خصخصة الخلوي لن تتم ولكن المشروع يلحظ عائداتهامحمد زبيب, رشا أبو زكي
بنى وزير المال، محمد شطح، مشروع موازنته لعام 2009 على أساس فرضية معلنة وواضحة ومحددة، تفيد بأن عملية بيع رخصتي الهاتف الخلوي ستتم في النصف الأول من العام المقبل، وبالتالي ستنعكس عائداتها الصافية المتوقّعة خفضاً على تقديرات خدمة الدين العام والعجز عموماً، اعتباراً من تموز، لتنتهي السنة المالية على دين عام لا يتجاوز 45.4 مليار دولار، أي أقل بقليل من الدين العام المحقق في نهاية السنة الجارية.
ثبت أن هذه الفرضية غير واقعية، أو لا أساس لها من الصحة، فقد أقرّ الرئيس فؤاد السنيورة في جلسة مجلس الوزراء الماضية بأن الظروف السائدة لن تسمح بإنجاز هذه العملية، وهذا ما أعلنه أيضاً وزير الاتصالات المعني جبران باسيل، الذي عقد اجتماعاً مع الوزير شطح يوم الثلاثاء الماضي، وطالبه بصراحة ووضوح بضرورة إعادة النظر في أرقام مشروع الموازنة، وتغيير المهل الزمنية الموضوعة للخصخصة بسبب عدم واقعيتها، وبالتالي عدم احتساب أي انخفاض للدين العام في سنة 2009، وزيادة إيرادات الخزينة من وزارة الاتصالات التي لن تنخفض بسبب الخصخصة كما ورد في المشروع!

رفض التعديلات

على الرغم من كل ذلك، لا يبدو أن الوزير شطح يتجه إلى إدخال تغييرات جوهرية على مشروعه، بل إنه يتمسك بالأرقام نفسها، بمعزل عن كل المناقشات التي يجريها مع الوزراء المعنيين، كل على حدة، تمهيداً لإعادة طرح المشروع على الحكومة لإقراره وإحالته على المجلس النيابي. وهذا ما أوحى للبعض بأن هناك نيّة لاختلاق سجالات تمنع وصول المشروع إلى المجلس النيابي قبل الانتخابات المقبلة، ولا سيما أن الرئيس السنيورة سبق أن صرّح أمام الوزراء بأنه يفضّل عدم إحالة هذا المشروع قبل التصديق على مشاريع موازنات السنوات الثلاث الماضية العالقة نتيجة إصرار الرئيس نبيه بري على عدم درسها والتصديق عليها، لكونها وردت من حكومة لا تتسم بالشرعية برأيه، واقترح استردادها (بالإضافة إلى مشاريع القوانين الأخرى العالقة) من الحكومة الحالية وإعادتها مجدداً إلى المجلس النيابي في مخرج لهذه الإشكالية.
وتقول مصادر مطّلعة إن الإصرار على مشروع الموازنة المطروح كما هو، ولا سيما لجهة الالتزام بإجراء خصخصة قطاع الاتصالات قبل تموز المقبل، سببه رغبة الرئيس السنيورة في عدم إرسال أي إشارات سلبية إلى «الجهات المانحة» عن عدم جدّيته هو شخصياً، والحكومة عموماً، في تنفيذ الالتزامات التي هي من الشروط الأساسية للحصول على المزيد مما سمّي تعهدات باريس 3... وهو ما يقتنع به عدد كبير من الوزراء، إلا أن بعضهم بات يطرح اعتماد نموذجين لسيناريوات الموازنة، تظهر فيهما نتائج إتمام الخصخصة ونتائج عدم إتمامها، لتظهر حقيقة الوضع المالي من دون رتوش أو عمليات تجميل، ولا سيما أن في الحكومة اليوم من يرى نفسه غير متورط بالوسائل المعتادة سابقاً في إطار التواطؤ السياسي لإخفاء الوقائع والأرقام.
فما هي التغييرات التي ستطرأ على أرقام موازنة عام 2009 في حال استبعاد فرضية خصخصة الخلوي؟ وكيف سيتطور الدين العام وكلفة خدمته؟ وكم سيبلغ الفائض الأولي؟

