلى نقطة الحرمان التي تقف عندها، وهي تشعر بـ«أمّيتها» الجديدة وسط جيل يتقن التعامل مع مفردات التكنولوجيا الحديثة.
وفي منطقة الجادرية، وفي محاولة لاحتضان فتيات مثل إيلاف وتعليمهنّ استخدام أجهزة الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية، حملت لافتة أحد مقاهي الإنترنت الجديدة عبارة «للعنصر النسوي فقط».
تقف وزيرة المرأة السابقة، رئيسة منظمة «مهنيات» حالياً، أزهار الشيخلي، وراء فكرة إنشاء هذا النوع من المقاهي، لشعورها بحاجة العراقيات إلى ممارسة حق استخدام الإنترنت، رغم المعارضة التي تواجهها بسبب توجهاتها الليبرالية التي تدعو إلى الاختلاط ومساواة المرأة بالرجل.
وترى زهراء قاسم، التي تعمل في مقهى للإنترنت يستقبل الجنسين، أن «كل ظاهرة تواجه في بداية انتشارها انقساماً في الآراء، بين مؤيدين ومعارضين». وتضيف «في ما يخصّ الإنترنت، تتشكل فئة المؤيدين من الشباب الراغبين بالاطّلاع على العالم بأسرع الطرق وأدقّ التفاصيل. بينما تضمّ الفئة الثانية، أغلب كبار السنّ ومحدودي الثقافة والوعي». وبين الفئتين، ظهرت فئة لا تفهم من الإنترنت وعوالمه المتنوعة، إلا ضيق الأفق ومحدودية الحاجة، إذ تلجأ من خلاله إلى سلوكيات مرفوضة، بالاطلاع على المواقع الإباحية «وهذه هي المشكلة الحقيقية في ظل الانفتاح وعدم الرقابة السائدة»، على حدّ تعبير زهراء.
وعلى هذا الصعيد، تعود الشيخلي لتشدد على ضرورة وجود مشرفات على قاعات المقهى، للتحكم في عملية دخول الزبونات إلى المواقع الإلكترونية، إضافة إلى وجود نظام مبرمج لكشف السلوكيات الخاطئة، مع منع استخدام الكاميرات.
فالهدف الحقيقي من وراء افتتاح المقهى المذكور، كما تقول الشيخلي، هو استقطاب شرائح من النساء غير قادرات على ارتياد مثل تلك المقاهي المختلطة، أو عاجزات عن دفع أسعارها، وذلك بخفض ثمن التصفّح إلى نصف السعر المدعوم من الدولة في الجامعات العراقية، وافتتاح دورات للمبتدئات بأسعار مخفوضة قياساً بالمقاهي الأخرى. كذلك يهدف المقهى إلى مخاطبة النساء الأرامل عن طريق الجمعيات والمنظمات المعنية برعايتهنّ لتعليم الراغبات منهن استخدام الكمبيوتر والإنترنت، ولا سيما أن الشيخلي تنوي تحويل المقهى إلى نواة لمركز متطوّر يقدم الثقافة للنساء بكل أنواعها.
وتؤيّد شذى عبد الحسن، وهي ربة منزل من الكرادة، فكرة إنشاء المقهى النسائي، لأنها كانت محاصرة بالملل منذ تخرجها من الجامعة ومكوثها في المنزل طوال أربع سنوات، بانتظار الحصول على وظيفة. أما اليوم، فتقول «أنا أشعر بسعادة غامرة وأنا أتصفّح الشبكة العنكبوتيّة وأتبادل الأحاديث ووجهات النظر مع فتيات في سني، فضلاً عن استعادتي الرغبة بمطالعة الشعر والقصة».
وتأمل الموظفة يسرى إبراهيم أن تعم المقاهي النسوية العاصمة بغداد والمحافظات كلها، لتتمكن جميع النساء العراقيات من استخدام الكمبيوتر والإنترنت، والاطّلاع على آخر التطورات في العالم.
في المقابل، فإن للمهندسة مهجة الربيعي رأياً آخر، فهي ترى أن الإدمان على الإنترنت يسبّب مشاكل خطيرة للنساء المتزوجات «لأنه غالباً ما يؤزّم العلاقات بين الأزواج حين تنشغل به الزوجة عن زوجها، أو يكتشف دخولها منتديات وغرف محادثة مع رجال من أماكن ودول مختلفة».
ويبقى الالتزام بضوابط معينة لاستخدام الإنترنت خاضعاً لسلوكيات الفرد وأخلاقياته، أما الفائدة الكبيرة الكامنة من وراء استخدامه، فهي في كونه فرصة جديدة أتيحت للمرأة العراقية قد تساعدها على اللحاق بركب التطور.