«الأخبار» تنشر رسالة شطح وسلامة إلى صندوق النقد الدوليخلُصت الرسالة التي وجهها وزير المال وحاكم مصرف لبنان إلى صندوق النقد الدولي في الثالث من هذا الشهر إلى القول «إن الحكومة الحالية، التي التزمت في بيانها الوزاري العمل بشكل وثيق مع صندوق النقد الدولي لتحقيق أهداف برنامجها، تنوي درس إمكانية طلب دعم أكبر من الصندوق في النصف الثاني من 2009، من خلال ترتيب مؤقت»
ليست هذه هي المرّة الأولى التي تُوَجّه فيها رسالة بهذا المعنى إلى صندوق النقد الدولي. فقد سبق للحكومة السابقة أن أبدت استعداداً غير مسبوق للانضمام إلى ما يسمى «البرنامج التقليدي»، وهو برنامج يفرض رقابة أوسع وأشمل، وتدخّلاً مباشراً ويومياً من خبراء الصندوق في إدارة الشؤون المالية والنقدية ورسم السياسات في لبنان... وكان وزير المال الأسبق، جهاد أزعور، قد باشر فعلياً بالمفاوضات مع إدارة الصندوق لوضع أسس هذا البرنامج، إلا أن المفاوضات توقّفت في ظل الأزمة السياسية وفراغ سدّة الرئاسة الأولى، بطلب من الصندوق نفسه، الذي رأى أن الحكومة لم تكن قادرة في حينه على تقديم التزامات جدّية قابلة للتنفيذ، إذ إن شرط نجاح مثل هذا البرنامج وجود توافق سياسي في شأنه أو وجود سلطة قادرة على فرضه فرضاً على القوى السياسية والمواطنين عموماً.
كان المخطط، الذي رُسم في اجتماع باريس 3، يقضي بأن ينضم لبنان إلى برنامج المساعدة الطارئة لما بعد الكوارث والحروب (epca)، وهو برنامج أقل سوءاً، مدّته سنة، في مرحلة تمهّد للبرنامج التقليدي، وتسمح للحكومة بتجاوز العقد السياسية والنفسية في العلاقة «القسرية» مع هذه المؤسسة الدولية، التي فرضتها الجهات المانحة شرطاً أساسياً من شروط صرف التعهدات المالية التي تقررت في الاجتماع المذكور.
وبالفعل، انضمت الحكومة بصمت إلى هذا البرنامج التمهيدي، ووقّعته في نيسان 2007 من دون أي مناقشة علنية أو تفويض من المجلس النيابي، واكتفت الحكومة باستخدام حجة حرب تموز 2006 (التي مضى عليها 9 أشهر) لتبرير خطوتها، علماً بأن حجم القرض الذي حصلت عليه من الصندوق لم يتجاوز 76.7 مليون دولار، وهو لأجَل قصير وبفائدة السوق، فضلاً عن أن استخداماته لا تمت بصلة إلى نتائج هذه الحرب.
وانتهت مدّة هذا البرنامج في نيسان 2008، ولم تستطع الحكومة السابقة الانتقال إلى البرنامج التقليدي بسبب الأوضاع التي كانت قائمة يومها، ولمّا تشكّلت الحكومة الحالية، فشل الرئيس فؤاد السنيورة في بناء توافق سياسي على هذا الانتقال، إلا أنه انتزع موافقة المشاركين فيها، هي الأولى من نوعها، على تضمين البيان الوزاري فقرة تجيز أوسع تعاون مع صندوق النقد الدولي، وقد سمحت هذه الفقرة للحكومة الحالية بطلب فترة تمهيدية ثانية قبل الانتقال إلى البرنامج التقليدي، فوافق المجلس التنفيذي للصندوق في جلسة عقدها في 14 الشهر الجاري على اتفاقية «ايبكا ـــ 2» لمدة 6 أشهر تنتهي في حزيران المقبل، ومنح الحكومة بموجبها قرضاً يعادل 37.6 مليون دولار، في مقابل شروط كمية وتقنية وسياسية مبنية على أساس التزامات محددة وردت في رسالة ممهورة بتوقيع وزير المال محمد شطح وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومؤرّخة في الثالث من الشهر الجاري.

