لا يلحظ تأثير ارتفاع الراتب التقاعدي على الكلفة
محمد وهبة
لا يزال مشروع قانون «التقاعد والحماية الاجتماعية» الذي أقرته اللجان النيابية المشتركة وأحالته إلى الهيئة العامة، يستحوذ على كثير من الملاحظات الجوهرية على مضمونه، وكان أبرزها تلك التي أعلنتها الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام اللذان شككا بالتوازن المالي للصندوق الذي سينشأ، مستحوذاً، بشكل إجباري، على الأموال المجمعة في النظام القديم (صندوق تعويض نهاية الخدمة)، وسيستفيد من الأموال المجمعة في النظام الجديد، التي يتوقع أن يبلغ مجملها 10 مليارات دولار.

التوازن المالي «ضبابي»

وفي هذا الإطار، أعلن أمس رئيس شركة مهنا الإكتوارية إبراهيم مهنا، في مؤتمر صحافي عقده في فندق جيفينور روتانا، أن التوازن المالي للصندوق الجديد القائم على النظام الترسملي، أي الادخار، وفق التعديلات التي أقرّتها اللجان النيابية المشتركة غير واضح، وحذفت منه الدراسات الإكتوارية السابقة. فآلية احتساب الراتب التقاعدي مرتبطة بشكل وثيق بكلفته، إذ إن أصحاب العمل يموّلون هذا النظام بنسبة اشتراكات بحوالى 12.25 في المئة، منها 7.25 في المئة للحساب الفردي و5 في المئة للحساب المشترك، ويساهم الموظف بحوالى 5 في المئة، فيما تبلغ كلفة الحد الأدنى للراتب التقاعدي 0.25 في المئة، وبالتالي فإن أي ارتفاع في الراتب التقاعدي سينعكس في كلفته، ومن هنا خطورة عدم تحديد قيمة الراتب التقاعدي وآليات احتسابه في مشروع القانون من دون أن يذكر مصدر تمويل الكلفة الإضافية المتوقعة، ما يمثّل خطراً على التوازن المالي للصندوق.
ويلفت مهنا إلى أن هذا المستوى من الاشتراكات يؤمن راتباً تقاعدياً يبلغ 40 في المئة من الحد الأدنى السابق للأجر (300 ألف ليرة) على الأقل، أي حوالى 180 ألف ليرة شهرياً، ويرتفع إلى 60 في المئة من هذا الحد على الأكثر بحسب سنوات العمل الفعلية ومتوسط الرواتب... مشيراً إلى أن مقولة أرباب العمل بأن كلفة تمويل هذا النظام هي أعلى من كلفة تمويل نظام تعويض نهاية الخدمة المعمول به حالياً، خاطئة، لأن النسبة الفعلية التي يدفعها صاحب العمل عن الأجير في تعويض نهاية الخدمة هي الاشتراك (8.5 في المئة) + كلفة التسويات، وإذا احتسبنا متوسط هذه التسويات، تصل الكلفة النهائية إلى 11.25 في المئة، وبالتالي فإن رفع الاشتراكات إلى 12.25 في المئة لا يمثّل عبئاً كبيراً على هذه الشريحة، لكن في المقابل رُفعت النسبة على العمال بحوالى 3 نقاط مئوية.

تمويل الضمان الصحي للمتقاعد

وقد اقترن تحديد معدل الاشتراكات، في المشروع الجديد، بإلغاء السقف الخاضع للاشتراك الذي سيُحدّد بمرسوم لاحقاً، وربما يكون لمصلحة أرباب العمل، ويقول مهنا إن كلفة هذا الأمر على الضمان الصحي للمتقاعدين لم تُحتسب، فالتمويل كان يمثل حوالى 2.5 في المئة من مجمل نسب الاشتراكات، إلا أن آليات تمويل هذا النظام المقر حديثاً في اللجان النيابية المشتركة لم يلحظ أي تغييرات في هذه الكلفة، مثل نسب التضخم وارتفاع الأسعار. مما يعني، بحسب مهنا، أن القيمة المحصّلة من الاشتراكات على الرواتب قد لا تكفي التوزان المالي لهذه الميزة في النظام الجديد، علماً بأنها كانت محددة في المشروع السابق بخمسة ملايين ليرة وأقل «حتى تكاد تكفي التوازن المطلوب».

الاستثمار الخطر

أما الخطر الأبرز على هذا الصندوق فيأتي انطلاقاً من عدم تحديد ضوابط واضحة لاستثمار الأموال التي ستتجمع من النظام الجديد للتقاعد والنظام القديم لنهاية الخدمة، إذ يشير مهنا إلى أنه جرى تحميل المضمون النسبة الأكبر من مخاطر هذا الاستثمار، وخصوصاً خلال فترة تراكم الاشتراكات، أي حتى حلول موعد التقاعد. فإذا تجمع مردود كافٍ في الحساب الفردي للمضمون، فسيحصل على نسبة غير محددة من الراتب التقاعدي، فيما هذا الأمر يجب أن يكون واضحاً، ويجري تحديد الشرائح المستفيدة من النظام بحسب الأعمار والحالة الاجتماعية والراتب الذي يتقاضاه العامل... ويكون لكل شريحة معادلة للحصول على الراتب التقاعدي، يعاد النظر فيها كل 3 سنوات وفق دراسة إكتوارية لتحديد الأعداد التي ستتقاعد بحسب المدى الزمني وكلفة كل منها.
وبحسب مهنا، فإن جهة الرقابة على استثمار أموال التقاعد غير معروفة، بينما يجب أن تكون الرؤية الاستثمارية واضحة قبل البدء بتنفيذ المشروع، وتحديد أولويات الاستثمار وأهدافه.