قبل أيام قليلة من حوار القاهرة، لا يزال الشك يحوم بشأن فرص انعقاده في ظل التباين في المواقف بين الأطراف. تباين يبدو أنه يشمل أيضاً حركة «حماس»، التي لم يتفق قادتها بعد على استراتيجية موحّدة للحوار
حسام كنفاني
الساعات القليلة الماضية شهدت تلويحاً «حمساوياً» جديداً بمقاطعة الحوار، رغم المواقف السابقة المشدّدة على المشاركة، التي خرجت من كبار قادتها. وبغض النظر عن الموقف المبدئي للحركة الإسلاميّة من الورقة المصريّة، فإن معلومات بدأت تروّج عن قراءتين مختلفتين لها في التعاطي مع جهود المصالحة.
قراءتان يمكن استنباط لهجتين منهما، معتدلة ومتشدّدة، وملامح تناقض في المواقف بين «حماس» الداخل، وخصوصاً قطاع غزة، والفريق المنفي في الخارج، ولا سيما في دمشق. وبحسب مصادر فلسطينية مطلعة لـ «الأخبار»، فإن التباين في المواقف برز في تبادل رسائل بين الداخل والخارج لتنسيق المواقف في ما يتعلق باستراتيجية التعاطي مع حوار القاهرة. وأضافت إن «رسالة الخارج تميّزت بلهجة ليّنة ومهادنة، ما استدعى ردّاً جوابيّاً من الداخل يحمل مجموعة من التحفظات على بعض البنود الواردة فيها».
وأوضحت المصادر، المطلعة على الرسالتين، أن قيادة الحركة الإسلاميّة في الخارج وضعت مجموعة من «المحدّدات والمستلزمات» لنجاح الحوار في القاهرة، مع الحرص على عدم ظهور «حماس» طرفاً معطّلاً في الحوار. وأشارت في رسالتها إلى وجود «مؤشّرات إلى توجّه بعض العرب لدعم استمرارية الرئيس محمود عباس، وتأمين مصالحة تنسجم مع رؤيته، وتحميل حماس مسؤولية إفشال الحوار».
ودعت الرسالة إلى «وضع تصوّر واضح لإفشال مخطّط إدانة الحركة»، مع التشديد على أهميّة استحقاق الحوار «لخطورة تأثير الانقسام على المشروع الوطني». ولهذا الغرض وضعت الرسالة مجموعة من «المحدّدات»، أبرزها «الحيلولة دون تأليف موقف سلبي من الحركة وقطع الطريق على أي غطاء عربي لتمديد شرعية عباس، مع الحفاظ على مكتسبات الحركة، والدفع لترشيح مبدأ الشراكة مع وجوب الأخذ بالاعتبار نتائج الانتخابات».
وشدّدت الرسالة، بحسب المصادر، على أن «استمرار الانقسام يؤدّي إلى إطالة أمد الحصار على قطاع غزة، ولا بد من معالجته»، مؤكدة الاستعداد للاستفادة من الخبرات الأمنيّة العربية في إعادة بناء الأجهزة الأمنية ورفض دخول قوّات عربية. كما أعادت التأكيد على ضرورة الإصرار على أن يبدأ الحوار بين «حماس» و«فتح» قبل الانتقال إلى مناقشة الورقة المصرية، على أن يكون الاتفاق «رزمة كاملة».
وتحت بند «مستلزمات»، أوردت الرسالة مجموعة من التدابير لا بد من تحضيرها، أبرزها «إعداد تصور لكيفية بناء الأجهزة الأمنية، مع أسماء من الضفة الغربية وغزة. وبلورة مرشّح الحركة لرئاسة الحكومة الانتقالية مع أسماء مرشحين للدخول في الحكومة». وشدّدت على أن تكون الحكومة «انتقالية وتوافق وطني، والاتفاق على رئيسها والوزراء ورفض التكنوقراط، على أن تكون مهمتها تصريف الأعمال والإعداد للانتخابات، وتكون ولايتها مرتبطة بإنجاز المهمات الموكولة إليها حتى نهاية حزيران 2009». أما الانتخابات، فإن «الأصل في أن تكون في موعدها، لكن لا مانع من التزامن في موعد متفق عليه». وأكدت الرسالة رفض التعديلات على قانون الانتخابات، في إشارة خصوصاً إلى التمثيل النسبي. وختمت بالتشدّيد على أنه في «حال لجوء الطرف الآخر إلى عدم الاتفاق، تبلور الحركة خطتها للتعاطي مع ذلك»، مع التأكيد على أن الاتفاق يجب أن يكون «على كل شيء أو لا شيء».
