الكتل السياسية موافقة على الخطة... ولكن متى الإقرار؟ رشا أبو زكي
قبل إنشاء مصنع ما، لا بد من معرفة نوع الأرض التي يُبنى عليها المصنع، فمن الممكن أن تكون على فالق زلزالي. قبل أن يجري تنفيذ مشاريع شق مجاري المياه الآسنة في منطقة معيّنة، لا بد من الاطّلاع على خرائط المواقع الأكثر خطورة، من حيث تسرّب الملوثات باتجاه المياه الجوفية. قبل القيام بمشروع زراعي، لا بد من التعرف إلى نوع التضاريس لتحديد أنواع المنتجات الزراعية الممكنة والتقنيات المستعملة، إضافة إلى معرفة نوعية التربة، ومدى عمقها، ومدى احتوائها على المواد العضوية، ومدى حموضتها، وقدرتها على امتصاص المياه، ومواجهتها لأخطار الانزلاق والتآكل. قبل توجيه المشاريع التنموية إلى المناطق لا بد من التأكد من حاجات هذه المناطق الصحية والتربوية والسياحية والزراعية وغيرها، والخدمات المطلوبة نسبة إلى الخدمات المتوافرة في المناطق القريبة منها، لتحديد نوعية الاستثمارات والمشاريع اللازمة... وذلك لكي تكون التنمية تكاملية بين جميع المناطق اللبنانية، وليست تقسيمية فوضوية كما يحصل الآن... أما السبيل المتوافر للوصول إلى هذا الهدف، فهو معبّد بإقرار «الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية» التي أعلن معظم الوزراء الذين يمثلون الكتل السياسية لـ«الأخبار» موافقتهم عليها.

قصة... قد تنتهي

فمن المقرر أن يعرض مجلس الإنماء والإعمار اليوم «خطة ترتيب الأراضي» في جلسة مجلس الوزراء، وذلك للمرة الأولى منذ الانتهاء من إعداد هذه الخطة عام 2004، وبعدما وردت في بيانين وزاريين. هذه الخطة تدرس بدقة وموضوعية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية في المناطق اللبنانية وجميع خصائصها، وتضع استراتيجية تنموية للسنوات الثلاثين المقبلة، وتهدف إلى توجيه الاستثمارات والمشاريع التنموية، وقد بدأ الحديث عنها منذ تأسيس مجلس الإنماء والإعمار، لا بل تعدّ هذه الخطة سبب وجود هذا المجلس ومحور عمله، وخصوصاً أنه يعدّ وريثاً لوزارة التصميم بعد إلغائها. ويشير الخبير الاقتصادي شربل نحاس الذي شارك في إعداد هذه الخطة لمصلحة مجلس الإنماء والإعمار، إلى أن الكلام الجدي عن القيام بخطة ترتيب للأراضي اللبنانية بدأ في عهد رئيس الحكومة السابق سليم الحص، إلا أنه جرى تلزيم البدء بإعدادها عام 2001 في ولاية رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وقد انتهى العمل بهذه الخطة عام 2004، وكان من المفترض أن تقر، ولكن ذلك لم يحصل. ووردت هذه الخطة في البيان الوزاري لحكومة الرئيس السابق عمر كرامي، وعندما أصبحت قيد النقاش في مجلس الوزراء، حدث اغتيال الرئيس الحريري، وطُوي الحديث عن الخطة.
وقد أعيد إدارج خطة ترتيب الأراضي في عهد الرئيس نجيب ميقاتي، إلا أن الأخير طلب أن تُرسل الخطة إلى مجلس الشورى للأخذ برأيه، على الرغم من أن مشروع الخطة ملزم بطبيعته للإدارات العامة، ولا يمسّ المواطنين مسّاً مباشراً. وبعد إرساله لم يعطِ مجلس الشورى رأيه إلى حين انتهاء ولاية ميقاتي، فجاءت حكومة فؤاد السنيورة الأولى، وبدأ مجلس الإنماء والإعمار يعدّ البرنامج الاستثماري لهذه الخطة، إلا أن التطورات السياسية التي عصفت بلبنان جمّدت العمل بالخطة.

