الجزائر ــ حياة خالدنجح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أمس، في فتح باب الولايات الرئاسيّة على مصراعيه، فاسحاً المجال لنفسه بولاية ثالثة وربما رابعة، لتدخل البلاد في نادي الدول ذات «الرؤساء الدائمين».
وصدّق البرلمان الجزائري بغرفتيه، أمس، التعديل الدستوري الجزئي الذي طلبه بوتفليقة. ويلغي التعديل بصورة خاصة استحالة بقاء رئيس ما لأكثر من ولايتين متتاليتين.
وأعلن رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، عارضاً النص عند افتتاح الجلسة، أن التعديل الدستوري «يكرّس تماماً حق الشعب السيد في اختيار قادته بحرية». وأضاف أن التعديل الدستوري «يهدف أيضاً إلى إعادة تنظيم العلاقات بين مكوّنات السلطة التنفيذية وتحديدها وتوضيحها من دون مس التوازن الأساسي بين السلطات والمؤسسات».
والتعديلات الجديدة تطال المادة 74 من الدستور، التي تسمح بتعدّد الولايات الرئاسية بدل ولايتين فقط، مع الإبقاء على مدة خمس سنوات للعهدة الواحدة. وقد علّل بوتفليقة هذا التعديل بأن «الشعب له الحق في اختيار من يسوده وتجديد الثقة في من يشاء، ولا يمكن كبح جماح رغبته في تعديل دستور يمنع الترشّح لأكثر من عهدتين».
أما الورقة الانتخابية الثانية التي لعبها بوتفليقة، والتي ستكون بمثابة جواز سفر سيقوده إلى العهدة الثالثة، فهي المادة الجديدة التي ترقّي الحياة السياسية للمرأة الجزائرية بتوسيع تمثيلها في المجالس المنتخبة، وتزيل من أمامها العراقيل التي تعوق تولّيها المناصب العليا.
ولقيت المادة ترحيباً كبيراً من المجتمع النسوي الناشط بكثرة تحت غطاء عدد من الجمعيات التي تقف وراءها أحزاب التحالف الرئاسي الموالية للسلطة، وهي: «حزب جبهة التحرير الوطني» و«حزب التجمع الوطني الديموقراطي» و«حركة مجتمع السلم»، وهي أحزاب تمثّل الأغلبية الساحقة في البرلمان وتساند الرئيس بقوة.
وأغرت المادة الجديدة الخاصة بالمرأة حزب «العمال» العلماني، الذي ظلّ لزمن طويل في خانة المعارضة بزعامة لويزة حنون، وهي أول امرأة تترشح للانتخابات الرئاسيّة في الجزائر، وكانت منافسة شرسة لبوتفليقة في انتخابات عام 2004، ولا تزال طامحة إلى تولّي السلطة في يوم من الأيام. معطيات دفعت لويزة حنون إلى دخول قائمة المصوّتين على التعديل، رغم تحفّظها على بعض المواد، ومطالبتها «بتعديل أعمق تتطلبه المرحلة الراهنة والمستقبلية».
وإلى جانب الأحزاب المذكورة، هناك أحزاب أخرى زكّت التعديل الجديد وصوّتت لمصلحة الدستور رغبة في كسب الولاء والتعويض عن تمثيلها الحزبي وواقعها السياسي في الساحة. ولم يبق في المعارضة سوى حزب «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» (الأرسدي)، بزعامة الدكتور سعيد سعيدي، وهو حزب أمازيغي بقي وفياً لمعارضة النظام في الجزائر منذ اعتماد البلاد للنهج التعددي الحزبي في التسعينيات. إلّا أن البعض يرى أن «الأرسيدي يتشبّث بالمعارضة بسبب عجزه السياسي وانقسامه الداخلي وعدم قدرته على المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2009».
ويرى هذا الحزب في تعديلات بوتفليقة كبحاً للديموقراطية في الجزائر، وأنها تخلّ بتوازنات السلطة، وخصوصاً في ما يتعلق بالبند الذي يلغي منصب رئيس الحكومة ويعوّضه بوزير أول ونائب للوزير الأول، يعيّنهما الرئيس من دون أن ينتمي هذا المنصب بالضرورة إلى أي تشكيلة سياسية مثلما كان منصوصاً عليه سابقاً. وهو ما يرفضه «الأرسدي» ويصرّ على المعارضة وإسماع صوته حتى في المنابر الدولية. وتشير مصادر إلى أنّ الحزب كان يودّ مقاطعة الجلسة الاستثنائية للبرلمان «لولا خوفه من أن تفهم مقاطعته استقالة من المجلس الشعبي الوطني».
أما حركة «الإصلاح الوطني» الإسلامية التوجّه، فقد فضّّلت التحفّظ، من دون إعلان رفض صريح للتعديلات. وتشير مصادر إلى أنّ الإحجام عن الرفض يأتي من خلفية تجربة الحركة منذ وقت قصير غضب السلطة، بعد الانقسام الذي اعترى الحركة أخيراً وأدى إلى سحب البساط من مؤسسها عبد الله جاب الله. وعانت الحركة الأمرّين قبل أن يرأب صدعها منذ وقت قريب، وتحاول القيادة الجديدة بزعامة محمد بولحية، إحداث التوازن داخل الحركة، وتعمل على استرجاع مكانها الضائع في الساحة السياسية في خضم تحالف الأحزاب ومجاراة خط السلطة. ويشار إلى أن جلسة البرلمان بغرفتيه، والتي خصصت للتصويت على مشروع تعديل الدستور بحضور كل أعضاء الغرفتين البالغ عددهم 533 عضواً، تعدّ الثانية في تاريخ التعددية الحزبية في الجزائر، بعد جلسة 2002 التي خصصت لاعتماد الأمازيغية لغة وطنية، ما أخمد نار الأمازيغ الثائرين والناقمين على الأوضاع، وأدت المجابهات بينهم وبين السلطة إلى الكثير من الخسائر المادية والمعنوية.
وباعتماد الأمازيغية، كسب بوتفليقة الرهان ومرّت انتخابات 2004 الرئاسية بسلام، وها هي الأرضية مهيّأة لانتخابات 2009.