ندوة تتلمّس مرحلة ما بعد سقوط الخيار العسكري
يحيى دبوق
يُظهر التعاطي الاسرائيلي مع الملف النووي الإيراني أن عامل الوقت يلعب لمصلحة طهران، وخصوصاً في غياب إمكان توجيه ضربة عسكرية أميركية ــ اسرائيلية للمنشآت النووية الايرانية، أو ضربة إسرائيلية بحتة، ما يدفع إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى من التعاطي مع الملف والتكيف معه، وايجاد حلول مغايرة لخيارات الإحباط، باتجاه العمل على منع إيران أو ردعها عن استخدام خياراتها النووية ضد إسرائيل.
ويعني امتلاك ايران للسلاح النووي من منظور إسرائيلي، إضافةً إلى كونه تهديداً وجودياً، تعاظماً للقوى المعادية للدولة العبريّة في المنطقة، ما يحجّم من مكانة إسرائيل ونفوذها. وفي إطار البحث عن حلول للمشكلة النووية الإيرانية، نظم مركز دراسات الأمن القومي (جافي سابقاً)، ندوة بعنوان «اسرائيل والقدرة النووية الإيرانية»، شارك فيها عدد من الباحثين والمختصين الإسرائيليين. وهدفت إلى تقديم قراءة مستقبلية لطبيعة التهديد الإيراني، وإمكان إيجاد ردود عليه.
ورغم أن بعض مقاربات المتحدثين اجترت تعابير «بالية» ثبتت عدم نجاعتها في إحباط المساعي النووية الايرانية، فإن آخرين، مثل الرئيس السابق لجهاز «الموساد» افرايم هاليفي، ركّزوا على الوعي الإيراني وعلى «عقلانية المسؤولين الإيرانيين». وأشار هاليفي إلى أن «إيران لن تستخدم خيارات نووية ضد اسرائيل، وأن القادة الإيرانيين سيعمدون الى استخدام القدرات النووية باتجاه التأثير الإيجابي على مكانة إيران الاستراتيجية في المنطقة، ولتوسيع نفوذها وردع أعدائها، ما سيمثّل ضمانة حقيقية للنظام الإيراني ولاستمراره».
وأقر هاليفي بأن إسرائيل تتجه نحو الانتقاص من مكانتها الاستراتيجية لمصلحة لاعب إقليمي آخر، قادر على ردعها، وإجراء تقاسم قسري للنفوذ معها في المنطقة. وطالب بأن يكف المسؤولون الإسرائيليون عن «القول إن إيران النووية خطر وجودي، لأن ذلك يقلص من قدرة الردع الإسرائيلية».
بدوره، شدد الباحث في الشأن النووي الإيراني، أفرايم اسكولاي، على الناحية التقنية في المشروع الإيراني، مشيراً إلى وجود خطأ شائع لدى المتابعين للمسألة يتعلق بالفاصل الحقيقي بين طهران والسلاح النووي، «ذلك أن عمليات التخصيب الإيرانية تجري بنسب منخفضة، أي من أربعة إلى خمسة في المئة، التي تكفي بحد ذاتها للاستخدام السلمي وللطاقة الكهربائية، وهي المرحلة الأصعب والأكثر اشكالية، لأن المرحلة اللاحقة، أي الوصول الى درجة تخصيب 90 في المئة أو أكثر، أي ما يكفي للاستخدام العسكري ولإنتاج قنبلة نووية، هي المرحلة الأكثر سهولة من حيث الجهد والإمكانات والوقت».
وأضاف اسكولاي إنه «من الغباء أن يتجه الإيرانيون مباشرة الى التخصيب بنسبة 90 في المئة، ومن المنطقي أن يعملوا على جمع كميات معتدّ بها من التخصيب المنخفض كي يتمكنوا لاحقاً، ودفعة واحدة، من استخدامها وفي وقت قصير ومريح لهم، لإنتاج ما يكفي من كميات بتخصيب مرتفع لإنتاج القنبلة».
