المعلّمون وحدهم ونقابات العمّال لا تتحرك بلا ضوء سياسيرشا أبو زكي ــ فاتن الحاج
في الوقت الذي تغطّ فيه الاتحادات العمالية في سبات سياسي عميق، وفي الوقت الذي أصبحت فيه تحركات الاتحاد العمالي العام ومعارضيه لا تتعدى «تحريك الشفاه»، وكتابة بيانات الاستنكار والشجب والرفض والتهديدات الجوفاء، تتحرك هيئة التنسيق النقابية اليوم عن كل عمال لبنان وموظفيه ومعلميه وأساتذته، وتحمل شعارات لطالما كانت شرارة انطلاقة التحركات العمالية، التي كانت تنزع المكاسب العمالية من قلوب أهل السلطة. فقضية «الزيادة الهزيلة على الأجور» وبيانات التصعيد التي زخرفت بيانات الاتحاد العمالي العام، لم تعد من ضمن الأولويات الأساسية للاتحاد. فهو، بحسب رئيسه، غسان غصن «يتحرك وفق برنامج عمل محكم». وبرنامج العمل يتمحور الآن حول نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، الذي أصبح «أم المعارك» وفق غصن، والسبب بالطبع لا يقوله غصن جهاراً، ولكنه واضح، فالاتحاد العمالي، لم يعد قادراً على التحرّك إلا بغطاء سياسي!
أما معارضو الاتحاد العمالي، الذين رفعوا أنوفهم عالياً بعد إقرار الزيادة المجحفة، وأعلنوا أنهم الأبطال الذين حققوا زيادة على الأجور بقيمة 200 ألف ليرة فقط لا غير، فهم لن يتحركوا ضد أنفسهم، وبالطبع لن ينزلوا إلى الشارع، والسبب بحسب رئيس جبهة التحرر العمالي عصمت عبد الصمد هو أن «الجو السياسي مريح، فليستمر كذلك، لماذا نريد تعكيره؟». وعبد الصمد لم يكن يتحرك في «عز الأزمة» لأن «الجو السياسي عاطل ولا نريد أن نتهم بالتسيّس»! فكانت النتيجة أن ما تطلق على نفسها لقب «المعارضة النقابية» لا تتحرك في السلم ولا في الحرب، وتترك عمال لبنان «يأكلون البسكويت»!

بين تبرير وتبرير!

ويبدأ غصن تبريراته قائلاً: «كلا، كلا، هيئة التنسيق النقابية لا تتحرك من أجل الأجور، بل تحركها قطاعي»! وعندما تُعرَض مطالب هيئة التنسيق النقابية، يتغيّر جواب غصن، فيقول: «نتمنى أن تتولى هيئة التنسيق عمل الحركة النقابية. وأنا لم أقل إن مطالبهم فقط قطاعية، ولكنني قلت إننا نتفق مع هيئة التنسيق في موضوع تصحيح الأجور بأنه مهين ولا يلبّي طموح العمال والموظفين والمعلمين كذلك». ولكن، لماذا لم يكن الاتحاد العمالي العام في طليعة التحركات من أجل المطالبة بإعادة النظر بزيادة الأجور بعد صدور قرار الزيادة ومرسومها؟ يقول غصن: «نحن مَن يحدد الزمان الذي نريده للتحرك، ونحن لا نسير إلا وفق برنامج مطلبي للاتحاد العمالي العام. أما أولويتنا حالياً، فهي نظام التقاعد والضمان الاجتماعي، ونحن نناضل من أجله لكي لا يمر في مجلس النواب»!
عبد الصمد، موقفه «معروف من موضوع الزيادة». وعلى الرغم من أن نحو 100 ألف أستاذ ومعلم يضربون اليوم، إلا أن ذلك لم يبدد شكوك عبد الصمد من «التسييس» فيقول: «نحن مع التحرك، ولكننا لا نعرف سبب التوقيت»! ولكن لماذا لم تتحرك الجبهة «المعصومة من السياسة»؟ يقول: «هم لم يطلبوا أن يكون الإضراب عاماً لنكون معهم، وإذا أرادوا التنسيق معنا فلا مشكلة». ويتابع: «ولكن نحن موقفنا واضح من الأجور، فعلى الرغم من أن الزيادة لم تكن كبيرة، ولكننا نعرف وضع الهيئات الاقتصادية والدولة، ونحن من اقترح هذه الزيادة ونسبتها». ويلفت إلى أن «همّنا حالياً هو نظام التقاعد والحماية الاجتماعية» وهو «معركة بتحرز»!

