كل شيء يوحي بأن العدّ العكسي لشرعنة الاحتلال من خلال إقرار الاتفاقية الأميركية ـــ العراقية انطلق فعلاً، والشواهد كثيرة: إقرار حكومة بغداد مسوّدتها وإحالتها إلى البرلمان حيث يبدأ النواب بدراستها اليوم، على أن يقرّونها في 24 الجاري

الحكومة تقرّ «الاتفاقيّة» والبرلمان يدرسها اليومووافق على المعاهدة 27 وزيراً من أصل 28، علماً بأن تغيّب بقية أعضاء الحكومة (9 وزراء) عن الاجتماع حصل بسبب أعذار «لا تتعلق برفض الاتفاقية».
وكان واضحاً من مواقف الكتل المشاركة في العملية السياسية العراقية التي يديرها الاحتلال، أن شبه الإجماع الذي تحقق سيجد لنفسه مكاناً له في اجتماعات البرلمان الذي تسلّم نسخة من الاتفاقية أمس.
وفور التصويت الحكومي، انتهز المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ الفرصة ليشير إلى «إنجازات» الاتفاقية، مشيراً إلى أنها تضع «تاريخاً محدداً ونهائياً في الثلاثين من حزيران 2009 للانسحاب من المدن واكتمال الانسحاب للقوات في 31 كانون الأول 2011» بغضّ النظر عن الوضع الميداني والأمني. ولفت الدباغ إلى أنه بموجب «سوفا»، «سيعود المجال الجوي العراقي إلى العراق كما سيستعيد العراق سيطرته على الترددات الجوية» ابتداءً من الأول من كانون الثاني 2009.
وعن صلاحية قوات الاحتلال في تفتيش المنازل واقتحامها، أكد الدباغ أنه «لا يمكن للقوات الأميركية القيام بذلك، إلا بأمر قضائي عراقي وبالتنسيق مع القوات العراقية»، مشدداً على أن «جميع الشحنات الواردة إلى العراق سوف تتعرض لتفتيش من الجانب العراقي، إذا ما رأى ذلك ضرورياً».
وفي السياق، جزم الدباغ بأنه «سوف يتم تحويل ملف المعتقلين لدى القوات الأميركية إلى الحكومة العراقية ليقول القضاء العراقي الكلمة الفصل، ولكي يطلق من لم يثبت عليه أي إدانة جرمية، ويحاكم من ثبتت عليه الأدلة»، علماً بأن السجون الأميركية في العراق تضم حالياً نحو 16 ألف معتقل، وفقاً لأرقام الاحتلال.
وردّاً على سؤال يتعلق بالآليّة التي سيتمّ اتباعها في التصويت على الاتفاقية في مجلس النواب، وعمّا إذا كانت ستتمّ بغالبية الثلثين كما تطالب كتل برلمانية عديدة أم بغالبية النصف زائداً واحداً كما أقرّت المحكمة الاتحادية، أجاب الدباغ بأن آلية التصويت «متروكة لأعضاء مجلس النواب ومجلس الرئاسة العراقيين اللذين سيحسمان هذه المسألة».
وجاء الترحيب الأميركي كبيراً وحذراً في الوقت عينه. فقد رأى المتحدث باسم البيت الأبيض غوردن جوندرو «أنها (تصويت الحكومة) خطوة إيجابية ومهمة»، قبل أن يذكّر بأن «الآلية لم تنتهِ بعد ولنأمل بأن يكون لدينا قريباً اتفاقية ترضي الطرفين وتضمن عراقاً مستقراً وديموقراطياً».
برلمانياً، أوضح مصدر نيابي أن مجلس النواب «سيجري القراءة الأولى على الاتفاقية غداً (اليوم)، وبعد يومين ستجرى القراءة الثانية، وبعدها بأربعة أيام (24 من الشهر الجاري) ستجرى عملية التصويت». يُشار إلى أنه لا يحق للبرلمان تعديل أي فقرة من فقرات الاتفاقية التي ستعرض عليه.
من ناحية أخرى، أعلنت رئاسة البرلمان إلغاء جميع الإجازات والإيفادات الخاصة بالنواب الـ275 إلى حين انتهاء المناقشات حول الاتفاقية الأمنية. ويشمل قرار المنع سفر النواب إلى السعودية لأداء فرائضهم الدينية بموجب عيد الأضحى الذي يبدأ مطلع الشهر المقبل وذلك لتأمين أكبر حضور نيابي ممكن.
وكشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن أن رئيس البرلمان محمود المشهداني قرّر هو وكتلته التي تمثّل العرب السنة (جبهة التوافق العراقية) التصويت لمصلحة إقرار الاتفاقية، رغم أن الرجل بقي حتى الأمس القريب من أشد المعارضين لها، وهو الذي سبق وخاطب المالكي قائلاً «إذا كنت تودّ أن تمرر الاتفاقية فابحث لها عن مكان آخر خارج البرلمان».
وفي أول رد فعل للتيار الصدري بعد إقرار الاتفاقية، قال القيادي في التيار حازم الأعرجي «فوجئنا وصدمنا بهذه الموافقة التي تعدّ تكريساً للاحتلال من خلال الموافقة على الانتداب الذي يريده المحتل».
وفي الوقت الذي كان فيه ملف الاتفاقية يشغل العالم، كانت عطلة نهاية الأسبوع تسجل مقتل أكثر من 40 عراقياً وإصابة العشرات في سلسلة تفجيرات، أبرزها في ديالى وشرق بغداد. أما حصّة جيش الاحتلال من الخسائر البشرية، فكانت مرتفعة، إذ قُتل جنديّان إثر تحطّم مروحيّتهما في الموصل، وثالث من مشاة البحرية (المارينز) في الأنبار.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)

«ضوء أخضر» من السيستاني و«علامة رضى» من طهران


ليس سراً أن «الائتلاف العراقي الموحد» عاجز عن اتخاذ أي قرار «مصيري» من دون نيل «ضوء أخضر» من مصدرين: النجف وطهران. السيد علي السيستاني أعطى «الضوء الأخضر»، حسب مصادر «واشنطن بوست»، أما إيران فبدا سكوتها «علامة الرضى»
عندما سيقف رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، في اليومين المقبلين ليعلّق على شبه إجماع مجلس وزرائه على مسوّدة الاتفاقية الأميركية ـــــ العراقية «سوفا»، سيكون عليه التحدّث عن حلقة كانت مفقودة وأتاح عقدها إمرار المعاهدة بعدما كانت المعارضة العراقية العربية إزاءها شبه شاملة لا يخرقها سوى الحماسة الكردية.
فجميع البوادر التي سبقت ورافقت وتلت موافقة حكومة المالكي على مسوّدة الاتفاقية توحي أن القرار نال بالفعل موافقة النجف ممثلة بالسيد علي السيستاني، والنظام الإيراني.
فقد جاء تصويت الحكومة غداة زيارة قام بها وفد من حزبي «الدعوة الإسلامية» ممثّلاً بالنائب علي الأديب، و«المجلس الإسلامي الأعلى» ممثّلاً بنائب رئيس مجلس النواب الشيخ خالد العطية، إلى السيستاني، الذي «أعطى الوفد ضوءاً أخضر للسير بمعاهدة سوفا»، على حدّ ما كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست»، نقلاً عن أحد مسؤولي مكتب المرجع الشيعي الأكبر في بلاد الرافدين.
حتى إن الأديب نقل عن السيستاني قوله «أنا مطمئن إلى الدراسة الدقيقة التي يقوم بها المسؤولون العراقيون، ومطمئن إلى حرصهم على المصالح الوطنية».
ومن طهران، اختصرت مصادر إيرانية مطّلعة لـ«الأخبار» موقف إيران بعبارة واحدة: «السكوت علامة الرضى».
وكان التلفزيون الحكومي الإيراني قد بثّ تحقيقاً قبيل اجتماع حكومة المالكي، أمس، يصف المسوّدة النهائية التي أحالها مجلس الوزراء إلى البرلمان، بأنها «إنجاز كبير لحكومة المالكي التي استطاعت فرض رؤيتها ومصالحها»، في إشارة إلى التعديلات التي طالبت بغداد بإدخالها على نصّ «سوفا».
وتشير المصادر المطّلعة إلى أن طهران ترى أن شروطها تحققت في المسوّدة الجديدة، وأهمها نقطتان: إلغاء البند الذي يسمح لقوات الاحتلال باستخدام الأراضي العراقية منطلقاً لمهاجمة دول الجوار العراقي. و«الشرط» الثاني هو نجاح الإيرانيين في تأخير موعد التوقيع إلى ما بعد الانتخابات الأميركية «كي لا يستغل الرئيس الأميركي جورج بوش والجمهوريون توقيع الاتفاقية لأهداف انتخابية تصبّ في مصلحة مرشّحهم جون ماكاين».