في ظل الخصخصة

يشرح الخبير الاقتصادي المعروف، شربل نحاس، أن مشروع الموازنة الحالي يفترض إنجاز عملية بيع رخصتي الخلوي في النصف الأول من العام المقبل، وبالتالي يلحظ انخفاض إيرادات الاتصالات اعتباراً من تموز المقبل، لتتراجع، في حال إتمام عملية البيع، من 1750 مليار ليرة (ما يعادل 1161 مليون دولار) في العام الحالي إلى 1451 مليار ليرة (ما يعادل 962.5 مليون دولار) في العام المقبل. أمّا اذا لم تتم عملية البيع فسترتفع إيرادات الاتصالات إلى 2100 مليار ليرة (ما يعادل 1393 مليون دولار)، وهذا يعني أن الخصخصة ستؤدي إلى خسارة في الإيرادات العامة في النصف الثاني تقدّر بحوالى 650 مليار ليرة (431 مليون دولار).
وتتوقع وزارة المال أن يبلغ الدين العام في نهاية هذه السنة حوالى 69 ألف مليار ليرة (45.7 مليار دولار)، وتقول إن متوسط الفائدة على الدين بالليرة أو العملات الأجنبية سيكون متقارباً، وهو بحدود 8.75%، وسيرتفع الدين حتى حزيران المقبل إلى حوالى 71 ألف مليار ليرة (47 مليار دولار) لينخفض في نهاية السنة إلى حوالى 68500 مليار ليرة (45.4 مليار دولار) بعد إطفاء جزء منه عبر العائدات الصافية من عملية البيع بدءاً من تموز.
وانطلاقاً من ذلك، يتوقع مشروع الموازنة أن تبلغ خدمة الدين العام حوالى 5904 مليارات ليرة (3.9 مليارات دولار) في السنة المقبلة، منها 3019 مليار ليرة في النصف الأول قبل احتساب عائدات البيع، و2885 مليار ليرة في النصف الثاني بعد إطفاء جزء من الدين.
وهذا يعني أن السيناريو المعتمد يلحظ ارتفاعاً في الدين، ثم انخفاضاً بسبب البيع، ثم ارتفاعاً بسبب خدمة الدين وتراجع الفائض الأولي نتيجة الى 1400 مليار ليرة بسبب تراجع إيرادات الاتصالات بعد البيع.

في ظل عدم الخصخصة

ويشرح نحاس أن عدم إتمام عملية بيع رخصتي الهاتف الخلوي سيؤدّي إلى نتائج مختلفة تماماً على مستوى هذه الأرقام، إذ إن الدين العام الذي سيبلغ حوالى 71 ألف مليار ليرة في حزيران المقبل، سيواصل ارتفاعه في النصف الثاني ليصل إلى حوالى 73 ألف مليار ليرة (48.4 مليار دولار) أي أكثر بحوالى 3 مليارات دولار من تقديرات مشروع الموازنة، فيما خدمة هذا الدين ستواصل ارتفاعها لتبلغ حوالى 6123 مليار ليرة (4.06 مليارات دولار) أي أكثر بحوالى 160 مليون دولار. كذلك، فإن الفائض الأولي سيرتفع إلى 2050 مليار ليرة بسبب عدم خفض إيرادات الاتصالات التي ستصل إلى 2100 مليار ليرة بدلاً من 1440 مليار ليرة.
إن هذه التقديرات في حال عدم حصول الخصخصة، هي مجرّدة، بمعنى أنها لا تأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى التي ستتأثّر بذلك، وبالتالي فإن العجز سيكون أكبر من المقدّر، وسيكون أكبر من المتوقّع في ضوء تعديل الأرقام، وكذلك، حجم الدين العام المصرّح عنه رسمياً.


2100 مليار ليرة

هي عائدات الخزينة من الخلوي في 2009 في حال عدم الخصخصة، مقارنةً مع 1450 ملياراً إذا حصلت، علماً بأن العائدات لن تتأثّر في النصف الأول، ما يعني أن الانخفاض سيكون أكبر في 2010.


تأكيدات بعدم الخصخصة