استفتاء في 30 تموز وواشنطن تتحصّن بـ«النسخة الإنكليزيّة»بغداد ــ الأخبار
لم تتكلّل مفاوضات المسؤولين العراقيين بتصويت على اتفاقية «سوفا» في البرلمان العراقي، أمس، وسيكون العالم على موعد جديد اليوم لمعرفة ما إذا كان هذا المولود الاحتلالي سيرى النور؛ فمنذ ساعات الصباح الأولى، وجد فريق عمل رئيس الحكومة نوري المالكي نفسه أمام عقدة حقيقية تتمثل بالشروط السياسية الحازمة لكتلتي «التحالف الكردستاني» و«جبهة التوافق العراقية» التي كانت واضحة للغاية: إما أن يصوّت البرلمان على قانون عرض الاتفاقية على استفتاء شعبي يحدد مصيرها، بالإضافة إلى إلزام الحكومة التنازل سياسياً لشروطنا، أو لا نصوّت، ويُترَك أمر دفن الاتفاقية لفيتو نائب الرئيس طارق الهاشمي في هيئة الرئاسة.
اجتماعات على أرفع المستويات أدت إلى تأجيل ثنائي للجلسة المصيرية. بداية، أرجئت من الساعة 12 ظهراً إلى الثالثة بعد الظهر. لكن الساعات الثلاث لم تكن كافية لإرضاء الجميع، ما دفع برئيس البرلمان محمود المشهداني إلى تأجيل الاجتماع الحاسم إلى العاشرة من صباح اليوم «من أجل إكمال مناقشات القادة السياسيين الذين اتفقوا على كل النقاط المطروحة، ولم يبق سوى نقطة خلافية واحدة».
وقد يكون أبرز ما تقرر في مفاوضات أمس، هو الإعلان أنه في حال موافقة نواب العراق على «سوفا»، فإنها لن تنفَّذ بمعزل عن الإرادة الشعبية، إلا لسبعة أشهر، بما أنها ستُعرَض على استفتاء شعبي في 30 تموز المقبل ليكون الصوت النهائي للشعب.
وقد حاول المتحدث باسم البيت الأبيض، توني فراتو، التقليل من وقع التأجيل، مشدداً على أن إدارته «لا تزال تأمل أن يتم إقرارها لأنها اتفاقية جيدة جداً للعراق وللولايات المتحدة في آن معاً».
وظهر أن المالكي وائتلافه ـــ أو ما بقي منه ـــ غير قادرين على السير منفردين بالاتفاقية، رغم أنهم يملكون نصاباً قانونياً كافياً مع الأكراد. ومن شبه المؤكد أن إصرار المالكي على تحقيق أوسع توافق وطني ممكن حول الاتفاقية، لا يُرَدّ إلى «كرم أخلاق» سياسي، أو إلى تشبّث وطني بعدم تهميش فئة واسعة من مكوّنات الشعب العراقي. فالسبب الحقيقي لإصراره على إرضاء «جبهة التوافق»، يعود إلى أنه أدرك أن الهاشمي مستعد فعلاً لعرقلة الاتفاقية بـ«فيتو» يتمتع به في هيئة الرئاسة، حسبما أشارت وكالة «أسوشييتد برس». فالدستور يحتّم نيل أي قانون (هنا الكلام عن «سوفا») يقرّه البرلمان، موافقة هيئة الرئاسة للتصديق عليها شرط تأمين إجماع أعضائها الثلاثة: الرئيس (جلال الطالباني) ونائبيه (عادل عبد المهدي والهاشمي).
على هذا الأساس، يبدو أن المالكي رضخ لمطالب العرب السنّة التي تختصَر ببندين جوهريّين: ــ عرض الاتفاقية على استفتاء شعبي بعد نيلها الغالبية المطلوبة في مجلس النواب. ــ ورزمة من التعهّدات بتطبيق ما بات يُعرَف بـ«شروط» جبهتي «التحالف الكرستاني» و«التوافق»: إلغاء قانون المساءلة والعدالة أو بديل قانون اجتثاث البعث، وإطلاق سراح المعتقلين ومراجعة الموازنة العامة بالنسبة إلى العرب السنّة. و«تصحيح العلاقة مع إقليم كردستان، والالتزام بالدستور»، حسبما جاء على الموقع الإلكتروني لحزب الطالباني «الاتحاد الوطني الكرستاني».
وكل هذه الشروط ستوضع في نصّ واحد تحت عنوان «قانون الإصلاحات السياسية».
وعن الاستفتاء، كشف مستشار الأمن القومي العراقي موفّق الربيعي، الذي ترأّس وفد بلاده المفاوض مع الأميركيين، أنه سيجرى في 30 تموز المقبل. أما الهدف منه، فهو «أن يقول الشعب ما إذا كانت هذه الاتفاقية صحيحة أم لا وإذا كانت قد حافظت على مصالح العراق». وإذا رفض الشعب الاتفاقية، «فسيكون على الحكومة إما إلغاؤها وإما التفاوض عليها من جديد».
غير أن وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس لم تتأخّر في إعلان استخفاف بلادها بإرادة العراقيين، معلنة أن الاستفتاء «لن يؤخّر» بدء تطبيق الاتفاقيّة في مطلع العام المقبل.
وفي الوقت الذي كان فيه العراقيون مشغولين بفرض شروطهم التكتيكية على حساب إقرار اتفاقية تشرعن وجود الاحتلال لثلاث سنوات مقبلة على الأقل، كان مسؤولون أميركيون يكشفون لوكالة «فرانس برس» أمس عن أن أجزاء رئيسية من الاتفاقية «قد تضيع في الترجمة الإنكليزية» أو قد يصار إلى تفسيرها تفسيراً مختلفاً عما هو موجود في النسخة العربية، طبعاً لمصلحة الطرف الأميركي. وأشار المسؤولون أنفسهم إلى أن هذه الأجزاء هي تلك المتعلقة بالحصانة الممنوحة للجنود الأميركيين الذين يرتكبون جرائم خارج قواعدهم وخارج «الخدمة»، وكذلك البند الذي يشترط حصول القوات الأميركية على إذن مسبق من حكومة بغداد قبل قيامها بأي عمليات عسكرية، وأخيراً حظر شن أي هجمات أميركية على دول أخرى انطلاقاً من العراق.
وأكّد المسؤولون الأميركيون أن إدارة الرئيس بوش حجبت النسخة الإنكليزية من الاتفاق «تجنباً لإثارة خلاف مع العراقيين، لذلك لن تفرج عنها إلا بعد إقرارها في البرلمان». وأوضح أحد المسؤولين أن «هناك العديد من النقاط والمصطلحات التي تحمل فهماً مختلفاً بين العربية والإنكليزية حول معناها». وعلى حدّ تعبيره، فإنه في حال إقرار الاتفاقية، «سيكون بإمكان الولايات المتحدة الالتفاف بسهولة على أجزاء حساسة من الاتفاقية». فبالنسبة إلى البند الذي يحظر على الولايات المتحدة شن أي عمليات عسكرية على أي من دول الجوار، انطلاقاً من الأراضي العراقية، يمكن أن تستند الإدارة الأميركية إلى بند في الاتفاقية يسمح للأطراف «بالاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس»، مثل «مطاردة جماعات تشن هجمات على أهداف أميركية من سوريا أو إيران».


حكومة أربيل تستقل عن بغداد نفطيّاًيُذكّر أن وزير النفط العراق حسين الشهرستاني توجّه إلى أربيل قبل يومين لمناقشة هذا الملف.
(أ ب)