القاهرة | ربما لو لم يترشح عبد الفتاح السيسي للرئاسة واكتفى بالدور الذي أداه لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وظل في السلطة وزيراً للدفاع، أو حتى استقال بعد انتخاب الرئيس، لما وصلت مصر إلى هذه الدرجة من التوتر الأمني، من وجهة نظر كثيرين. فالسيسي الذي صعد إلى السلطة بعد عزل الرئيس الإخواني، محمد مرسي، في 3 تموز 2013 بعد مرحلة انتقالية ترأس فيها الدولة مؤقتاً رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور، صار جزءاً رئيسياً من الصراع.
فرض «الجنرال» هيبة الدولة بالقوة المفرطة والعنف في التعامل مع المعارضين، بداية من مواجهة أنصار «الإخوان» الذين حمل عدد منهم السلاح ضد الجيش، مروراً بالأحداث الجسيمة التي وقعت حتى توليه الرئاسة بالانتخابات، وهي أحداث حملت أكثر من 1500 قتيل وآلاف المصابين، وخلقت حالة من الكراهية لشخص السيسي، ما مهد داخل الجماعات الإسلامية، المتشددة والوسطية، لاعتبار القتال ضده وضد الجيش «فريضة واجبة».
بذلك أصبح السيسي بالنسبة إلى الإخوان هو الأزمة، بل يقولون إنه لو وصل أي رئيس آخر، حتى لو كان بخلفية عسكرية، لما كانت الأمور لتتدرج حتى الواقع الحالي، ويستدلون على أن عدلي منصور، الذي خرج من الرئاسة الموقتة بعد الانتخابات، لم يعد في حسابات الجماعة، الأمر الذي يفسر بأن الثأر بين المشير والإخوان صار «شخصياً» قبل كل شيء.
من هنا، يمكن فهم حالة التأجيج التي تحولت مع وجود السيسي إلى صراع بين الدولة والإخوان، وهو لن ينتهي قريباً، بما أن سقوط أي قتيل من الجماعة لا يكون رادعاً لأصدقائه وأقربائه، بل يخلق حالة احتقان إضافية ضد الدولة، وهو ما ظهر في توجه أكثر من شخص (سقط أشقاؤهم قتلى في أحداث فضّ اعتصام رابعة) إلى «الجهاد» في الخارج أو الانضمام إلى الجماعات المسلحة.
وقبل أيام، كان هناك أمل ضعيف في حل الصراع بمفاوضات غير مباشرة بين الإخوان والدولة، عبر رعاية قطرية بعد إتمام المصالحة مع الدوحة، ولكن التفجيرات المتزامنة التي ضربت شمال سيناء أول من أمس، قطعت شعرة الوصل بين الجماعة والدولة. فمع أن الأولى استنكرت الحادث، رأت الدولة في تحريض الجماعة الشباب على حمل السلاح والجهاد (عبر بيان رسمي صادر عبر موقعها الرسمي قبل الحادث بيوم)، بمنزلة إعلان حرب على النظام الذي عارضته طويلاً، لكنها ظلت تتغنى بالسلمية المبدعة، وأنها لم تدع من قبل لحمل السلاح ومواجهته.
الشعرة التي قطعتها التفجيرات مرتبطة أيضاً بالموقف القطري تجاه ما حدث في العريش، فهنا تبدي مصادر سيادية غضباً مكتوماً من موقف الدوحة، بل اعتبارها شريكاً في ما حدث عبر المستوى الإعلامي على الأقل، واستمرار مساندة توجهات الجماعة عبر قناة «الجزيرة».
