القصة الكاملة لانهيار صفقة دمج عودة ـــ هرمسمحمد وهبة
...وفجأة تهاوت الصفقة التي شغلت الوسط المصرفي في لبنان، فقد أعلنت مجموعتا «بنك عودة» و«هيرمس»، منذ يومين، وقف مفاوضات الدمج بسبب ظروف الأزمة المالية العالمية، وقد أصرّت الرئيسة التنفيذية في «هيرمس» دينا السنباطي في اتصال مع «الأخبار» على أن البيان المشترك واضح لجهة أسباب وقف الدمج، رافضة الخوض في تفاصيل تأثيرات الأزمة المالية العالمية على المفاوضات. وبحسب المعلومات المتداولة في بيروت، فإن هناك أكثر من عنصر أسهم في وقف الصفقة ووضعها «على الرف»، منها تحفّظات مساهم خليجي في «بنك عودة»، ومنها تحفظات أعضاء المجلس المركزي السابق لمصرف لبنان التي عادت للظهور بعد الأزمة المالية العالمية، إذ تبيّن لدى عدد من أعضاء لجنة الرقابة على المصارف أنه لو وافق المجلس المركزي على عملية الدمج لكانت قد نفّذت منذ أشهر، ولم يكن حينها بمقدور أحد معرفة حجم الخسائر التي قد تتكبّدها المجموعة المصرفية الحديثة الاندماج، علماً أن المجموعة المصرية قد منيت بخسائر أدت إلى تراجع سعر سهمها في يوم واحد بأكثر من 40 في المئة مما يدل على مدى انخراطها في الاستثمارات المسمّمة، التي أدت إلى انهيارات في مؤسسات عالمية. وتقول المصادر إن المساهم الخليجي كان قد وافق مع مسعى مساهمين لبنانيين في «بنك عودة» وعدل عن تحفظاته، لكنه تراجع بعدما بدأت النتائج المالية للأزمة العالمية تظهر.
وفي السياق نفسه، قالت مصادر مصرفية متابعة إن معادلة تقويم الأسهم لم تعد قابلة للاستخدام في المفاوضات الحالية في ظل عدم وضوح حجم الخسائر للمجموعة الاسثتمارية المصرية، وبالتالي صار من الصعب تقويم سعر سهم «هيرمس» حالياً تقويماً حقيقياً، ومقارنة سعره بسعر سهم «عودة»، كما يصعب التكهن بالدور المستقبلي للمصارف الاستثمارية، وخصوصاً في ما يتعلق بربحيتها التي كانت مبنيّة على استثمارات في مشتقات مالية خطرة، على عكس ما كان يحدث للمصارف اللبنانية لأسباب محض محليّة.
لكن قصة الدمج بدأت منذ أكثر من سنة، بدفع من اثنين من كبار المساهمين في بنك عودة كانا يبحثان عن شريك استراتيجي يؤمّن لهما بلوغ «الإمبراطورية» المصرفية العربية التي ستنافس البنك العربي في حجم انتشاره وقدرته المالية... كما أن عودة سيستفيد من الدمج مع مصرف استثماري لديه نسبة ربحية أعلى بكثير من العمل المصرفي بالمعنى التقليدي المعروف في لبنان، ولم يكن أحد يعلم أن عصر المصارف الاستثمارية لن يعود رائجاً بعدما غرقت هذه المصارف في وحل الاستثمارات المسمّمة مما اضطر الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى «خرق» النظام «النيوليبرالي» والقيام بأوسع عملية تدخّل في السوق لإنقاذ أنظمتها المالية والنقدية من الانهيار الشامل.
وفي ذلك الوقت، كان القيّمون على «بنك عودة» قد نقلوا مفاوضاتهم إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي عرض الموضوع شفهياً على المجلس المركزي لمصرف لبنان، فأبلغه عدد من الأعضاء تحفظاتهم على دمج أكبر مجموعة مصرفية محليّة في مصرف استثماري خارجي لا يخضع لسيطرة مصرف لبنان، وهو مملوك بالسياسة من طرف مصري معروف، طالبين منه تأجيل طرح الموضوع في انتظار كتاب رسمي من «بنك عودة»، وأيضاً لمعرفة مصير المجلس المركزي الذي اقتربت، آنذاك، مدة انتهاء ولايته.
