نظام التقاعد المطروح يهدف إلى «تأميم» موجودات نهاية الخدمةمحمد وهبة

1- من أبرز الملاحظات على مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية ضرورة فصل صندوق التقاعد عن صندوق الضمان الاجتماعي، فهل تعتقد أن الحاجة للفصل بنيوية، وما هي الهواجس التي تحكمت في هذا الموضوع؟


من الأفضل أن يكون صندوق التقاعد والحماية الاجتماعية صندوقاً مستقلاً عن صندوق الضمان الاجتماعي، والهواجس التي تحكّمت بهذا المشروع هي سياسية وطائفية. والمعروف في كثير من دول العالم، أن صناديق التقاعد مفصولة عن الضمان الصحي لأسباب بنيوية، بسبب اختلاف عمل كل منهما، فمنها اعتمد نظاماً مختلطاً، أي أن يكون الصندوق مديرية عامة إلى جانب الضمان الصحي ولكنهما يتبعان لمجلس إدارة واحد، ومنها أقر بأن تكون هيئة استثمار أموال التقاعد مؤسسة عامة... وكل دولة وضعت إطاراً يتناسب مع مجتمعها.
لكن في الحالة اللبنانية يجب الإقرار بأن إنشاء مؤسسة عامة مستقلّة عن صندوق الضمان تدير نظام التقاعد والحماية الاجتماعية وأمواله له إيجابيات أساسية، لأنه سيكون مشروعاً غنياً بالكوادر ومُمَكنناً بانطلاقة حديثة، إلا أن هناك جانباً لوجستياً يجب توضيحه وهو يتصل بمحققي الضرائب، فهل سيُنشأ لها جهاز تفتيش مستقل عن صندوق الضمان الحالي؟ ولم يُفهم ما إذا كانت المؤسسة الجديدة ستكون تابعة لمجلس إدارة جديد أو للمجلس الحالي.

2- يطالب مؤيدو فصل الصندوق الجديد بضرورة إخضاعه لتعاميم مصرف لبنان، على غرار المؤسسات المالية، لأنه صندوق مالي ويجب أن تكون استثماراته مضبوطة على قواعد مالية واضحة؟


أؤيد وجهة نظر الهيئات الاقتصادية التي تشير إلى وجوب إخضاع استثمارات ضمان التقاعد لرقابة لجنة المصارف وتعاميم مصرف لبنان للمؤسسات المالية، لأن لجنة الاستثمارات ستعمل وفق آليات السوق وسيجري استثمار مبالغ كبيرة لا تقل عن تلك التي تستثمرها المصارف. وبالتالي من الأضمن لأصحاب الحقوق، أي الأجراء، وللصندوق، أن تكون هناك رقابة تقنية على الجدوى الاستثمارية.

3- يعتقد ممثلو العمال أن المشروع الذي أقرّ في اللجان النيابية المشتركة يسلبهم حقوهم المكتسبة، فإلى أي مدى هذا الكلام صحيح؟


الأزمة الكبرى في المشروع بصيغته الحالية، أنه أجبر مَن بلغ 55 سنة وما دون، أي الذين قضوا 37 سنة في العمل وترتبت لهم تعويضات صار يحق لهم تقاضيها، على الانتساب الإلزامي للصندوق، وهذا الأمر يمثّل مخالفة جسيمة لقواعد التشريع بالحقوق المكتسبة، إذ لا يجوز لقانون جديد أن يسلب حقوقاً اكتسبها من تشريع سابق. فيما تبيّن أن المضمونين الذين تفوق أعمارهم 55 سنة ولا يزالون في العمل لا تتجاوز نسبتهم 15 في المئة من مجمل عدد المضمونين. أي أن نصيحة البنك الدولي بإخضاع 85 في المئة من المضمونين إلزامياً، تعكس خشية من لجوء عدد كبير منهم إلى سحب تعويض نهاية الخدمة المستحق له (يمكن لكل من أتم 20 سنة خدمة فعلية أن يسحب تعويضه)، وبالتالي مُنع هذا الأمر بهدف المحافظة على الكتلة النقدية الكبرى في هذا الصندوق. علماً بأنه من الطبيعي أن تكون لدى الأجير التزامات تجاه مدخراته بناءً على معرفته بخضوعه لنظام تعويض نهاية الخدمة فقط.
إذاً، فقد ساوى المشروع بصيغته الحالية بين العنصر الناشط، أي العامل، مع العنصر المقبل على التقاعد، فيما المشروع بصيغته الموضوعة في عام 2002 كان يقضي بأن ينخرط إلزامياً مَن هو من مواليد 1969 (كان مقدّراً أن يشمل إلزامياً مَن هم في سن 30 سنة) أي الذين مضى عليهم حوالى 10 سنوات في العمل، إذ كانت مدخراتهم بسيطة ولا تكسبهم أي حق بسحبها إلا إذا ترك العمل المأجور.

