تدرك إسرائيل أن طبيعة وحجم الجرائم التي ارتكبتها يقلصا هامش المناورة، حتى لدى مؤيديها، لذلك تعارض تأليف لجان تحقيق في الأعمال الحربية التي ارتكبتها، برغم أن موضوع عمل اللجان يشمل «أعداء إسرائيل»، على حدّ سواء. وبحكم أن أي تقرير، حتى لو تحلى بالحد الأدنى من الموضوعية، ينبغي أن يؤدي إلى إدانة إسرائيل، فمن هنا تعارض تل أبيب على الدوام ومسبقا النتائج التي ستخلص إليها أي لجان.
من هذا المفهوم، يصير منطقيا الترحيب الإسرائيلي باستقالة رئيس لجنة التحقيق في الحرب على غزة، وليام شاباس، التي أتت بفعل الضغوط من تل أبيب، إذ لم يشفع لشاباس تأكيده أنه ليس معادياً لإسرائيل، بل قوله إن التلميح إلى ذلك هو «أمر غير عادل»، كما لفت الرجل إلى أنه سبق أن زار إسرائيل عدّة مرات، وألقى محاضرات في بعض جامعاتها.
استغل المسؤولون الإسرائيليون استقالة شاباس كي يصوبوا سهامهم على لجنة التحقيق. فدعا رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى وقف عمل اللجنة بعدما استقال رئيسها الذي اتهمه بالانحياز ضدّ إسرائيل. وأوضح نتنياهو، في بيان صادر عن مكتبه، أنه «بعد استقالة رئيس اللجنة الأممية الذي كان منحازاً ضد إسرائيل، يجب الآن شطب تقريره»، مشيرا إلى أنه «في 2014 مرّر هذا المجلس قرارات ضد إسرائيل كان عددها أكثر من جميع القرارات التي مررها ضد كل من إيران وسوريا وكوريا الشمالية».
نتنياهو تجاوز في موقفه حقيقة أن هذا العدد من القرارات يعود إلى أن إسرائيل ارتكبت من الجرائم ما يوجب ذلك. فدعا إلى «إجراء تحقيق في ممارسات حماس والتنظيمات والأنظمة الأخرى التي توجد من حولنا». وزعم، أيضا، أن إسرائيل، برغم كل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها، عملت «وفقاً للقانون الدولي»، مشددا في الوقت نفسه على أن تل أبيب ستواصل نهجها الذي تتبعه، ووضع ذلك تحت عنوان «الدفاع عن النفس في مواجهة الإرهاب الذي يوجه ضدها من كل الجبهات».
أما وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، فرأى أن استقالة شاباس «لن تغير خلاصات التقرير»، لأنها «منحازة مسبقاً وتتلاءم مع الهيئة التي ألّفت اللجنة الرامية إلى مناكفة إسرائيل والمسّ بها». وادّعى ليبرمان أن «هذه الاستقالة تؤكد مرّة أخرى هوية الأشخاص أعضاء اللجنة وانحيازهم المتأصّل».
الأمر نفسه، ذكره وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، الذي أكد أن الاستقالة «لن تغير نتائج التقرير». وأضاف بينيت: «من الواضح أنّ الشخص الذي يقدم استشارات لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا يستطيع أن يحقق في قضية تتعلق بإسرائيل».
وكان شاباس قد قدم استقالته في أعقاب ضغوط مارستها إسرائيل، قائلا في رسالة استقالته: «أنا واثق بأن الإجراء الذي جرت فيه مناقشة إن كانت ستجري إقالتي، يجعل من الصعب علي أن أتابع مهمتي». وأوضح أن «عملية جمع الأدلة الخاصة بالحرب الأخيرة على قطاع غزة انتهت"، وأنه "ليس معنياً بأن يؤثر الاعتراض الشخصي اتجاهه في نتائج التحقيق".
(الأخبار)