وفيما روّج مساعدو المالكي، وفي مقدّمهم مستشاره محمد العسكري، أن الموافقة المريحة للحكومة على الاتفاقية عكست إجماعاً على أن التعديلات الأميركية «أقنعت الجميع بأن النص المتوافر هو أفضل الممكن»، كانت «واشنطن بوست» تنقل عن مصادر أميركية وصفها للتعديلات بأنها «شكلية» و«رمزية» ولا قيمة كبيرة لها، لكونها لم تمس الاحتكار الأميركي لصلاحية مقاضاة الجنود الأميركيين.
(الأخبار)

العراقيّون مع رحيل المحتل «اليوم قبل الغد»وقال أبو مصطفى (52 عاماً)، صاحب متجر في منطقة الصالحية، إن «الاتفاقية بمضمونها جيدة وندعمها». ويظهر مصدر رضا الرجل من كون المسودة حددت موعداً «نهائياً» لرحيل الاحتلال قبل نهاية 2011. فعلى حدّ تعبيره، «وضع العراق لا يتحمل بقاءً أطول للاحتلال، ونريدهم أن يغادروا اليوم قبل غد، ليتركوا لنا القرار، حينها سنعرف أين الخلل، هل هو في الاحتلال أم في حكوماتنا المتعاقبة».
لكن أبو مصطفى يبدو قلقاً من «التهديدات الخارجية»، مشيراً إلى أن «ملف الأمن الخارجي يبقى بحاجة إلى مراجعة، والسؤال: هل هناك إمكان للحكومة للدفاع عن البلاد من تدخلات دول الجوار؟».
موقف شبيه يتبنّاه المهندس مازن كاظم حميد (37 عاماً)، الذي يرى أن تاريخ الانسحاب الأميركي «مبكر»، لأنّ القوات العراقية «ما زالت غير قادرة على الدفاع عن نفسها من أي عدوان الخارجي».
ويذهب مازن بعيداً في دعمه لبقاء الاحتلال في بلاده، قائلاً: «نطالب القوات الأميركية بالبقاء حتى نهاية التهديدات الخارجية، أريد أن يوفروا حمايتنا من دول الجوار التي تدعم الإرهاب»، مشيراً إلى أهمية بقاء القوات الأميركية، لأنها إذا خرجت في هذا الوقت من المدن، «فإن الوضع الأمني سوف يتدهور».
بدوره، يؤيّد المصور الصحافي نبيل ناجي (48 عاماً) الاتفاقية «إذا كانت لمصلحة المواطن العراقي، فالشعب يريد أن يتنفس بعدما مرّت علينا خمس سنوات مظلمة، وقبلها زمن نظام (الرئيس الراحل) صدام (حسين)».
ويختصر ناجي موقفه بالتالي: «غالبية العراقيين لا يعرفون ما تتضمنه الاتفاقية، وهم ينتظرون ماذا ستقرر المراجع (الدينية) حولها، إذا وافقت عليها وافقوا، وإذا رفضتها، فهم كذلك». وعن مصير الاتفاقية، يصرّ ناجي على ضرورة أن تنشر الحكومة بنود الاتفاقية على الشعب «وتشرح لهم مضامينها قبل أن تمرر في البرلمان».
في المقابل، يبدو الشرطي محمد الأسدي غير مصدّق لانسحاب وشيك للاحتلال، قائلاً: «لا أصدق، هل يأتي يوم وترحل القوات الأميركية من العراق، وخصوصاً بعد كل هذه القواعد التي بنوها في كل مكان؟». ويتابع الأسدي: «احتلال العراق بالنسبة إلى الأميركيين كان حلماً وتحقق، فكيف لهم الخروج بهذا البساطة؟».
أما الموظف الحكومي علي حسام (29 عاماً)، فيجزم خياره بتأييد الاتفاقية، «لأنها تخدم الشعب العراقي، وتُعَدُّ في شكلها ومضمونها إنهاءً للاحتلال الذي شجع الطائفية في البلاد، وهو سبب خراب البلد».
(أ ف ب)