أكلاف الاشتراك خاضعة لمزاجية أصحاب «الموتورات»أيمن فاضل
قطاع غير قانوني ينمو على ضفاف العجز الذي تتخبّط به مؤسسة كهرباء لبنان. إنها مولّدات الكهرباء (الاشتراك) التي تنتشر في كل المناطق بعشوائية مطلقة. مزاجية أصحاب المولدات تحدِّد أكلاف الاشتراك، لتمثّل فاتورة ثانية يتكبّدها المواطن، إضافةً إلى فاتورة مؤسسة الكهرباء الرسمية. والمولدات التي تهدد البيئة والصحّة العامة وتقلق راحة سكّان الأحياء السكنية وتستعمر الأراضي البور والغرف الجانبية وبعض الأرصفة أصبحت تنتج حوالى ثلث الطاقة المستخدمة في لبنان وفق وزير الطاقة والمياه ألان طابوريان، فيما تشير دراسة للبنك الدولي إلى أنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه سيصبح هذا القطاع غير المنظم منتجاً لـ60 في المئة من الطاقة في لبنان في عام 2015. المعادلة لا تنتهي هنا، فاللبنانيون يدفعون80 مليون دولار شهرياً للاشتراك في المولّدات في حدِّ أدنى وفق رئيس جمعية المستهلك زهير برو، ما يضع تنظيم القطاع ضمن أولويات العمل الحكومي.

ما الذي يمنع التنظيم؟

وفي ظل هذا الواقع، ما الذي يمنع تنظيم القطاع؟ فالفوضى جعلت سعر الاشتراك يتراوح بين 45000 و 75000 ليرة لكل 5 أمبير وتتفاوت الأكلاف وفق المناطق، علماً بأن الكلفة وصلت إلى 100 دولار في فترة ارتفاع أسعار المازوت، وتسجّل مناطق عديدة هوامش عالية في أسعار الاشتراكات مع أن معدّلات التقنين فيها منخفضة بالنسبة إلى مناطق أخرى تعاني التقنين بصورة أكبر. أما الجهود القائمة لتغيير هذا الواقع الذي يلفّ المناطق اللبنانية، فلم تؤدِّ إلى نتيجة ملموسة حتى الآن، إذ يرى رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة النيابية محمد قباني أن نتائج هذه الجهود لن تظهر مباشرة، فبعد تجربته المتعثرة لتنظيم هذا القطاع ومحاولته وضع جداول بكلفة خدمة هذه المولدات على الرغم من غياب مرجعية التسعير والنصوص القانونية لذلك، يقول لـ«الأخبار» إن الدولة استفاقت الآن على أن لا سلطة قانونية لها أو للبلديات على أصحاب المولدات «لأنهم غير شرعيين».
وهذا الواقع دفع برّو كذلك إلى إطلاق صرخة قائلاً: «إنهم غير شرعيين»، مطالباً الدولة بفرض سلطتها. لكن قباني يستأنف قائلاً إن «ما يجب القيام به هو خلق مناخ من الرقابة والمنافسة التي تساعد المستهلك وتمنع تفلت الأسعار الذي يتعرض له».