حتى ترقب الدولة تصعيد الإخوان خلال الذكرى الرابعة لإحياء الثورة، قبل أسبوع، لم يأت في محله، لأن السلطات ترى في قوتها العسكرية بالجيش والشرطة أنها تمتلك فائض قوة يؤهلها لمواجهة أي معارض يحمل السلاح. وعن سيناء، هي ترى أنها تستمد القوة من كونها جزءاً من التحالف الدولي لمواجهة تنظيم «داعش» الذي لن يتأخر عن الرد على محاولة القاهرة القضاء على أحد أذرعته النامية في سيناء، وهي صورة مغايرة تماماً لما كان يحدث في السابق، عندما تعترض أوروبا والولايات المتحدة على ملاحقة الإسلاميين وتصفيتهم.
رغم ما سبق، تخشى قيادات «الإخوان» من أن تحدث أي مفاوضات مع الدولة شرخاً جديداً في علاقة القيادات (وخاصة الخارج) مع الشباب الموجودين في الداخل، الذين لا يرون أي أفق لحل سياسي، ويعتقدون أن استهداف الجيش والشرطة «جهاد في سبيل الله».
وهنا تأتي إدانة الجماعة في بيان رسمي للتفجيرات واستهداف قوات الجيش في محلّ لم تعترف به الدولة التي تقول تحقيقاتها الأولية إن مخابرات دول أجنبية تقف وراء دعم تنظيم «بيت المقدس» في سيناء، ومن بينها الدوحة وأنقرة، وهو ربما أُعلن للمرة الأولى إعلامياً لمواجهة الضغط الشعبي بالكشف عن الدول المعادية للمحروسة، بل قرن حتى بأنه «انتقام» على التدخل المصري لمنع أي حضور تركي وقطري في الأزمة الليبية.
أمنياً، تتجه وزارة الداخلية إلى فرض مزيد من الإجراءات الأمنية المشددة على المحافظات المختلفة، وتوسيع سلطاتها في اعتقال المواطنين وتنفيذ عمليات القبض العشوائي، فيما تتجه قوات الجيش لإخلاء مناطق في سيناء وتوسيع العمليات التي تنفذها منذ أكثر من ثلاثة أعوام مع الدفع بمزيد من «القوات الخاصة المدربة»، وتشديد الإجراءات على مداخل شبه الجزيرة ومخارجها.
ووفق مصادر في الرئاسة المصرية، كلف عبد الفتاح السيسي القوات المسلحة والمخابرات الحربية إعداد تقرير كامل عن الأحداث والقبض على المشتبه فيهم وإحالتهم على محاكمة عسكرية عاجلة، مؤكدة أن هناك «موافقة من الرئيس على أي أحكام بالإعدام، لكنها ستكون بعد الانتهاء من إجراءات التقاضي كاملة أمام المحاكم العسكرية» التي تتسم بسرعة الفصل في قضاياها ووجود درجة استئنافية واحدة.
وتكشف المصادر نفسها أن السيسي كلف مسؤولي الخارجية التواصل مع السفارة الأميركية في القاهرة، وشرح «وجهة النظر في طريقة التعامل مع الإخوان وعدم اعتبارهم قوى معارضة، وخاصة أن لقاءات عدد من قيادات الجماعة قبل أيام في واشنطن أثار غضب الحكومة المصرية التي وجدت في اللقاء دعماً للإرهاب».
على الأرضية نفسها، أخفق المعارضون لسياسات السيسي من غير المحسوبين على قوى الإسلام السياسي في حشد رأي عام مناهض لحكم الجنرال، ليس لقلة عددهم فحسب، ولكن لغياب البديل المناسب الذي يمكن أن يتصدى للعمليات الإرهابية والجرائم المنظمة التي زادت في الآونة الأخيرة. وهكذا يعيد السيسي السيناريو الذي حدث خلال تسعينيات القرن الماضي إبان حكم الرئيس حسني مبارك، إذ واجه الأخير «إرهاب الحركات المتطرفة ضد السياح» بدعم من الشارع ليبقى في السلطة حتى أطاحته ثورة 25 يناير، فهل سينتظر السيسي المصير نفسه، أم سيخرج من المشهد في الوقت المناسب، وخاصة أنه أمام استحقاقات كبيرة كالانتخابات البرلمانية ومؤتمر الاستثمار الدولي؟