هناك ملاحظات كثيرة على مشروع قانون موازنة عام 2009، إلا أن أبرزها الارتفاع اللافت في كلفة خدمة الدين العام بنسبة 35.6 %
محمد زبيب
يقدّر مشروع قانون موازنة عام 2009 كلفة خدمة الدين العام بحوالى 6304 مليارات ليرة (ما يعادل 4.2 مليارات دولار)، باستثناء الفوائد على المستحقات على مؤسسة كهرباء لبنان، مقارنةً بحوالى 4650 مليار ليرة (ما يعادل 3.09 مليارات دولار) ملحوظة في مشروع قانون موازنة عام 2008، أي بزيادة قدرها حوالى 1654 مليار ليرة (ما يعادل 1.1 مليار دولار) ونسبتها 35.6 في المئة.

زيادة من دون إيضاحات

طبعاً لم يتضمّن هذا المشروع، المعروض على مجلس الوزراء، أي إيضاحات لأسباب هذه الزيادة الكبيرة، بل هو يتعامل معها وكأنها تحصيل حاصل لا يستدعي أي نقاش أو سؤال، فيما المسؤولون في وزارة المال ومصرف لبنان يؤكّدون في كل إطلالة إعلامية لهم سياسة استقرار الفوائد، وعدم وجود أي نيّات لرفع أسعار الفائدة المحلية، ولا سيما في ظل المنحى التراجعي لأسعار الفوائد في معظم دول العالم بسبب أزمة الأسواق المالية، واتجاهات الانكماش الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى.

شروح وزارة المال

ويكتفي وزير المال محمد شطح في تقريره المرفق مع مشروع قانون الموازنة بتقديم الشروح الكمية الآتية:
1- إن مبلغاً يقدّر بحوالى 401 مليار ليرة (ما يعادل 266 مليون دولار) سيخصص لتسديد أقساط القروض المعقودة من جانب مجلس الإنماء والإعمار وبعض الإدارات لتمويل المشاريع.
2- إن كلفة فوائد الدين العام المتوقعة في مشروع موازنة 2009 ستبلغ حوالى 5903 مليارات ليرة (ما يعادل 3.9 مليارات دولار)، منها مبلغ 3518 مليار ليرة (ما يعادل 2.3 مليار دولار) كفوائد على سندات خزينة بالعملة المحلية، ومبلغ 2385 مليار ليرة (ما يعادل 1.6 مليار دولار) كفوائد على الدين العام بالعملات الأجنبية (فوائد على القروض وسندات اليوروبوندز)، من دون الفوائد على مستحقات مؤسسة كهرباء لبنان، ومن دون أقساط القروض المعقودة لتمويل المشاريع.
وتتوزع كلفة فوائد الدين العام (5903 مليارات ليرة)، بين فوائد على الدين العام المعقود حتى نهاية حزيران 2008، والمقدّرة بحوالى 4785 مليار ليرة (ما يعادل 3.2 مليارات دولار)، وبين فوائد على عمليات التمويل الجديدة المرتقبة خلال عام 2009، والمقدّرة بحوالى 1118 مليار ليرة (ما يعادل 742 مليون دولار).

الفرضيات تزيد من الضبابية

ويكتفي الوزير شطح أيضاً بسرد الفرضيات التالية التي تتحكّم في تحديد تقديرات خدمة الدين العام، وهي:
* خصخصة قطاع الاتصالات في موعد لا يتجاوز تموز 2009، وهذه الفرضية ستؤدي إلى تراجع المبالغ المتوقّع تحويلها من وزارة الاتصالات إلى الخزينة العامّة من حوالى 1750 مليار ليرة (ما يعادل 1.1 مليار دولار) في عام 2008 إلى حوالى 1451 مليار ليرة (ما يعادل 962 مليون دولار) في العام المقبل، أمّا إذا لم تصحّ هذه الفرضية فإن المبالغ المتوقّع تحويلها إلى الخزينة سترتفع إلى حوالى 2100 مليار ليرة (ما يعادل 1.4 مليار دولار)... ولا تذكر وزارة المال أي شيء عن انعكاس عدم تحقق الفرضية المذكورة على كلفة خدمة الدين العام، فتقتصر مقاربتها على احتمال تحقّقها فقط، وهو ما يزيد الأسئلة عن الأسباب الحقيقية المبهمة لارتفاع كلفة خدمة الدين العام بهذا القدر في السنة المقبلة.
■ ارتفاع حجم الدين العام الإجمالي المتوقع في نهاية عام 2008 إلى حوالى 68976 مليار ليرة (ما يعادل 45.7 مليار دولار)، علماً أن الوزير محمد شطح توقّع أن يبلغ حجم الدين العام في نهاية هذه السنة حوالى 47 مليار دولار، وذلك جاء بعد تقديمه مشروع الموازنة، وعلماً أيضاً أن برنامج ما يسمّى باريس 3 جزم بأن الدين في الفترة نفسها لن يتجاوز 41.3 مليار دولار (مع المساعدات) و43 مليار دولار (من دون المساعدات)، وهذا يعني أن هناك ما بين 4 مليارات و5.7 مليارات دولار زيادة غير متوقّعة في الاستدانة.
* اعتماد معدل مثقل لفوائد سندات الخزينة بالليرة اللبنانية بما يعادل 8.9 في المئة بسبب زيادة الاكتتابات بفئة 36 شهراً، ومعدل مثقل لفوائد سندات الخزينة اليوروبوندز بالدولار الأميركي بما يعادل 8.6 في المئة... أي إن مشروع الموازنة لا يتوقع ارتفاعاً ظاهراً في معدّلات أسعار الفائدة على الدين العام، على الرغم من الأسئلة المثيرة عن التقارب في معدّلات الفائدة بين الليرة والدولار، وهو ما قد يمثّل للمتابعين مدخلاً جيداً لفهم أسباب ارتفاع كلفة خدمة الدين العام.

الأسئلة المشروعة

استناداً إلى ما سبق، لا يقدّم مشروع الموازنة إجابة عن السؤال المطروح: هل زيادة كلفة خدمة الدين العام ناجمة عن زيادة أسعار الفائدة أم عن زيادة الدين العام نفسه بما يفوق حاجات تمويل الخزينة؟
إن قراءة سريعة لما يجري حالياً، تبين أن هناك اتجاهاً لتحميل الخزينة العامة جزءاً من الخسائر التي كان يتحمّلها مصرف لبنان من جراء امتصاص السيولة لدى المصارف بكلفة عالية، وإعادة توظيفها في الدين العام بكلفة أقل... وما يعزّز هذا الاحتمال هو تركيز برنامج «ايبكا» مع صندوق النقد الدولي على ضرورة الحدّ من خسائر البنك المركزي، ويترافق ذلك مع تشديد الضوابط على توظيفات المصارف في ظل الأزمة العالمية، في الوقت الذي تتزايد فيه عمليات تحويل الودائع من العملات الأجنبية إلى الليرة (حوالى 5 مليارات دولار منذ بداية العام ما أسهم في انخفاض معدّل الدولرة إلى 71 %).
ولعل أبلغ تعبير عن ذلك، هو ما قاله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نفسه، عن «أن لدى البنك المركزي الأدوات اللازمة لكي يبقى اللاعب الأساسي لضبط فائض السيولة، كما أن وزارة المال تتلقّى تجاوباً من الاكتتابات في سندات الخزينة، ولذا فإن السيولة المتروكة في السوق هي تبعاًَ للمستويات التي نحددها للمحافظة على الاستقرار والأسعار».


82%

حجم خدمة الدين العام قياساً إلى الإيرادات الضريبية في موازنة العام 2009