رسالة شطح ـ سلامة

تتضمن هذه الرسالة مقدّمات عن تطور الوضع السياسي بعد اتفاق الدوحة، وتحدد مهمّة الحكومة الحالية بالتحضير للانتخابات التشريعية في أيار 2009... وتقول إن برنامج (epca) السابق انتهى بنجاح، وكان له الدور الفعّال في تقوية النظام المالي الداخلي وتحريك الدعم المالي الخارجي، ولو بوتيرة أقل مما كان متصوراً في باريس 3. وقد حقق لبنان تقدماً نحو تعزيز وضعه المالي، فحقق فائضاً في الميزان الأولي (من دون المنح) في 2007، وخُفضت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون ما كان متصوراً من البرنامج.
وجاء في الرسالة أن سياسات مصرف لبنان ضمنت زيادة ثابتة في الاحتياطات الخارجية، التي نمت بـ5.2 مليارات دولار إلى 16.7 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2008. كذلك حمت القطاع المالي المحلي من الانكشاف على المخاطر المالية العالمية، وأسهمت بتعزيز الثقة بنظام ربط سعر الصرف والنظام المالي، ما انعكس تسارعاً ملحوظاً في نمو الودائع وتراجع نسبة دولرتها. وفي النتيجة، استطاعت الحكومة تمويل احتياجاتها من العملات المحلية والأجنبية من السوق.
وتقول الرسالة إن لبنان لم يتعاف تماماً من «نزاع 2006» وما تبعه من مآزق... وبالتالي سيحتاج لبنان إلى دعم خارجي كبير في 2008ـــــ 2009 لتعزيز وضع ميزان المدفوعات، الذي تضرر جراء «النزاع» وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ولتمويل جهود إعادة الإعمار. وتطالب الرسالة بعد هذه المقدّمات بإقرار برنامج epca 2، على أن تلتزم الحكومة والمصرف المركزي تحقيق أهداف مالية رئيسية وتدابير هيكلية بين كانون الأول 2008 وحزيران 2009.

الالتزامات المعلنة

ما هي هذه المؤشرات والتدابير بحسب الرسالة؟
ـــــ سيرفع النشاط السياحي والطلب المحلي القوي نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 6 في المئة على الأقل في 2008 و5 في المئة في 2009. كذلك، فإن التضخّم سيتراجع بسبب تراجع العوامل الخارجية (ارتفاع أسعار السلع العالمية وضعف الدولار). وتدّعي الرسالة أن الحكومة اتخذت الخطوات اللازمة لاحتواء آثار ارتفاع الأسعار في 2008، وتتوقع أن يتمكن القطاع الخاص من امتصاص زيادة الأجور المقررة من دون ضغوط، لأن العديد من الشركات الخاصة سبق أن رفعت الأجور خلال الأعوام القليلة الماضية.
ـــــ ستُوَجّه سياسات الاقتصاد الكلي نحو حماية إنجازات عام 2007 وتعزيز الاحتياطات بالعملات الأجنبية. وستتخذ الحكومة تدابير رئيسية بالاستناد إلى جدول أعمال الإصلاح على المدى المتوسط، بما في ذلك خصخصة قطاع الاتصالات وإعادة إصلاح قطاع الطاقة.
كذلك تنوي إجراء خفض إضافي في نسبة دين الحكومة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتهدف أيضاً إلى المحافظة على فائض أولي (باستثناء المنح)، على الرغم من التحويلات المتزايدة إلى مؤسسة كهرباء لبنان، والنفقات الاجتماعيّة الجديدة المرصودة في الموازنة.
وتنوي الحكومة في عام 2009 استكمال تعزيز موقعها المالي من خلال التدابير التالية:
1 ـــ زيادة الضريبة المقتطعة على دخل الفوائد من 5 في المئة إلى 7 في المئة.
2 ـــ فرض رسوم تأجيرية على الأملاك البحرية.
3 ـــ إلغاء بند في قانون الضريبة على القيمة المضافة يسمح باستعادة المبالغ على بعض النشاطات المُعفاة.
4 ـــ زيادة ضريبة أرباح راس المال على إعادة تقويم أصول الشركات من 1.5 في المئة إلى 2 في المئة.
5 ـــ ترشيد الإعانات.
6 ـــ خفض التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وتحديداً من طريق تبني تعرفة جديدة.
إضافة إلى ذلك، ستدرس الحكومة الهوامش المنظّمة لأرباح مستوردي الوقود، ما سيسمح بزيادة ضريبة البنزين من دون التأثير على سعر البيع.