كلهم متورطون!

وبالتالي، تسقط الحجج السياسية أمام العناوين المطلبية والمعيشية التي رفعتها هيئة التنسيق النقابية لروابط الأساتذة والمعلمين والموظفين في القطاع العام ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة. وتواجه الهيئة بإضرابها التحذيري الشامل واعتصامها أمام مجلس النواب، الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، السلطة مجتمعة بطرفيها الموالي والمعارض، التي تحمّلها مسؤولية عدم التحاور مع قطاع يضم مليون تلميذة وتلميذ و100 ألف مدرّسة ومدرّس، رغم المواعيد التي طلبتها الهيئة منذ أكثر من شهر من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزير المال محمد شطح، من دون أن تلقى أي تجاوب. كذلك، تنتظر الهيئة ترجمة المواقف التي يسجّلها المسؤولون عملياً، ومنها ما صدر أمس عن لقاء وزير المال ووزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري التي أعلنت أنّ للأساتذة وجهة نظر في الزيادات، وهي تحتاج إلى نقاش. أما شطح، فعلّق على مطالب الأساتذة قائلاً: «إنه موضوع حساس، نظراً لعدم سهولة الوضعين الاجتماعي والاقتصادي في لبنان خلال السنوات الماضية». وأكد «أننا نتفهم هذه المطالب المحقة مع ضرورة موازنتها مع قدرة الدولة اللبنانية في هذا القطاع وغيره».
في المقابل، وضعت هيئة التنسيق اللمسات الأخيرة على الاستعدادات اللوجستية لأوسع مشاركة في الاعتصام والإضراب الذي يشمل مختلف كليات الجامعة اللبنانية ومعاهدها وجميع الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة ومدارس التعليم المهني والتقني الرسمي ومعاهده والدوائر والمصالح والإدارات في مؤسسات القطاع العام. وتعلّق المؤسسات التربوية الخاصة اليوم الدروس، فيما تُبقي إداراتها مفتوحة. أما مدارس جمعية المقاصد الخيرية، فتلتزم حسب عضو نقابة المعلمين جمال الحسامي، قرار النقابة، وأساتذتها سيشاركون في الاعتصام. كذلك يؤكد النقابي وليد جرادي أنّ المدارس التابعة لمؤسسة الحريري ستقفل أبوابها، وسيكون يوم غد (اليوم) أكبر برهان على ذلك.
وفي التعليم الرسمي، تحدثت رئيسة رابطة المعلمين الرسميين في بيروت، عايدة الخطيب، عن نقابية التحرك في وجه حكومة «الوحدة الوطنية»، فيما تلقى خطوة هيئة التنسيق، كما يؤكد نائب رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي، فؤاد عبد الساتر، تأييداً عارماً من جميع الأساتذة والمعلمين والموظفين والمتعاقدين وتجمعات المعلمين، داعياً إلى المبادرة إلى الاجتماع مع هيئة التنسيق، وإلاّ فسيكون للهيئة خطوات تعلن عنها في ضوء تحرّك اليوم.


2 في المئة

هي نسبة بدل النقل في مقابل الحد الأدنى للأجور وفق المرسوم رقم 266/93. كذلك، تطالب الهيئة باسترجاع 15% اقتُطعت من معاشات التقاعد والصرف، ودفع المفعول الرجعي لسلسلة الرواتب كما أقرها القانون الذي مضى على إقراره أكثر من 10 سنوات


مطالب هيئة التنسيق