عرض فقط!

وتبرز ثُغرُ السياسة التنموية المتّبعة في لبنان في عدة مجالات، لا بل تمظهرت بخطورتها وعشوائيتها بعد حرب تموز، حيث جرى صرف مليارات الدولارات من جانب جمعيات محلية ودولية، وجهات مانحة ودائنة، إلا أن آثار هذه المشاريع مختفية، والواقع الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتربوي في المناطق التي جرى استهدافها لا يزال على حاله. والغريب في هذا الإطار أن جميع الوزراء من دون استثناء يتغنون بالوطنية والتنمية وتحسين معيشة المواطنين وتحويل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد منتج ومتطور، وجميعهم يسعون إلى تحقيق انتصارات انتخابية يعوّل عليها المواطنون لتحقيق بعض المطالب... فيما لا يعرف عدد منهم (معارضة وموالاة) أي شيء عن هذه الخطة الوطنية، سوى أنها مدرجة في جدول أعمال جلستهم، فيما يسعى البعض الآخر إلى وضعها في خانة التجاذبات السياسية!
يقول وزير المال محمد شطح لـ«الأخبار»، إنه يتوقع أن تُعرض هذه الخطة في جلسة اليوم لكي تأخذ وقتها في النقاش، ويلفت إلى أنها خطة مهمة جداً «وقد سمعت كثيراً من الوزراء من العديد من الكتل السياسية يشيدون بمضمونها». ويتابع «هذه الخطة تعطي لكل منطقة تصنيفاً محدداً وتدرس ما هي المتطلبات الإنمائية الخاصة بها، وبالتالي، فهي خطوة مهمة نحو تطوير العمل الإنمائي في لبنان، ووضعه على طريق التنظيم ومراعاة الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للمناطق». ويتوقع أن يجري إقرار الخطة خلال الولاية الحالية للحكومة، وذلك بعد دراستها وإجراء تعديلات عليها، إن وجِدت.
أما وزير الشؤون الاجتماعية ماريو عون، فيشير إلى أن الخطة مهمة جداً، والتكتل سيسير بها، وإن كان يلزمها دفع، فسيضغط التكتل لإقرارها. إلّا أن وزير المهجرين ريمون عودة، «غير مطّلع على هذا الموضوع». وكذلك وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان، الذي قال: «سنستمع إلى عرض مجلس الإنماء والإعمار، إن كان مقنعاً فسنسير به، وإن لم يكن كذلك فسنعترض عليه»!
فيما أشار وزير الدولة جان أوغاسبيان، إلى أن هذه الخطة وزعت على الوزراء قبل شهر تقريباً من الآن، وهي تنتظر توافق التكتلات السياسية عليها، وخصوصاً أن هذه الخطة ضرورية جداً وتقلب صفحة جديدة في الحياة التنموية في لبنان. ورأى أنه من المتوقع أن تواجَه الخطة باعتراضات سياسية نتيجة ما ورد في مشروع الموازنة بشأن إغلاق بعض الصناديق.
وزير الصحة، محمد خليفة، أكد أهمية هذه الخطة، وشدّد على دفعها نحو الإقرار، مشيراً إلى أن جلسة اليوم لن تكون رسمية، وبالتالي، سنعمل على وضع «خطة ترتيب الأراضي» على جدول أعمال إحدى جلسات مجلس الوزراء المقبلة، بعد دراستها ومعرفة إن كانت هناك بعض التعديلات اللازمة عليها.


1.2 مليون نسمة

هو حجم النمو الديموغرافي خلال الأعوام الـ 30 المقبلة بحسب الدراسة، ما سيترجم حاجات متنامية في مجال الخدمات المدينية المختلفة، وتعديلات في السلوك وفي الحاجات، وخاصة في ما يتعلق بالتنقّلات والدراسة، والطبابة والنفايات...


مشروع توجيهي إنمائي