قليلة هي الدول العربية التي تشهد تناوباً رئاسياً على السلطة. الجزائر كانت إحدى هذه الدول، غير أنها بدءاً من اليوم ستكسر قيود الفترات الرئاسيّة
الجزائر ــ حسن زيتوني
بناءً على دعوة رسمية من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، يعقد البرلمان الجزائري بغرفتيه اجتماعاً اليوم للنظر في مضمون التعديلات الجديدة التي اقترحها رئيس الدولة على الدستور المعمول به منذ عام ١٩٩٦ في عهد حكم الرئيس السابق الجنرال اليمين زروال.
علامات استفهام كثيرة تدور حول ما إذا كانت هذه التعديلات تُسهم في إحلال الاستقرار السياسي في الجزائر، أو تزيد زعزعة الأوضاع. أسئلة تتناولها الساحة السياسية والإعلامية الجزائرية في ظل غياب أي مشاركة شعبية، بعد إلغاء فكرة طرح التعديلات على الشعب من خلال استفتاء، والاكتفاء بمصادقة البرلمان.
فكرة تعديل الدستور الجزائري ليست جديدة، بل كانت متوقعة منذ فترة بسبب التحفظات التي أبداها بوتفليقة حين انتخب رئيساً للمرة الأولى عام ١٩٩٩، مشيراً إلى أن مضمون الدستور «لا يعجبه، ولكنه يحترمه»، من دون أن يكشف عن المواد الدستورية التي يتحفظ عليها. وظلت فكرة التعديلات جامدة، إلى أن أعاد طرحها قبل عامين الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عبد العزيز بلخادم، الذي دافع عن فكرة التغييرات، مبرراً أن الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد تفرض تغييراً لضمان الاستقرار السياسي وخوفاً من فراغ سياسي كبير.
وتقول بعض الأوساط المقربة من السلطة إن «هذه التبريرات معروفة سلفاً، لأن التغييرات الدستورية في الجزائر حدثت مراراً منذ الاستقلال عام ١٩٦٢، تحت شعار الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد» مع غياب السبب المباشر. وترى أن «هذه التغييرات المستمرة جعلت من الجزائر بلداً يتمتع كل رئيس فيه بدستوره الخاص».
ويمكن حصر التعديلات أو التغييرات في النقاط الآتية:
أولاً، تكريس نظام رئاسي من خلال تمديد أو فتح العهود الانتخابية للرئيس لأكثر من مرتين، ما يعني السماح للرئيس بالترشح لأكثر من عهدين رئاسيين، عكس ما ينص عليه الدستور الحالي.
ثانياً، إلغاء منصب رئيس الحكومة واستبداله بمنصب رئيس الوزراء من دون صلاحيات، مع احتمال منع رئيس الحكومة في هذه الحالة من الترشح لرئاسة الجمهورية.
ثالثاً، استحداث منصب نائب للرئيس، وأخيراً احتمال إلغاء نظام الغرفتين في البرلمان.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه تغييرات جزئية، ولكنها أساسية، ولم تـكن بمبادرة فردية من بوتفليقة حسبما يردد المقربون منه، الذين يقولون إن جهات سياسية أخرى مثل بعض الأحزاب ومنظمات جماهيرية أسهمت في اقتراحها وصياغتها بغرض إحداث انفراج في الساحة السياسية بعد الغموض الذي اكتنفها في السنوات الأخيرة.
في المقابل، تقول أصوات معارضة إن «المفارقة الغريبة» هي أن البند الأساسي الذي ينص على تمديد فترات الترشح من ولايتين إلى ثلاث أو أكثر، «جاءت من رئيس مدني»، وهو ما لم يفعله رئيس يحسب على المؤسسة العسكرية مثل الجنرال زروال. وينتقد كثيرون هذا الطرح الذي يُظهر أن «العسكر يريدون التقدم في المسار الديموقراطي، فيما يتراجع عنه السياسيون الممثلون للمجتمع المدني»، المفترض أن يمثلهم بوتفليقة.
وفي السياق، ترى بعض الأوساط المراقبة أن حسابات بوتفليقة ونظرته للأمور تنطلق من أن «الجزائر لها وضعها الخاص، وأن الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية تفرض هذه التغييرات، إضافة إلى أن الاستمرارية مطلوبة لأن المشاريع التي انتخب من أجلها لم تطبق كلياً».
وترى أوساط مقربة من بوتفليقة أن «الطريق نحو مصالحة وطنية شاملة وحقيقية لا تزال طويلة، وخصوصاً بين الإسلاميين والعلمانيين»، الأمر الذي يفسره أحد الدبلوماسيين قائلاً إن «الهدف المنشود هو إيجاد أرضية تفاهم بين المطالبين بالتغيير وتوسيع المشاركة في الحكم، والاستئصاليين الرافضين لأي تقارب أو حوار مع من رفعوا السلاح في وجه النظام، وبالتالي مصالحة وطنية شاملة. وهو ما يدعم حجج مؤيدي التغييرات الدستورية ومتابعة النهج البوتفليقي».
أما الفئة المعارضة لهذه الإجراءات، فتستند إلى الخوف من حكم الفرد الواحد، والرجوع إلى فترة حكم الهواري بومدين والشاذلي بن جديد. وترى أن «غياب التعددية الحزبية والمعارضة السياسية الحقيقية سيدخل الجزائر في دوامة حكم سيصل إلى طريق مسدود، ولا يملك تصوراً جديداً للتغيير والتطور، كذلك فإن الجزائر ليست بحاجة إلى تغيير الدستور بقدر ما هي بحاجة إلى إحلال عهد جديد من الانفتاح السياسي والإعلامي والفكري واستغلال الثروات البشرية».