رغم هجرة الملايين منها، لا تزال بغداد من أشد المدن العربية ازدحاماً، رغم أنها تمتلك أفضل شبكة طرق في المنطقة. زحمة لم يخفف منها واقع أن كثيرين لا يستخدمون حالياً سياراتهم الخاصة، بسبب ارتفاع أسعار الوقود بمعدل 100 إلى 150 ضعفاً عما كانت عليه قبل سنة 2003
بغداد ــ زيد الزبيدي
يجمع البغداديون على أسباب ازدحام عاصمتهم بعد الاحتلال: تطويق المناطق وحبس سكانها خلف الجدران الكونكريتية، وعدم السماح بالدخول إليها، أو الخروج منها، إلا عبر منفذ واحد تحت الحراسة المشددة.
وغالباً ما يخضع الداخلون والخارجون لعمليات تفتيش دقيقة، ما يؤدي إلى تراكم السيارات والمشاة، وصعوبة التحرك في العاصمة، إلا ضمن نطاق الحي السكني المغلَق.
ويروي الإعلامي طالب محسن أن إحدى القنوات الفضائية اتصلت به طالبة استضافته في برنامج يعرض على الهواء مباشرة، في الرابعة عصراً. استعد طالب للخروج من منزله الذي يقع في جانب الكرخ، إلى مقر القناة الكائن في وسط جانب الرصافة. خرج من منزله في الثانية ظهراً مانحاً نفسه فرصة ساعة ونصف ليصل في سيارة أجرة قبل موعده بنصف ساعة حسب اتفاقه مع معد البرنامج. وجد طالب محسن نفسه أسير ازدحامات مرورية تتقاذفه كالكرة من شارع إلى آخر، ومن اختناق إلى آخر، عدا انتظاره في سيارة الأجرة لأكثر من ساعة قبل مدخل جسر السنك لإغلاقه فجأة بسبب حدث لا أحد يعرف كنهه، وتحوُّل المركبات كلها إلى جسر الجمهورية وحدوث اختناق شديد بالتالي، ما أدى إلى وصوله بعد الرابعة، بنصف ساعة، أي بعد انتهاء موعد البرنامج!
ويقول علي رستم، معدّ برامج في قناة «الفيحاء»، إنّه يواجه يومياً العديد من الحالات المماثلة بسبب الازدحام، ما يؤدي إلى تأخير العمل التلفزيوني والإساءة إلى الضيوف.
أما المخرج أسعد الهلالي، من قناة «السومرية»، فيقول متذمراً «كنا نهزّ رؤوسنا استغراباً وتعاطفاً مع الشعب المصري حين نرى شوارع عاصمته المكتظة بالناس والسيارات في الأفلام السينمائية». غير أنه يعود ليعترف أن حال مدينته باتت أسوأ من القاهرة «لدرجة أنّ من يحدّد موعداً في الساعة الواحدة مثلاً، يمكنه الوصول في الساعة الرابعة عصراً، إذا استخدم الحافلة أو حتى سيارات الأجرة».
ويشير الهلالي إلى تعرضه لمواقف محرجة و«كارثية» أحياناً، بسبب تأخر ضيوفه أو أحد أفراد طاقم برنامجه أو تأخره شخصياً رغم التزامه ببث برنامج يومي على الهواء.
فببساطة، قد تُقطع الجسور أو بعض الشوارع لساعات، وتتكدس المركبات أمامها من دون طائل، وبالتالي تمر سيارات مظلّلة تحمل مسؤولاً أو أحداً من أقاربه أو معارفه، فلا يستغرق الأمر سوى دقائق. وبعدها تُرفع القيود عن الجسور أو الشوارع فتنطلق المركبات بجنون وارتباك ليحدث زحام أكبر، وتفلت أعصاب السائقين، إلى درجة الخوض في شجارات قد تتجاوز الشتائم!
وفي السياق، يعزو ضابط المرور مروان إبراهيم ما يحدث حالياً لأسباب رئيسة، أهمها كثرة القواطع الكونكريتية التي اختزلت الشوارع إلى نصفها، وتزايد أعداد المفارز المرورية ومفارز الحرس الوطني والشرطة في كل مفترق وزقاق «لتحقيق الأمان».
ويشير مروان إلى أن هذه الإجراءات أسهمت في تحقيق نسبة من الأمان الذي يطمح إليه العراقيون، لكنها أسهمت بالمقابل، في اختناق الشوارع بزحام مروري «لا أمل في الخلاص منه قريباً».
وفي معرض شرحه لأسباب هذه الأزمة المرورية في عاصمة الرشيد، يذكر الشرطي كثرة مرور سيارات وفود المسؤولين، «إلى درجة لا يحتملها الشارع المخصص للمواطنين العاديين أصلاً»!
رأي جمال حامد يندرج في الإطار نفسه. فجمال، طالب في كلية الإعلام، يقود سيارة يستخدمها «على الخط» لنقل الموظفين إلى أحد المستشفيات ثم يذهب إلى كليته بعدها. وهو صار يواجه تأخيراً كبيراً عن صفوف جامعته بسبب التكدس المروري وإغلاق الجسور والطرق، ما يؤدي أيضاً إلى تأخر الموظفين، في ذهابهم أو إيابهم.
سائق سيارة الأجرة سعدون عبيد، بات يعوّض التأخير في الشوارع، برفع أجور النقل التي ترهق كاهل المواطن من دون شك، مبرراً ذلك بقضاء نصف وقته وإنفاق وقود سيارته وهو يزحف زحفاً وسط الشوارع المكتظة بالمركبات.
ولم يعد غريباً على أي عراقي أن يرى ركاباً يغطون في النوم في السيارات وسط الزحام، أو أن يصلوا إلى مواعيدهم بعد ساعة أو ساعتين، ما يجعلهم يلغون كلمة «موعد» من قواميسهم، واستبدالها بعبارة «الله كريم»!
أما حضور المناسبات، فيستدعي استعداداً قبل ساعات ثم دخول «ساحة المعركة» وسط الزحام، أو تلبية اقتراح الطالب الجامعي مثنى رحيم بضرورة استخدام الدراجات الهوائية في شوارع بغداد كبديل للسيارات، حفاظاً على البيئة من التلوث وتجنباً للزحام المروري!