الانتخابات المحلية في إسرائيل لا تعكس بالضرورة الأجواء العامة في ظل حالة الملل العامة، لكنها قد تكون مؤشراً لما سيجري مستقبلاً. المنتمون إلى الأحزاب يفضّلون الترشح كمستقلين، في زمن صار فيه الحزب عبئاً على المرشحين
حيفا ــ فراس خطيب
ظهيرة الانتخابات المحلية في مدينة حيفا، صور المرشحين تلوح في الأفق. حرارة الشعارات في مركز الكرمل اليهودي، لا تقوى على برودة الشارع الاعتيادية. «انقلاب» و«عهد جديد»، إلا أنّ أحداً من المارّين لا يلتفت، ربما لأن الوقت لا يزال مبكراً، أو أن هؤلاء ملّوا من مكان أنهكته الانتخابات البلدية كل خمس سنوات، تفصلها انتخابات برلمانية صارت تقليداً كل عامين.
«لم نعد نحتمل»، يقول سائق سيارة أجرة يهودي من أصل مغربي يعلق صورة مرشح الليكود على سيارته. وعندما تسأله عن السبب، يردّد أن «اليمين أفضل» ويسكت...
حيفا كانت معقلاً لحزب «العمل» في أيام عمرام ميتسناع، الذي رشح نفسه لرئاسة الوزراء واختفى عن الساحة في العامين الأخيرين. لكن مرشح الحزب اليوم يسرائيل سفيون، يقع في حضيض الاستطلاعات. هذا هو وضع الحزب أيضاً. أما مرشح «كديما» فيحتل الصدارة، محاولاً عدم التشديد على انتمائه لكسب الآخرين.
هنا تختلف المعايير، يستغنون عن الأحزاب ليزيدوا من توسعهم، وبدلاً من أن يكون الحزب واجهة يتباهى بها المرشح، صار الأمر تفصيلاً بسيطاً.

حرب لبنان حاضرة!

تخوض حيفا انتخابات فريدة، لا تزال حرب لبنان الثانية حاضرة فيها، تتجلى من خلال رئيس البلدية الحالي، والمرشح الأوفر حظاً لرئاستها مجدداً، يونا ياهف. قبل الحرب، كان ياهف عالقاً ببعض قضايا الفساد، تدنّت شعبيته وهاجمته كبرى الصحف المحلية من خلال سلسلة مقالات تحت عنوان «ياهف اذهب إلى البيت». لكنّ الأخير، بعد تعرض المدينة للمرة الأولى في تاريخها إلى قصف حزب الله المكثف، استغل الوضعية، وعمل على ترميم واجهته من خلال دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وتقربه من وزير المواصلات شاؤول موفاز. استطاع استغلال الموازنات التي منحت لحيفا بعد الحرب بترميم البنى التحتية، وليتربّع على سلّم استطلاعات الرأي، تحت شعار «ملامح جيدة تجري في حيفا».
النزول من الكرمل إلى الأحياء العربية في مدينة حيفا هو أكثر حدة. لا حاجة إلى تفكيك رموز الانتخابات في الشارع العربي؛ الأحياء بحاجة لمن يرعاها، حيّ «عباس» مثل غيتو، لا مكان لإيقاف السيارة بعد التاسعة مساءً، وحيّ وادي النسناس لا يزال يعاني من اكتظاظ وصخب وبنية تحتية بسيطة. حي وادي الصليب العريق صار في عداد البناء الحديث الذي قضى على ملامحه الفلسطينية، والفقر بأشكاله يجتاح حي الحليصة، الذي شهد أكبر المعارك أثناء النكبة.
في تلك الأماكن، تمنح الفوضى يوم الانتخابات صبغة «الضغط» و«التوتر». تتنافس قائمتان عربيتان على العضوية: الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة (قائمة عربية يهودية)، وتحالف عرب حيفا برئاسة التجمع الوطني الديموقراطي، إضافة إلى وليد خميس، مرشح التجمع لرئاسة البلدية، والذي يقترب احتمال فوزه من المستحيل بسبب الغالبية اليهودية، «لكننا رشحنا أنفسنا لنظهر موقفاً. قدّمنا مطالب من أجل التنازل، لم يستجيبوا لمطالبنا، ولم نتنازل»، يقول خميس لـ«الأخبار».
العرب ليسوا موحّدين من وراء خميس، فقد وصفت الجبهة الديموقراطية قراره بـ«الانفرادي»، ودعمت ياهف لرئاسة البلدية. التوقعات من الانتخابات ليست كبيرة، «كان عليهم أن يتوحدوا من أجل زيادة تمثيلنا في البلدية»، يقول سيمون، شاب يسكن الكرمل الفرنسي بلهجة قريبة من خيبة الأمل.
في إسرائيل، يسجّل 4.7 ملايين ناخب يشملون فلسطينيي القدس المحتلة الذين أعلنوا مقاطعتهم للانتخابات. تجري الانتخابات في 159 بلدة بينها المستوطنات في الضفة الغربية والجولان. الأنظار متجهة نحو القدس المحتلة، حيث التنافس بين العلمانيين والمتدينين اليهود. الخلافات السياسية توضع جانباً. كلهم مع «القدس موحدة»، ما يلقي الضوء على التوترات الدينية في المدينة.
مدينة عكا احتلت الأجواء السياسية في الآونة الأخيرة. الأجواء هناك متوترة، يشكل الفلسطينيون نسبة 30 في المئة من السكان. توجهوا هذه المرة نحو صناديق الاقتراع بأجواء معكرة، بعد ما شهدته المدينة من اعتداء على فلسطينيي 48، الذين يشكل وجودهم تهديداً مستمراً. رئيس البلدية الحالي شمعون لينكري، لا يزال الأوفر حظاً رغم تصريحاته العنصرية ضد الفلسطينيين. لا تزال ملامح الانتخابات غير واضحة، لكنها الهامة بعد الحدث. أحمد عودة، مرشح فلسطيني من الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة لرئاسة البلدية. لكن احتمالات نجاحه ضئيلة لأن الغالبية يهودية.

احتفالات

الحياة تختلف في القرى العربية. السيارات أكثر، صور المرشحين أكبر. لا يكتفي الشبان في القرى بعلم واحد أو صورة واحدة، يريدون المزيد. عند المدخل الغربي لمدينة سخنين، تمشي ثلاث دراجات نارية، علق عليها صور للمرشحين، ومن ورائها سيارة ضخمة، ترفع الأعلام، كل الألوان. تمتاز القرى بالمرشحين الكثر. نسبة التصويت عالية، أعلى دائماً من المدن اليهودية. السبب معروف، فهم يشعرون بأن الانتماء إلى القرية أقوى من الانتماء إلى البرلمان.