تبدو الساحة الإسرائيلية تتجه نحو استقطاب سياسيّ حاد لا وسط فيه، يؤدي خلاله شمعون بيريز دور القوة الكبرى التي يتجنّب الجميع الوقوف في وجهها
هآرتس ـ ألوف بن
رئيس «شاس» إيلي يشاي كان الأول الذي حدد خط الفصل السياسي في انتخابات 2009: تقسيم القدس. من الصعب التصديق أن هذا الشعار الفظ لا يزال يعمل، بعد 13 سنة من استخدام بنيامين نتنياهو له بنجاح ضد شمعون بيريز. ولكنه عاد وبقوة.
بدأ هذا في الاتصالات الائتلافية التي أدارها يشاي مع رئيسة «كديما» تسيبي ليفني، واستمر في خطاب نتنياهو هذا الأسبوع في بداية دورة الكنيست، التي وعد فيها ألّا يدير مفاوضات بشأن القدس. نتنياهو لا يمكنه أن يتخلف وراء يشاي، الذي يتنافس على الأصوات نفسها.
ينبغي أن نفهم: يشاي ونتنياهو لا يعارضان فقط تقسيم القدس عملياً. بل مجرد طرحه كمسألة في المفاوضات مع الفلسطينيين. ولما كانت حكومات إسرائيل، وعلى رأسها حكومة نتنياهو، قد تعهدت في الماضي أن تكون القدس جزءاً من المباحثات على التسوية الدائمة، فإن معنى موقفهما هو أنه في الانتخابات القريبة سيتنافس معسكران سياسيان واضحان: اليسار الذي يؤيد المفاوضات مع الفلسطينيين، واليمين الذي يعارضها. هذا هو الفارق بين «كديما» و«العمل» من جهة، وبين «شاس» و«الليكود» من جهة أخرى. وهذه أيضاً هي النتيجة الواضحة لانتخاب ليفني لرئاسة «كديما». لا يوجد «حزب وسط» في الخريطة السياسية الحالية.
في هذه المرحلة من الحملة، يتوجّه كل معسكر إلى مقترعيه التقليديين، إلى «قاعدته». هذه هي الساعة الجميلة للمواقف الأيديولوجية، التي ستتشوّش مع اقتراب يوم الانتخابات. زعيما اليسار، ليفني ورئيس «العمل» إيهود باراك، يمتنعان عن الحديث صراحةً عن الانسحاب من المناطق أو تقسيم القدس. لا توجد حرية تعبير للمتنافسين في الانتخابات مثلما لرئيس الوزراء المنصرف ايهود أولمرت، الذي اقترح رعاية دولية لترتيب أوضاع الأماكن المقدسة. ولهذا فهما يكتفيان بالتلميح: ليفني في إصرارها على مواصلة المفاوضات مع أبو علاء، وباراك بتأييده للمبادرة العربية التي تطالب إسرائيل بالخروج من كل المناطق، وتحويل شرقي القدس إلى عاصمة الدولة الفلسطينية.
الرئيس شمعون بيريز تحدث هذا الأسبوع مثنياً على المبادرة العربية. رئيس الدولة يفترض به التعالي عن الجدال السياسي، وعدم الانشغال في المواضيع المثيرة للخلاف. انسحاب إسرائيلي كامل من المناطق، وحل «عادل ومتفق عليه» لمشكلة اللاجئين، كما ورد في المبادرة العربية، ليسا ضمن الإجماع في إسرائيل؛ في واقع الأمر، لا يوجد موضوع أكثر إثارة للخلاف منه. ومع ذلك، فإن أحداً في اليمين لم يهاجم بيريز على «تدخله في السياسة»، ولا على الشبه المذهل بين خطابه وتصريحات باراك.
ماذا حدث؟ هل يحترمون في اليمين شيخ القبيلة، ومستعدون لأن يغفروا له خروجه عن الصمت الرئاسي، أم أنه توجد هنا أيضاً اعتبارات عملية؟ في اليوم التالي للانتخابات، بيريز كفيل أن يكون الرجل الأقوى في الساحة السياسية. إذا ما تحققت الاستطلاعات والتقديرات التي أطلقت هذا الأسبوع في كافتيريا الكنيست، فإن كتلة اليمين ستحظى بالأغلبية في الكنيست الـ18، ولكن «كديما» كفيل أن يكون هو الحزب الأكبر. وسيتعين على بيريز أن يقرر من يكلف تأليف الحكومة المقبلة ــ ليفني أم نتنياهو. رئيس الحزب الأكبر أم زعيم الكتلة الأكبر. في مثل هذا الوضع، خسارة أن يجمع «الليكود» لديه نقاطاً سلبية منذ الآن.
خصوم نتنياهو سيحاولون الادّعاء ضده بأن مواقفه المتصلبة ستجعل إسرائيل تعلق في مواجهة محتومة مع الولايات المتحدة، التي تسعى إلى حثّ المسيرة السلمية بعد الانتخابات. وحتى لو عدل نتنياهو مواقفه بعد انتخابه مثلما فعل في الماضي، فإن زمناً باهظاً سيضيع على إيجاد الصيغة التي ترضيه.
القرار بتقديم موعد الانتخابات يضع علامة استفهام بشأن صلاحية الاقتراحات التي نقلها أولمرت وليفني إلى الفلسطينيين. اولمرت اقترح الانسحاب تقريباً من كل المناطق، وليفني أدارت محادثات على «طابا زائد». فهل ستلزم هذه الصيغ الحكومة المقبلة؟ من ناحية ليفني لا مشكلة. فهي ستواصل المسيرة نفسها، من دون صلة بالمنصب الذي ستشغله. أما نتنياهو، الذي يعارض كل انسحاب أو تنازل، فسيدعي بأنه ما دام الاتفاق الموقع غير متوافر، فإن كل اقتراحات «كديما» هي غبار تذروه الرياح.