في تلك الفترة كانت هناك مشكلة قانونية ــ إدارية هي محور تحفظ حاكمية مصرف لبنان، تتعلق بعمليات الشركة ومجلس إدارتها والسلطات المصرفية التي ستخضع لها... وفي حزيران 2008 أصدر حاكم مصرف لبنان تعميمين ينظّمان عمل شركات الهولدنغ في لبنان، والعلاقة مع شركات الهولدنغ في الخارج.
لكن المفاوضات استمرت في جولات جرت في ألمانيا وشرم الشيخ ودبي... وبلغت خواتيمها، ففي 5 آب، أي بعد خمسة أيام على انتهاء مدة ولاية نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، تقدم «عودة» بطلب رسمي من مصرف لبنان للحصول على الموافقة على عملية الدمج، فيما تقدمت «هيرمس» بالطلب نفسه إلى السلطات المصرفية في مصر. فردّ سلامة بموافقة مبدئية في 13 آب، وصفتها مصادر قانونية بأنها مخالفة لقانون النقد والتسليف، مشيراً إلى أنه «لا يرى مانعاً يحول دون إتمام العملية»، وطلب منه التقدم بطلب للاستحصال على موافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان على عمليات التفرغ عن أسهمه التي ستُجرى لمصلحة شركة الهولدنغ اللبنانية المنوي تأسيسها.
ولم تبقَ في الاتفاق إلا مشكلة التسعير، فقد عرضت «هيرمس» في البدء مساواة كل 9 أسهم منها بسهم واحد من «عودة»، لكن شيئاً ما دفع المجموعة المصرية إلى التلويح العلني بالانسحاب من المفاوضات وبيع كل أسهمها في المجموعة اللبنانية بسرعة، وأمهلت «بنك عودة» ستة أسابيع للموافقة على العرض الأخير الذي رفع القيمة إلى «سهم من عودة مقابل عشرة من هيرمس».
حتى هذه النقطة لم يعد أمام إنجاز الصفقة إلّا الحصول على موافقة المجلس المركزي على تفريغ الأسهم ونقلها إلى شركة الهولدنغ الجديدة في دبي، التي ستنتقل إليها أصول المجموعتين المصرفيتين في مصر ولبنان. ودخل الأمر في مرحلة انتظار قصيرة حتى بدأت الخسائر تظهر بسبب الأزمة العالمية.
وكان الاتفاق يقضي، بحسب ما تقول مصادر مصرفية، بتأسيس ثلاث شركات قابضة، الأولى لبنانية وتملك أسهم «عودة ــ سرادار»، والثانية تملك أسهم مجموعة «هيرمس» المصرية ومركزها في دبي. والثالثة هي بمثابة الشركة القابضة الأم ومقرها في دبي، وتخضع لتعاميم مصرف لبنان، من حيث المراقبة والتفرغ عن الأسهم، وستبلغ قيمة موجوداتها أكثر من 20 مليار دولار أميركي، وسيتألف مجلس إدارة الشركة القابضة الأم من 15 عضواً (7 لبنك عودة، و7 لهيرمس وعضو مستقل واحد)، وتنبثق عنه إدارة تنفيذية مؤلفة من 4 مديرين تنفيذيين (يتمثّل فيها سمير حنا وفريدي باز من بنك عودة، واثنان من هيرمس هما ياسر الملاواني وحسن هيكل).
وجاءت هذه الخطوة بعد زيادة «بنك عودة» رأس ماله بقيمة مليار دولار، لتصبح قيمة أمواله الخاصة حوالى ٣ مليارات دولار، وفي المقابل كان على «هيرمس» أن تزيد أموالها الخاصة التي تبلغ حالياً حوالى 1.5 مليار دولار، وتزيد رأس مالها بقيمة مليار دولار، لتصبح حقوق المساهمين الإجمالية بقيمة 2.5 مليار دولار.


9.5% حصّة «أدايا»

في أسهم مجموعة «هيرمس»، و«أدايا» أو هيئة الاستثمارات في أبو ظبي تملك أيضاً حوالى 20% من أسهم «بنك عودة» عبر شهادات إيداع عمومية وأسهم مباشرة


15% من الدين العام

يحمله «بنك عودة» وذلك عبر سندات خزينة سيادية مصدرة بالليرة اللبنانية، وسندات خزينة سيادية مصدرة بالدولار الأميركي «يوروبوندز»

علاقة قديمة


ان أحد الأسباب لإنهاء ملف الدمج يعود الى استحالة جمع حوالي مليار دولار من الأسواق لزيادة رأس المال. وتعود العلاقة بين «هيرمس» و«عودة» إلى عام 2006، حين تملّكت المجموعة المصرية 23.05 في المئة من بنك عودة، ثم زادت هذه الحصة إلى 25.82 في نهاية العام نفسه، ثم إلى 28.45 في المئة عام 2007