محاولات التفافية

ولكن الصعوبة الأساسية التي اعترضت التجارب السابقة لتحديد كلفة الاشتراكات، هي التغيّرات البهلوانية في أسعار المحروقات وحجم ساعات التقنين التي جعلت من الاستحالة بمكان ضبط وفرض شروط (من خارج القانون) على هذا القطاع ، إضافة إلى عدم إمكان تنظيم قطاع غير قانوني يستعمل البنية التحتية للدولة والبلديات (من طرقٍ وأعمدة وهواء وأرصفة) ما يجعل البلدية والدولة متواطئة في مكانٍ ما في صفقة ضمنية مع المستثمر.
ويحاول المسؤولون الذين منعت الضرورة تصديهم لمشكلة انتشار المولّدات، وعاق القانون إمكان تنظيمهم للقطاع، الالتفاف على الواقع المفروض، وذلك عبر خطة ثانية ترتكز على تشجيع البلديات على اقتناء مولدات للطاقة يمكن أن تدخل في المنافسة مع المولدات المحلية.
الوزير طابوريان الذي قال إن عمل وزارته لا يشمل تنظيم الاشتراكات بالمولدات الخاصة، أشار إلى خطة لدى وزارة الداخلية ستنفذ عبر البلديات لتنظيم هذا القطاع، وعند سؤال قباني عن قانونية هذا الإجراء، أكّد أن من حق البلديات القيام بالأعمال التجارية بما يوفّر مصلحة المواطنين، لكنه في المقابل أشار إلى أن العقبة الوحيدة تكمن في أنهم لا يستطيعون إلزام البلديات تنفيذ هذا الإجراء.
الواقع الحالي، وعدم التدخّل المباشر للسلطة، دفعا بجمعية المستهلك إلى المطالبة بالتنظيم، فأشار برو إلى أن مشكلة الكهرباء شبيهة بمشكلة المياه، فنتيجة لعجز الدولة عن توفير الحاجات الأساسية للمواطنين بالحد الأدنى، تنشأ قطاعات «أمر واقع» تعمل خلافاً للقانون. ويؤكد برو أن من يوفّر للناس خدمات كهربائية يفتقر إلى المواصفات المطلوبة، ما يؤدي إلى احتراق الأجهزة الكهربائية، ويكبد المواطنين ومؤسسة الكهرباء تكاليف إضافية نتيجة الأسعار المزاجية التي يعتمدها أصحاب المولدات وتعديهم على الشبكة. ويتابع قائلاً إن الحل يكون بأن تؤدي الدولة واجبها وتوفر الحد الأدنى من الخدمات، داعياً وزارات الاقتصاد والتجارة والداخلية والبلديات إلى جلسة متخصصة وفنية لدرس الموضوع من الجوانب التقنية والقانونية تتمثل فيها جمعية المستهلك، لتخرج هذه اللجنة بتوصيات تضمن وضع آليات لتوفير طاقة بمواصفات سليمة، وإعطائها التشريع الضروري المؤقت، عبر قرار يصدر عن وزارة الاقتصاد بآليات ومواصفات محددة، إضافة إلى وضع لائحة بالأسعار حسب الكلفة يشترط أن تكون متحركة لا مقطوعة. وقد تأرجحت آراء المواطنين وأصحاب المولّدات بين قبول تدخّل الدولة ورفضه. فحسن، الذي يسكن في منطقة الشياح قال: «ما وضعت الدولة يدها على شيء إلاّ وفسد». ولدى حسن ما يبرر خوفه، لأن التنظيم والدعم غالباً ما يرفع الأسعار «شفنا كيف زم الرغيف وقت حطو إيدهم عليه». هذا الخوف ليس عاماً، فالكثير من المواطنين يطالبون الدولة بالتدخّل للجم جشع أصحاب المولّدات الذين «ينهشون لحمنا» وفق فراس الذي يسكن في الحدث، ويقول إن صاحب المولّد ضاعف فاتورته من شهرٍ إلى شهر تحت حجّة غلاء المحروقات، مطالباً الدولة بتنظيم القطاع. أما محمد الذي يسكن في منطقة الشويفات ويدفع 150000 ليرة بدلاً لاشتراك المولد، فيشير الى أن التقنين في منطقتهم لا يتعدّى 5 ساعات يومياً. ويلفت إلى أن الاشتراك في منطقة حي السلّم التي تنقطع فيها الكهرباء بمعدّلات أعلى يبلغ نصف الاشتراك الذي يسدده، ملاحظاً ضرورة تدخّل الدولة. ويؤكّد أبو حسين مشيك، وهو صاحب أحد المولدات في مشروع البركات الكائن في إحدى أكثر المناطق تعرضاً للتقنين في الضاحية الجنوبية، أن التسعيرة التي يفرضها بالكاد توفر له أرباحاً متواضعة، مشيراً إلى أن أوضاع الناس في تلك المنطقة لا تسمح له بزيادة التسعيرة أسوة بالعديد من المناطق الأخرى.


25 في المئة

هي نسبة الزيادة في نفقات الأسر للاشتراك في مولدات الكهرباء، وذلك وفق دراسة البنك الدولي عن «الإنفاق العام على قطاع الكهرباء»، إضافة إلى ما صرحت به المسؤولة عن قسم خبراء الطاقة في البنك الدولي آنا بجاردي التي تحدثت عن ارتفاع كلفة الاشتراك


تلاعب وسخرية!