«حماس» الداخل، في رسالتها الجوابية، رأت نفساً ليناً في التعاطي مع الحوار، على اعتبار أن «هناك شروطاً تعجيزية لإنجاحه»، في ظل «استباحة البنية التحتية للحركة في الضفة الغربية». وشددت على أننا «لا نريد أن نبسط السيطرة على غزة ونفقد الضفة».
بداية الملاحظات على رسالة الخارج جاءت على عبارة «الانقسام يهدّد المشروع الوطني»، مشيرة إلى أن التهديد ليس في الانقسام وحده «بل في بقاء مشروع أبو مازن». وطالبت بشطب عبارة «استمرار الانقسام يؤدي إلى استمرار الحصار، حتى لا يمثّل سيفاً مسلطاً» على رقبة الحركة. ورفضت قيادة الداخل فكرة حكومة انتقالية، مشدّدة على حكومة توافق وطني تلتزم نتائج الانتخابات، على أن يحدّد مهماتها البرنامج الذي ستنال عليه الثقة. ورأت أن من المبكر البحث في أسماء مرشحين لرئاسة الحكومة وتولي وزارات. وطالبت باعتماد آلية اتفاق مكة في التأليف، والاتفاق على النسب قبل ذلك. أما الأجهزة الأمنية، فأشارت إلى ضرورة «بنائها على أسس وطنية على أن تتبع لوزير الداخلية».
ودعت قادة الداخل إلى «شطب فكرة الحكومة الانتقالية والانتخابات المبكرة. ورفض فكرة تمديد ولاية أبو مازن، على اعتبار أنه يحمل مشروع تصفية القضية». وأضافت، بحسب النص الذي اطلعت عليه المصادر، «بناءً عليه لا بد من العمل على إنهائه (عباس) سياسيّاً». وتابعت «عباس في مأزق ويجب عدم إعطائه حبل النجاة من مأزقه». وأشارت إلى أن «التمديد لعباس ينقذ فتح من أزماتها، وهذا ما لا نريده».


عقبات الانعقاد

الحوار الفلسطيني ينطلق الاثنين. الفرضية لا تزال تحمل الكثير من الشكوك، وخصوصاً أن الموعد لم يخرج من القاهرة رسميّاً بعد، بل تناقله مسؤولو الفصائل الفلسطينية، من دون أن يعطوا أي تفاصيل لإلية طاولة الحوار وافتتاحه.
كما أن شكل المشاركة في الحوار لا يزال محل أخذ ورد، ولا سيما أن قادة الصف الأول في الفصائل الفلسطينية يربطون مشاركتهم بحضور الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لجلسات الحوار لا مشاركته في الافتتاح فقط.
حتى الان لا تزال أوساط منظمة التحرير تشير إلى «الالتزام بقرار اللجنة التنفيذية»، الذي نص على مشاركة عباس في الافتتاح باعتباره «رئيس المنظمة لا طرفاً فصائليّاً»، رغم رئاسته أيضاً لحركة «فتح»، التي ستمثَّل في هذه الحال بعضو اللجنة المركزية، نبيل شعث، وهو ما يثير امتعاض حتى أطراف في منظمة التحرير «لأن شعث لا يملك القدرة على الحل والربط». وبناءً عليه، فإن بعض قادة الصف الأول أرسلوا بطلب استفسارات من القاهرة عن مستوى المشاركة، لتحديد قرارهم بالسفر من عدمه.
الاعتراض الثاني، والقائم خصوصاً من «حماس»، هو على السيناريو الذي وضعه المصريون لآلية الحوار، والذي يقوم على رفض تعديل أي بند من بنود الورقة المصرية، وإحالة مناقشتها على اللجان. وبحسب مصادر مطلعة، فإن «المصريين وضع سيناريو يبدأ بكلمات افتتاحية من الضيوف المشاركين، على أن يلي ذلك بعض المناقشات، ثم إقرار الورقة كما هي، لتكون أساس اجتماعات اللجان التي ستبدأ في القاهرة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، وتختتم في التاسع والعشرين من الشهر نفسه».
(الأخبار)