strong>كان مشروع خصخصة الخلوي نجم المباحثات التي عقدت بين الوفد الفرنسي والحكومة اللبنانية، بحيث أصبح من المؤكد أن عملية الخصخصة لن تجري في تموز المقبل، والأكثر تأكيداً أن هذا التطور سينعكس تعديلاً على موازنة عام 2009
احتل مشروع خصخصة الخلوي محور المحادثات «الخلفية» بين الوفد الفرنسي الموجود في لبنان برئاسة رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا فيون من جهة، والحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة من جهة أخرى، بحيث وُضع الجانب الفرنسي في أجواء عدم إجراء عملية الخصخصة في منتصف العام المقبل، ما أدى إلى سقوط بند أساسي من تعهدات لبنان في باريس 3. وبناءً على ذلك، وقّع فيون اتفاقية تلتزم فرنسا فيها صرف الشريحة الثانية من تعهداتها الباريسية، وهي بقيمة 125 مليون يورو، بعدما طلب السنيورة تعديلاً في أحد الشروط الأساسية لمنح لبنان هذا القرض، وهو استبدال نص يقضي بالتزام الحكومة خصخصة الخلوي في النصف الأول من عام 2009، بنص آخر يقضي بالتزامها اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحالة مشروع القانون الخاص بالخصخصة على المجلس النيابي، وإنجاز دفاتر الشروط، على أن تجري الخصخصة إن كانت الظروف المحلية، وفي الأسواق العالمية، مؤاتية لذلك.
وأشارت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» إلى أن السنيورة ووزير المال محمد شطح سعيا قبل وصول الوفد الفرنسي إلى لبنان إلى تعديل وجهة تخصيص مبلغ الـ125 مليون يورو ليوضع في إطار دعم الموازنة، إلا أن الجانب الفرنسي استمر في الرفض، وأصر على تخصيص هذا المبلغ لتمويل الشركات والمؤسسات اللبنانية الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تضررت في حرب تموز، إلّا أنه عاد ووافق فقط على طلب واحد أصر عليه كل من السنيورة وشطح، وهو أن يشمل القرض جميع المؤسسات المتوسطة والصغيرة في لبنان سواء أكانت متضررة أم غير متضررة.
وقد أرخى الصراع الذي دار الأسبوع الماضي بين وزير الاتصالات جبران باسيل، والسنيورة وعدد من وزراء ونواب 14 آذار بشأن تشغيل الشبكة التي كانت تديرها «ألفا» بظلاله على زيارة أكثر من 100 شخصية فرنسية لبنان، حيث أسف باسيل أمام مجموعة من رؤساء شركات الاتصالات في فرنسا ومديريها، لتفويت لبنان فرصة إدخال مشغّل أجنبي كبير مثل «فرانس تلكوم»، إلى قطاع الاتصالات من أجل تحديثه وتطويره والنهوض به في سرعة قياسية. وأكد أمام الوفد أن الباب لا يزال مفتوحاً من خلال المناقصة العالمية التي ستُجرى.
فيما أشار باسيل نفسه خلال اللقاء الموسع الذي عقد أمس، في السرايا الحكومية، إلى أن نية الحكومة اللبنانية جديّة بخصوص الخصخصة، إلا أن هناك عاملين لا بد من توافرهما، وهما الأسواق المالية العالمية الملائمة، والتوافق السياسي والاقتصادي اللبناني بشأن شروط البيع. وأعلم الوزير باسيل الحضور بمشروع الـ Call Center الذي أطلقته الوزارة، وأعربت إحدى الشركات الفرنسية، التي تضم 50 ألف موظف، عن رغبتها في الاستثمار في هذا المشروع.
أما التطور الثاني، الذي صاحب الزيارة الفرنسية، فهو تراجع وزير المال محمد شطح عن تأكيداته بتنفيذ خصخصة الخلوي في تموز المقبل، وإصراره على بناء أرقام موازنة عام 2009 على فرضية حصول الخصخصة، حيث أعلن أمام وزيرة الدولة الفرنسية للتجارة الخارجية آن ماري ايدراك، أن «توقيت الخصخصة يتعلق بمعطيات كثيرة، منها وضع الأسواق، وهو قرار تأخذه الحكومة مجتمعة»، مؤكداً أن مشروع الموازنة سيتضمن تقديرات «واضحة» للإيرادات والدين العام في الحالتين، أي بناءً على فرضية حصول الخصخصة، وكذلك بناءً على فرضية عدم حصولها. ولفت شطح إلى أنه «من واجبنا أن نعدّ موازنات تُبنى على الواقع، الذي هو بطبيعته متحرك لأسباب كثيرة، منها على سبيل المثال أسعار الطاقة العالمية، وهذا من دون شك له تأثيرات، إن كان على صعيد استيراد البنزين أو بالنسبة إلى دعم مؤسسة كهرباء لبنان». وأضاف «من دون شك فإن احتمالات خصخصة قطاع الهاتف الخلوي وتوقيتها يؤثّران في الموازنة، ليس من ناحية حجم الدين فحسب، بل من ناحية الإيرادات المتوقّعة للحكومة، ونحن على هذا الصعيد سنكون واضحين جداً في الموازنة، بحيث سنضع تماماً تقديراتنا بالنسبة إلى المداخيل وبالنسبة إلى الدين، سواء حصلت الخصخصة أو لم تحصل».
وقد تخلّل زيارة الوفد الفرنسي إلى بيروت توقيع 6 اتفاقيات بين الحكومة اللبنانية والوفد الفرنسي، بينها «اتفاق إداري بين وزارة الزراعة وصيد الأسماك في فرنسا ووزارة الزراعة اللبنانية»، ومشروع اتفاق تعاون بين وزارة المال اللبنانية ووزارة الاقتصاد والصناعة والعمل في الجمهورية الفرنسية، ومجمع المصالح العامة «أديتيف»، ومشروع اتفاق تعاون بين لجنة مراقبة هيئات الضمان في لبنان، وهيئة الرقابة على شركات التأمين وصناديق التعاضد في فرنسا، إضافة إلى اتفاقية فتح اعتماد رقم CLB 3007-01 بتاريخ 21 شباط 2008.
وكان السنيورة قد أكد أمام الوفد الفرنسي أمس، أن «لبنان ملتزم بالإصلاحات التي كان قد تعهد بها في مؤتمر باريس 3»، إلا أن المتابعين الاقتصاديين لمجرى تنفيذ تعهدات باريس 3، وضعوا الزيارة الفرنسية في إطار إعطاء صورة عن تقارب سياسي مستجد بين حكومة ساركوزي وحكومة السنيورة، فيما أكد أحد الوزراء لـ«الأخبار» أن النظرة إلى هذه الزيارة يجب ألّا تكون مبسّطة، إذ إنه لا يمكن أن تعقد أي دولة اتفاقيات اقتصادية في هذه الظروف السياسية الإقليمية والدولية والمحلية من دون أهداف سياسية تعمل على تحقيقها.
(الأخبار)