أما نائب رئيس المركز، الباحث إفرايم كام، فركّز على «مرحلة ما بعد امتلاك إيران للقدرات النووية»، مشيراً إلى «وجود عدد كبير من الدول التي تخشى ذلك، من السعودية وفرنسا وغيرهما، لكنها لا تطرح مسألة التهديد الوجودي كما يطرحه الإسرائيليون على أنفسهم». وتابع «هل ستقدم إيران على ضرب إسرائيل؟ الجواب ليس قطعياً، وأفترض أنه من الصعب على استخباراتنا أن تحصل على معلومات نوعية وحازمة بشأن نيّات القادة الإيرانيّين، لأنه يجب اختراق الدوائر الايرانية الأكثر إحكاماً، وهذا ما بين الصعب جداً والمستحيل، فإذا كنا لا نستطيع الحصول على معلومات من قيادة حزب الله، التي تعدّ قيادة إيرانية مصغرة، فكيف يمكننا أن نحصل على معلومات من قيادة إيرانية مغلقة».
مفاجأة الندوة كانت محاضرة النائب السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي، افرايم سنيه، الذي يعد من أكثر المسؤولين الإسرائيليين تطرفاً في ما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني؛ فقد أشار سنيه إلى أن إسرائيل «لا تستطيع أن تسلم بوجود إيران نووية، رغم أن ذلك لا يعني اختفاء اسرائيل كدولة عن الخريطة»، مشدداً على أن «النووي الإيراني سيسبب سلسلة من التغييرات، ويؤدي الى واقع لا يمكن احتماله بالنسبة إلى إسرائيل، ذلك أن منظومة صنع القرار الإسرائيلي ستتأثر طوال الوقت، وسيؤدي ذلك إلى هجرة معاكسة وإلى نقص في الاستثمارات الأجنبية وغيرها، وهذا يعني ضربة قاضية للحلم الصهيوني».
ورأى سنيه أنه ينبغي عدم البحث عن كيفية منع إيران من التحوّل إلى دولة نووية، بل عن كيفية العمل على انهيار النظام الايراني، مشدداً على وجوب «اعتماد العقوبات بطريقة أكثر فاعلية، ما يؤدي إلى اتساع الهوة القائمة بين الشعب والمستويات المسؤولة في الدولة باتجاه اندلاع ثورة علمانية وديموقراطية، لأن النظام هو المشكلة، لا البرنامج النووي بحد ذاته».
وانطلاقاً من أن إيران تستورد نصف حاجتها من البنزين لافتقارها إلى منشآت تكرير، رأى سنيه أن «الإجراء الأكثر إيلاماً هو معاقبة الشركات التي تبيع وتزود أو تنقل لإيران البنزين»، ما سيمثّل «ضربة قاضية للنظام من دون سفك نقطة دم واحدة ومن دون التعرض لأي مخاطرة أو لدفع أي ثمن».
وشدّد سنيه على أن «النظام الإيراني يمثل القوة الصاعدة، فيما الولايات المتحدة تمثل القوة المنحدرة»، محذراً من «إضاعة الوقت أو الوقوع في شرك الابتزاز (الإيراني) في النقطة الأكثر حساسية بالنسبة إلى الاميركيين، وهي حياة الجنود في العراق».


«أهميّة كبيرة» لقدرات «سجّيل»وكان وزير الدفاع الإيراني، مصطفى محمد نجار، قد أعلن أول من أمس، أن الصاروخ أرض ـ أرض، إيراني الصنع و«له قدرات عالية جداً»، مضيفاً إن مداه يقترب من ألفي كيلومتر، أي تقريباً المدى نفسه لصاروخ إيراني آخر هو الصاروخ «شهاب 3». وهذا سيمكّنه من الوصول إلى إسرائيل والقواعد الأميركية في الخليج، وإلى دول في أوروبا الشرقية.