صدر عن «الحكومة الوطنية» قرار بإلغاء شرط إعادة تكرير الزيوت النباتية المستوردة، والسبب أن المستورد الأساسي لهذا الصنف هو شقيق رئيس مجلس الوزراء المدعو سامي السنيورة، وبذلك أصبحت صحة اللبنانيين مرهونة بحفنة من الدولارات يمكن أن يوفّرها الشقيق ــ التاجر من عملية إعادة التكرير التي كانت تشترطها الأنظمة السابقة!
رشا أبو زكي
خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي عقدت في 21 تشرين الأول الماضي، وافقت الحكومة على طلب وزارة الاقتصاد والتجارة القاضي بتعديل شروط «إخضاع الزيوت النباتية المكرّرة المستوردة بشكل إلزامي لإعادة التكرير» التي حدّدتها مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور)، وبالتالي قضى قرار الحكومة الأخير باستثناء الزيوت المستوردة من شرط إعادة التكرير، إذا جرى شحنها عبر بواخر مجهّزة بخزّانات ذات «معدن خاص»، وجرى نقلها بواسطة صهاريج معدة ضد الأكسدة، ومن ثم تخزينها في خزانات تتمتع بالمواصفات نفسها، .... وقرار ليبنور صدر منذ سنتين وفرض إعادة تكرير الزيوت المكررة المستوردة قبل وضعها في الاستهلاك المحلي، وذلك لإزالة جميع الشوائب المضرّة بصحة المستهلكين خلال عملية النقل والتخزين... وقضية تعديل شرط إلزامية إعادة التكرير ليست بريئة، إذ تدور حولها العديد من المصالح المستترة التي تعود إلى صراع بين سامي السنيورة وهو الأخ الأصغر لرئيس الحكومة، الذي يستورد الزيوت المكررة بكميات ضخمة إلى لبنان. وصناعي اسمه ارسلان سنو وهو محسوب على تيار المستقبل، وهو يمتلك مصنعاً كبيراً لتكرير الزيوت في لبنان...
وتشير المعلومات إلى أنه قبل انتهاء ولاية وزير الاقتصاد والتجارة سامي حداد، أصدر هذا الأخير قراراً بخفض الرسوم الجمركية عن عدد من السلع، إلا أن قرار الخفض لم يشمل إلّا الزيوت المصنّعة، بحيث تراجعت الرسوم التي كانت مفروضة عليها من 15 في المئة الى 5 في المئة، أما الغريب، فهو إبقاء رسم الـ 15 في المئة على الزيوت النباتية الخام التي تستورد ليجري تصنيعها في لبنان. هذا القرار كان فاضحاً بسبب عدم منطقية فرض رسم على المواد الخام ونزعها عن المواد المصنّعة (الجاهزة) للصنف نفسه من جهة، ومخلّاً بتوازن المصالح بين سنو والسنيورة من جهة أخرى. إلا أن حسابات اقتصادية ــ سياسية في مجالات أخرى حققت توازناً معيّناً، وخصوصاً في ما يتعلق بملف دعم القمح، لكون سنو صاحب مطحنة، وقد استفاد كثيراً من هدر المال العام على دعم القمح خلال سنة وشهرين كاملين، كما أن إلزامية إعادة التكرير حقّقت بعض التوازن في أسعار الزيوت المطروحة في السوق، إذ إنه كان من المفترض أن يدفع السنيورة أكلاف إعادة التكرير، في الوقت الذي لا يتكبّد سنو هذه الأكلاف بسبب امتلاكه مصنعاً للتكرير، إضافة إلى إفادته من تكرير زيوت المستوردين الآخرين...
ويقول سنو لـ«الأخبار» إنه يستورد حوالى 25 ألف طن من الزيوت سنوياً، وخصوصاً الزيوت الخام، «ولكن بعدما أصدر حداد قرار خفض الرسوم على الزيوت المكررة قمت باستيراد 1500 طن من هذا الصنف فوراًَ»! ويتابع سنو «إن قرار ليبنور الإلزامي في تكرير الزيوت لم ينفّذ». ويضيف «لقد فوجئت بقرار الحكومة الأخير الذي جاء بناءً على طلب وزارة الاقتصاد بإلغاء شرط التكرير الإلزامي، فالزيت المستورد تجري تعبئته محلياً، ولكن من يراقب جودة هذه الزيوت المعبّأة؟ إذ إن عدم إعادة تكرير الزيوت يضرّ بجودة المنتجات ونوعيتها، ويزعزع الثقة بالإنتاج المحلي»!