4- تقوم فلسفة مشروع التقاعد والحماية الاجتماعي المطروح حالياً في مجلس النواب على النظام الترسملي (ادخاري)، فيما كان المشروع السابق يجمع الادخار بالتوزيع، فما هو الفارق في المشروعين؟


إن إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية على أساس المبدأ الترسملي والتوزيعي في آن يأتي بسبب تغيّر أنظمة التقاعد في العالم، إذ تعثّر العمل بالنظام التوزيعي وحده في أوروبا بسبب طول معدل الحياة والعناية الصحية، مما أدى إلى خلل كبير بين الناشطين والمتقاعدين، وصار التوازن المالي المبني على المبدأ التوزيعي يتطلب رفع الاشتراكات بشكل مطرد على الناشطين (في سوق العمل) لتغطية متوجبات المتقاعدين.
فالمبدأ الترسملي يقضي بتجميع اشتراكات المنتسبين واستثمارها، مما يثير أسئلة عمّن يكفل استثمارات الضمان ودور الدولة في هذا الأمر، والطريقة الفضلى لاستثمار هذه الأموال، فضلاً عن ضرورة مبدأ التضامن بين الأجيال (الناشطة والمتقاعدة).
لكن المشروع الأصلي الذي أرسل إلى مجلس النواب في عام 2004 كان يزاوج بين مبدأي التوزيع والرسملة، وبعدما أقرّ في اللجان النيابية المشتركة تبيّن أنه أُبقي على مبدأ الرسملة أساسياً ومضخَّماً، مع إلغاء أركان المبدأ التوزيعي، وبالتالي فقد جرى «تأميم» موجودات فرع نهاية الخدمة لمصلحة «وعود» بمعاشات تقاعدية لم تحدد طريقة احتسابها.

5-أين تقع أهمية تحديد قاعدة لاحتساب راتب تقاعدي؟


المشروع المطروح حدد الموجبات (نسبة الاشتراكات) وترك تحديد الحقوق لمرسوم، مما يجعله أمراً خطيراً، فلبنان بلد غير مستقر سياسياً، وليس صحيّاً ترك تحديد حقوق العمال للمراسيم. وبالتالي خلا من أحكام تنظّم قواعد احتساب الراتب التقاعدي وحدّه الأدنى، علماً بأنه كان محدداً في المشروع الأصلي ولكنه ناقص، إذ أشارت منظمة العمل الدولية إلى ضرورة أن يكون مربوطاً بالحد الأدنى للأجور بنسبة تراوح بين 75 في المئة و82 في المئة، فالحد الأدنى للأجور مرتبط بنسب التضخم، وهذا يحافظ على قيمة الراتب التقاعدي وقدرته الشرائية.

6- هل يحتسب المشروع المطروح كل حقوق المضمون؟


كان مشروع القانون الأصلي يقول إن حساب الأجير ومعاش التقاعد يتكوّنان من مجموع الاشتراكات المدفوعة عنه وتلك المتوجب تسديدها، لكن المشروع الحالي أسقط «المتوجّبة»، مما يعني إسقاط حقوق المضمون. إذ إن القواعد المعتمدة حالياً في تعويض نهاية الخدمة تشير إلى أنه في حال تلكؤ رب العمل عن تسديد المستحقات، يسددها الصندوق للمضمون، على أن يلاحق الأخير رب العمل قضائياً لتحصيل الأموال. ولذلك لم تُربط التقديمات بالاشتراكات، فهذا الأمر يحوّلها إلى مقاصة حسابية بعيدة عن التكافل والتضامن الاجتماعي. تجدر الإشارة إلى أن التجربة الحالية تفيد بأن مئات أرباب العمل، وبينهم مؤسسات عامة، لا تدفع الاشتراكات، فماذا إن أفلست شركة ما قبل أن تدفع الاشتراكات هل تسقط حقوق العامل بالتقاعد؟

7- هل تعتقد أن استثمار أموال التقاعد مضمون في المشروع الحالي؟


إن الشغل الشاعل لجميع أنظمة التقاعد في العالم هو تدبّر استثمار أموال التأمينات الاجتماعية بأفضل السبل، والبنك الدولي قدّم نصائح للدول بتوجّه لتخفيف الأعباء على الدولة، لكن يجب على الدولة أن تكفل هذا الاستثمار.


مقارنة