على باب أحد المتاجر يجتمع بضعة شبّان من أهل المدينة، حضورهم طاغٍ على المكان، إلى جانبهم علّقت صورة لأربعة شهداء: أحمد البلبول، وعماد الكامل، وعيسى مرزوق، ومحمد شحادة. شبّان اغتالتهم قوى المستعربين قبل ثمانية أشهر في قلب بيت لحم. ولا تزال تلك العملية تثير غضب أهل المدينة. «كان بإمكانهم أن يعتقلوهم لكنّهم أرادوا قتلهم منذ البلداية. لماذا لا تكتب الصحافة العربية عن عمليات الإعدام هذه؟ لقد كتبت الصحف العبرية ونحن لم نكتب»، يقول أحدهم.القصة لا تزال ثقباً في ذاكرة الشبّان والمكان. في ذلك الوقت، اشتعلت بيت لحم غضباً على هؤلاء الشبان. «كانت الفاجعة كبرى وأصابت أهل البلدة بالصميم»، يقول شاب. ويكمل آخر: «كانوا مقاومين حقيقيين وشجعاناً».
كان أحد الشبّان يستمع إلى الحديث من بعيد، اقترب من المكان، وأخرج هاتفه الخلوي. كان قد صوّر جثثهم بعد دقائق من استشهادهم. مشاهد تقشعر لها الأبدان، ولا يمكنها أن تفارق من شاهدها عبر الشريط المصوّر، فكم بالحريّ من كان على رقعة الموت. فأنت تنظر إلى الملصق المعلق، وترى صور الشبّان الأربعة، وتعيد النظر إلى الهاتف الخلوي، لترى نهايتهم عن كثب. أربعة شبّان في سيارة حمراء رهينة للرصاص والدماء. لم تمر دقيقة حتى اجتمع عدد من الشبّان حول الشريط المصور، ليعود الغضب ثانية إلى عيونهم. «حتى هذه اللحظة، يدخل الجيش متى يشاء بطريقة عادية ويعتقل من يشاء ونحن عاجزون»، هكذا يقول أحد الشبان، فيردّ آخر من بعيد: «الجيش لن يدخل كثيراً، لم يبقَ شبان لاغتيالهم». يرمي جملته من دون أن ينظر إلى الحضور، ويمضي غاضباً من تحت جسر حجري صغير وسط السوق، علقت عليه صورة أحد الشبان الأربعة كتب عليها: «شارع الشهيد أحمد البلبول».
هناك في مكان ما في السوق أيضاً، كان يجلس رجلان، أحدهما يقرأ الجريدة، والثاني يحدق بالمارين. ومن ورائهم صورة لطفلة شهيدة، هي أيضاً سقطت في ساحة المهد عام 2003، اسمها كريستين جورج سعادة، عمرها كان 12 عاماً. «هذه الطفلة لم تكن مسلحة» يقول أحد الجالسين. حين تسأل الرجل عن اليوم مقارنةً بالماضي، يقول «ماذا سأقول يا بني. عندما كان الاحتلال كنا أكثر قوة. لا نهاب. عندما كان يجرنا الجيش من ملابسنا كنا نفتخر، نرفع من تحت الضرب راية النصر في وسط السوق. كنا نفتخر بالاعتقال، لكن أكثر ما يؤلمني اليوم هو أن يصرخ عليك اليوم ابن دمك ولحمك لأتفه الأسباب».