نجحت السلطة السياسية في توجيه الضربة القاضية إلى الحركة النقابية في لبنان، فشرذمت الاتحاد العمالي العام، إلا أن حركة ناشئة بدأت تحمل لواء المطالب العمالية، فرصّت صفوف الأساتذة تحت اسم «هيئة التنسيق النقابية»، فهل سيتم تدميرها؟
رشا أبو زكي
لا يختلف أيّ من العمال والأطراف النقابية الموجودة على الساحة على أن الحركة النقابية تشهد منازعة مع الموت، فمع انصهار قيادات الاتحادات النقابية والنقابات العمالية بالأطراف السلطوية، وتوزيع «التفريخات» النقابية بين مشروع سياسي ومشروع سياسي مضاد، ضاعت التحركات المطلبية في صحن «الزبائنية» التي «بلّت» جميع الجهات السياسية القديمة والجديدة يدها فيه. وفي ظل الأزمة الواقعة، تشق هيئة التنسيق النقابية شرخاً صغيراً في الحركة النقابية العامة، لتصبح يوماً بعد يوم رافعة للتحركات المطلبية، يعوّل عليها آلاف الأساتذة والمعلمين اللبنانيين لتحقيق مطالبهم أو على الأقل الدفاع عن حقوق مكتسبة تسلبها السلطة السياسية من أفواههم وجيوبهم تدريجاً... هذه الحركة الناشئة، التي مضى على انطلاقتها 10 سنوات، أصبحت في مرمى أهداف السلطة حالياً، بحيث تحاول هذه الأخيرة الهجوم على هيئة التنسيق بأسلحة مدمّرة مختلفة، منها نزع حقوق الأساتذة والمعلمين، وعدم تلبية مطالبهم على الرغم من الضغط الممارس، إضافة إلى اتّباع أسلوب التحايل على تركيبة هيئة التنسيق، من حيث التدخل في انتخابات الروابط والنقابات المنضوية في الهيئة، ومحاولة تحطيم هذه الحركة داخلياً لجعلها نموذجاً مصغراً عن الاتحاد العمالي العام.
تشكلت هيئة التنسيق النقابية في عام 1998، وذلك عقب إقرار الحكومة الزيادات على الرواتب، إلا أنها دفعت للمستحقين في مطلع عام 1999، من دون دفع الفروق المترتبة عن الفترة ما بين 1996 و1999... وبالتالي بدأت الهيئة تحركاتها، في تركيبة ضمّت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، ورابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، وأساتذة التعليم الأساسي، ورابطة التعليم المهني الرسمي، ورابطة متخرجي ومتدربي المعهد الوطني للإدارة والإنماء، ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة، وقدامى موظفي الدولة.
ويشير نائب رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي فؤاد عبد الساتر لـ«الأخبار» إلى أن الهيئة أصبحت تنوب عن الاتحادات العمالية في تحركاتها. وخصوصاً في ما يتعلق بتصحيح الأجور، بحيث لم يبق سوى صوت الأساتذة الرافض لهذه الزيادة. وعن سر توحّد الهيئة، يلفت عبد الساتر إلى أن هذه الأخيرة مستقلة عن السياسة، على الرغم من أنها تحوي جميع التلاوين السياسية الموجودة في السلطة وخارجها. هذا الواقع أدى إلى هجمة كبيرة على الهيئة من السلطة، وخصوصاً من ناحية محاولاتها الحثيثة للهجوم على الحقوق المكتسبة للأساتذة، ويتجلى ذلك أنه خلال الـ12 سنة الماضية «لم نقدم على رفع مطلب جديد، إذ كانت كل تحركاتنا تقوم على الدفاع عن حقوقنا المكتسبة سابقاً»!
وتتعرّض نقابة المعلمين في المدارس الخاصة حالياً لتدخّلات سياسية على غرار ما حصل في النقابات العمالية، إذ ارتفع عدد طلبات الانتساب إلى النقابة من 12 ألف طلب إلى 21 ألف طلب قبيل انتخابات هذه النقابة، ويشير عبد الساتر إلى أن كل جهة تحاول السيطرة على النقابات المنضوية في هيئة التنسيق ومنها نقابة التعليم الخاص، لافتاً إلى وجود العديد من الضغوط لوقف الإضراب المقرر في 18 الجاري، لرفض الزيادة الهزيلة التي أقرها مجلس الوزراء. إلا أن عبد الساتر يؤكد أنه على الرغم من ذلك «سيكون يوم الإضراب والاعتصام محطة مهمة في تاريخ حركة العمل النقابي للمعلمين والأساتذة».
ويلفت رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية حميد الحكم لـ«الأخبار» إلى أن هيئة التنسيق تحركت خلال ولاية الحكومة الماضية ضد قرار زيادة الأجور المنقوص، وكان هنالك أمل بأن يتم تعديل القرار من جانب الحكومة الحالية، إلا أن ذلك لم يتم، لافتاً إلى أن هيئة التنسيق غير معنية بالتحركات السياسية، ومعتبراً أن الضغوط على الهيئة ستتراجع نتيجة الصلابة التي تبديها تجاه محاولة التدخل في شؤونها.
ويشير رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب إلى أن الهيئة ستصعّد من تحركاتها، وستمارس كل الضغوط لتحقيق مطالب الأساتذة والمعلمين، معتبراً أن قرار إعلان الإضراب العام يحتاج إلى ظروف مؤاتية غير متوافرة حالياً، وتابع «كل شي بوقته حلو».
وتؤكد مصادر «الأخبار» أن أحزاب السلطة تسعى لتحويل نقابات المعلمين والأساتذة إلى حلبة صراع سياسية، فيما الأساتذة والمعلمون هم بأمسّ الحاجة إلى عمل نقابي يحافظ على حقوقهم، ويطالب بتسوية أوضاعهم. وتشير المصادر إلى أن انتخابات معلمي المدارس الخاصة التي ستجرى في 23 من الشهر الجاري، ستليها رابطة التعليم الثانوي. وفي وقت يتم فيه التدخل في الأولى عبر زيادة المنتسبين، يصار إلى استخدام أساليب أخرى في التعليم الثانوي لكونه لا يمكن زيادة الانتسابات، بحيث تستخدم طرق الترهيب والترغيب والإغراءات الوظيفية والضغوط لتسيير الأساتذة والسيطرة على نقاباتهم. وتشير المصادر إلى أن السلطة تحاول منذ فترة طويلة وضع يدها على هيئة التنسيق النقابية، وترى أن انتخابات الروابط أهم منفذ للسلطة لتأمين هيمنتها. إلا أنه حتى الآن لم تخضع الروابط تجاه الإغراءات ولا التهديدات. ولكن إلى متى ستستمر هذه المقاومة؟