جهوزية لتعديل الفوائد

وتعتقد الرسالة أنه، بحسب الاتجاهات الحالية، سيستمر تدفق الودائع في 2009، وستكون الحكومة قادرة على تلبية احتياجاتها المالية من السوق وتجنّب الاعتماد على الاقتراض من مصرف لبنان ضمن الحدود الممكنة... وستبقى الحكومة جاهزة لتعديل الفوائد على سندات الخزينة بالتماهي مع أوضاع السوق.
وتتوقع أن يرفع البرلمان قريباً سقف عقود الدين بالعملات الأجنبيّة، ما يمكّن الحكومة من تلبية ما بقي من احتياجاتها المالية بالعملة الأجنبية في السوق (6 مليارات دولار في 2009). وستستخدم الحكومة في النصف الثاني من 2009 الإيرادات من البيع المتوقع لرخصتي الاتصالات من أجل خفض الدين الحكومي المحمول من القطاع الخاص والمصرف المركزي بالعملتين المحلية والأجنبية، ما يساعد في زيادة الاحتياطيّات بالعملات الأجنبيّة... وتنوي الحكومة جمع دعم برلماني واسع لبيع قطاع الاتصالات وإصدار طلب لفتح باب تقديم العروض في آذار 2009 بهدف إتمام البيع في حزيران 2009.
وتنوي الحكومة إعادة توازن حسابات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للحد من الطلب على موارد الموازنة. وتمثّل الخسائر في أقسام التعويضات العائلية والصحية هدراً كبيراً ومفتوحاً على المال العام.
وتقول الرسالة إن لبنان بقي حتى الآن، وإلى حد ما، معزولاً عن الأزمة المالية العالمية الحالية، نظراً لأن البنوك ممنوعة بحزم من الدخول في منتجات المشتقات، «إلا أننا لاحقنا عن قرب التطوّرات في الأسواق المالية العالمية وتأثيرها المحتمل على لبنان، بما في ذلك عبر دول الخليج التي يرتبط بها لبنان». وللحدّ من المخاطر، سترفع لجنة الرقابة على المصارف من درجة رقابتها على توزّع ونوعية أصول البنوك مع المصارف الأجنبية، و«سنكون مستعدين لتعديل معدّلات الفائدة إذا احتجنا إلى ذلك».
وسيتخذ مصرف لبنان خطوات لتعزيز إجراءات عمله، وخصوصاً التبني الكامل لمعايير الإقرار المالي العالمي، وسيتبنى خطة تطبيق في نهاية عام 2008. وإضافة إلى ذلك، سيؤلف المصرف لجنة استثمار رسمية، وسيخط القواعد الرسمية لإدارة الاحتياطي الأجنبي، وسيتبنى سياسات رسمية لاختيار مدققيه الخارجيين وتعيينهم وتدويرهم. وكذلك، سيقوّي تركيزه على النشاطات الرئيسية بدءاً بخصخصة الحصص في أصول المصرف غير المالية، وتحديداً طيران الشرق الأوسط وشركة الاستثمار «إنترا».
(الأخبار)

  • وزير المال محمد شطح يطلّع على تقرير سهولة ممارسة الاعمال (بلال جاويش)

    وزير المال محمد شطح يطلّع على تقرير سهولة ممارسة الاعمال (بلال جاويش)