بغداد ــ زيد الزبيديمع انفجار العلاقة كلياً بين جلال الطالباني والتحالف الكردستاني الذي يمثله، من جهة، وبين رئيس الحكومة نوري المالكي من جهة آخرى، يسعى الرئيس العراقي إلى تأسيس تحالف طائفي ـــ عرقي جديد يسعى إلى انتزاع الصلاحيات من حكومة بغداد، تحت واجهة «التنسيق لما بعد الاتفاقية الأميركية ـــ العراقية».
عنوان عريض أفصح عنه الطالباني حين أعلن، بعد اجتماع نظمه في منزله الجمعة الماضي، أن إدارة البلد «لا تتم إلا من خلال التوافق بين الأطراف السياسية، والمشاركة الحقيقية لجميع الفئات»، وأن «وجود عراق ديموقراطي مستقل كفيل بعدم الانفراد بالسلطة وتكرار الدكتاتورية».
أكثر ما يُلاحَظ في التحالف الجديد، وجهه الطائفي والعرقي، متمثلاً بـ«التحالف الكردستاني» و«الاتحاد الإسلامي الكردستاني»، عن الأكراد، و«الحزب الإسلامي العراقي» و«مجلس الحوار الوطني»، عن العرب السنّة، في ظل عدم وجود ممثلين عن العرب الشيعة، بالإضافة إلى تجاهل الكتل الليبرالية والعلمانية.
وبحسب بيان لمكتب الطالباني تلا الاجتماع، فإن المشاركين «أكدوا عدم السماح بالانفراد بالسلطة، وتهميش الآخرين»، مشدّدين على ضرورة معالجة الوضع الحالي، «وألا يكون الاجتماع لاحتواء الأزمة فقط».
وإذا كان بعض ممثلي العرب السنة ينتقدون حكومة المالكي لعدم التزامها بالعفو عن المعتقلين، وعدم التشاور معهم في «القضايا الحساسة»، فإن مخاوف الطرف الكردي تتجسد في عدم تجاوب المالكي معه في قضايا مصيرية عديدة، أبرزها: مشروع تعديل الدستور، والعقود النفطية، والانتشار العسكري الكردي خارج الإقليم، وأزمة كركوك، إضافة إلى الشعور المسبق بإمكان اعتبارهم «خارجين على القانون»، وهو ما يسمح للحكومة بموجب الاتفاقية الأمنية، «بالاستعانة بالجانب الأميركي لضربهم».
ويعتقد التحالف الكردستاني أن نقل الملفات الأمنية إلى الحكومة المركزية، «من الأمور التي تسهّل الانقلاب العسكري»، وخاصة أنّ الوزارات الأمنية الثلاث، الدفاع والداخلية والأمن الوطني، يتولّى حقائبها ضباط بعثيون سابقون!
ورغم أن هدف الأطراف من مشروع التحالف الجديد واحد، وهو الوقوف في وجه قوة المالكي وحكومته، إلا أنّه في الوقت نفسه، يحمل في طيّاته تناقضاً كبيراً، لأن الطرف العربي السني يقف على الضد تماماً من طموح الأكراد، وذلك في جميع العناوين الخلافية، وهو ما يجعل من التجمع أشبه بما يسميه العراقيون «عرس الثعالب»، الذي لا يلبث أن يتحوّل إلى عراك بعد الزواج مباشرة.
وفي السياق، يلاحظ مراقبون أن الأكراد يعارضون تشكيل «مجالس الإسناد» العشائرية، في بعض المناطق التي يحاولون فرض الأمر الواقع فيها، بينما لم يعترضوا على تشكيل مثل هذه المجالس في مناطق أخرى، لا بل أيدوها بحماسة، فيما كان «المجلس الأعلى» يعارض تأسيسها في الجنوب والوسط.
ورغم ذلك، لم يستجب «المجلس الأعلى» لدعوة الطالباني، بسبب مطالبة الأكراد بضمّ مناطق يسكنها الأكراد الشيعة «الفيليون» إلى إقليم كردستان العراق.
وأكثر ما يثير الاستغراب، هو تشبث الأكراد، الذين عُرفوا سابقاً بتوجهاتهم الليبرالية والتقدمية اليسارية حتى، بالأوراق الطائفية التي أوجدها الاحتلال، بينما يتشبث المالكي بالأطر العشائرية وبتشريع قانون الإصلاح الزراعي وذلك لتقوية شعبيته المتآكلة حزبياً. وحملت نهاية الأسبوع، توتّراً هو الأكبر من نوعه بين المالكي، والطالباني ونائبيه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي الذين نشروا الرسالة التي وجّهوها إلى رئيس الوزراء بتاريخ 18 من الشهر الجاري، للطلب منه «إصدار الأوامر بوقف تأسيس مجالس الإسناد». وجاء نشر الرسالة ردّاً على ما كان قد أشار إليه المالكي يوم الخميس الماضي في قوله «يدّعي الطالباني ونائباه في رفض مجلس الإسناد الحرص على الدستور، متجاهلين اللائحة الطويلة من التجاوزات الدستورية التي ترتكبها حكومة إقليم كردستان العراق»، معدداً العقود النفطية وفتح بعثات دبلوماسية في الخارج من دون العودة إلى حكومته وعرض استضافة قواعد أميركية في كردستان في حال فشل توقيع المعاهدة الأميركية ـــ العراقية.
وهنا لا بدّ من التشديد على أنّه من وجهة النظر الدستورية، تُعدّ مسألة «الإسناد» من صلاحيات «القائد العام للقوات المسلّحة»، أي المالكي، إضافة إلى وزير دفاعه عبد القادر جاسم الذي اعتبرها «ضرورية» لدعم الجهد العسكري النظامي.
وكان لافتاً أنّ «الكتلة العربية المستقلة» (عرب سنة)، تبرّأت من اجتماع منزل الطالباني، وأعلنت رفض التحالفات الطائفية والعرقية، والتزامها بتفعيل «تجمع قوى 22 تموز»، الذي سبق أن أقرّ قانون انتخابات محافظة كركوك قبل أن يبطله مجلس الرئاسة إرضاءً للأكراد. وفوّضت الكتلة نائبها عمر الجبوري تأكيد دعمها لـ«جميع مواقف الحكومة الاتحادية التي تهدف بالأساس إلى تعديل الدستور، وتقوية المركز تجاه المحافظات والأقاليم».