وبعيداً عن المصالح السياسية الاقتصادية المترابطة، تعدّ إعادة تكرير الزيوت المستوردة، إن كانت مكررة أو غير مكررة أساسية جداً، إذ إن عملية نقل الزيوت وتخزينها تجري وفق المعايير والمواصفات العالمية، عبر خزانات وصهاريج مكوّنة من الـ«ستانليس ستيل»، وبالتالي، فإن عدم اتّباع هذه الشروط في عملية النقل يفرض إعادة التكرير بسبب عملية الأكسدة الناتجة من النقل عبر خزانات وصهاريج تسبب أضراراً بالغة بصحة الإنسان، وخصوصاً ما يمكن أن تحمله هذه الزيوت المستوردة من ملوّثات مثل الحديد والنحاس والرصاص...
وبالتالي، فإن ربط طلب وزارة الاقتصاد بين وقف الشرط الإلزامي بإعادة تكرير الزيوت المكررة بعبارة وردت في صلب القرار وهي «خفض سعر السلعة في الأسواق ما يعود بالنفع على المواطن» غير منطقية... أما الأكثر غرابة، فهو الاستعجال في إمرار هذا القرار من دون القيام بأية دراسة إجرائية صحية تحدد تبعات إلغاء إعادة التكرير على صحة الإنسان، إذ جاء في طلب وزارة الاقتصاد المستعجل جداً أنه «تعفى من شرط إعادة التكرير، الزيوت المستوردة على بواخر مجهزة بخزانات ذات معدن خاص»، فيما كان من المفترض تحديد نوع المعدن المستخدم، وخصوصاً أنه لا توجد في العالم سوى معادن محدّدة تمتلك مواصفات نقل الزيوت المعدة للاستهلاك البشري من دون أكسدة. ورأت وزارة الاقتصاد في طلبها أن «مديرية حماية المستهلك ستتولى أخذ عيّنات من الشحنات عند وصولها وتعبئتها من أجل الاستهلاك»... وهنا لا بد من التساؤل عن سبب القيام بهذا الإجراء الملتوي للتأكد من نوعية الزيوت فيما كان هنالك إجراء يضمن هذه النوعية عبر إعادة تكرير الزيوت المستوردة!
رئيس مصلحة حماية المستهلك فؤاد فليفل، أشار لـ«الأخبار» إلى أن طلب وزارة الاقتصاد جرى تعديله في جلسة الحكومة أمس، بحيث أضيف إلى شروط إلغاء إعادة التكرير عن الزيوت المكررة المستوردة، شرط «تعبئة الزيوت المكررة والزيوت المستوردة المعبأة دكمة على بواخر مجهّزة بخزانات معدّة ضد الأكسدة، تُنقل بواسطة صهاريج معدّة ضد أكسدتها، ومن ثم تخزّن في خزانات تتمتع بالصفات نفسها من شرط إعادة التكرير لحين إعادة النظر في المواصفات». لكن ماذا عن تحديد نوع المعدن المستخدم في تركيبة الخزانات والصهاريج؟ يجيب فليفل «إنه لا يمكن تحديد نوع المعدن بسبب كثرة أصناف المعادن المعدة ضد الأكسدة»!
ماذا عن دراسة هذا القرار؟ تشير مهندسة في مؤسسة ليبنور، إلى أن وزارة الاقتصاد والتجارة أبلغت ليبنور ضرورة تعديل الشرط الإلزامي المذكور، وبالتالي، بدأت ليبنور بدراسة هذا الموضوع، ولم تعطِ الوزارة حتى الآن النتائج التي تقوم بها اللجنة الفنية لليبنور. ولفتت إلى أن أي سلعة تحتاج إلى مواصفات لكي تستطيع الدخول إلى السوق. وتلفت إلى أنه خلال الأسبوع المقبل تصدر نتائج الدراسة التي تعدّها ليبنور عن هذا الموضوع، مشدّدة على أن تعديل المواصفات يستند دائماً إلى دراسة واستنتاج علمي!


20 ألف دولار

هي الكلفة اليومية لرسو باخرة في المرفأ، ويشير أحد المطلعين إلى أن هذه الكلفة تستدعي سرعة في إفراغ الباخرة، أي وجود عدد كبير من الشاحنات، ويؤكد أن عدد الشاحنات المجهزة ضد الأكسدة قليل في لبنان، ما يعني التلاعب على قرار الحكومة المتعلق بالزيوت


تعديل قرار باتصال!

التعديل الذي حدث أمس على قرار مجلس الوزراء، لم يتخذ بقرار آخر من مجلس الوزراء على الرغم من انعقاد جلسة حكومية أمس، إذ إنه جرى بعد اتصال بين وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي، والأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، وقد أشار الصفدي إلى أنه ورد خطأ في متن القرار، وطلب التعديل... فكان ما أراده! وعلى هذا الأساس، اتّصل سنو بـ «الأخبار» مساء أمس، مشيداً بالقرار، معتبراً أنه لمصلحة المستهلك، مشيراً إلى أن تحديد فكرة أن يكون نوع المعدن المستخدم في نقل الزيوت النباتية غير مسبّب للأكسدة يضمن جودة المواد المستوردة ونوعيّتها!