25 دقيقة كانت كافية لـ144 نائباً عراقياً لإمرار نصّ اتفاقية «سوفا» واتفاق «الإطار الاستراتيجي»، في مقابل إقرار قانون «وثيقة الإصلاحات السياسية» التي تختصر مطالب كتل العرب السنة والأكراد غير المتصلة بـ«الاتفاقية» من قريب ولا من بعيد
بغداد ــ الأخبار
مرّت جلسة البرلمان العراقي أمس، بسرعة قياسيّة، هرباً من ضجيج نواب الكتلة الصدرية الذين أبوا إلا أن يسجّلوا، هم و5 نواب معهم، أنهم ضدّ «اتفاقية بيع العراق للمحتلّ». لكن خاب أمل من توقّع أن يعلن الصدريون انطلاق المقاومة المسلّحة ضدّ الاحتلال كما كان قد لوّح السيد مقتدى الصدر، أو على الأقل انسحاباً صدرياً جماعياً من البرلمان.
على أي حال، من المؤكّد أن اتفاقية «سوفا» ستشرّع الاحتلال الأميركي للعراق، وكل ما سينتج منه من أمر واقع، لسبعة أشهر، بما أن الكلمة النهائية لبقاء هذا الاحتلال، أو رحيله الفوري، ستبقى منوطة بالشعب العراقي وحده، الذي سيكون بطل الاستفتاء الذي سيُنَظَّم في 30 تموز المقبل لقول كلمته النهائية بعدما سلمت الغالبية من نوابه، ومن جميع الطوائف والقوميات، بالأيادي المرفوعة، بتشريع الوجود الأجنبي.
لا شكّ أنّ جلسة يوم أمس كانت «تاريخية» كما وصفها نائب رئيس البرلمان خالد العطيّة، لأنها أكّدت أن في العراق المحتلّ، لا يزال هناك نواب يرفضون الأمر الواقع إذا كان مصدره الاحتلال. فعلى وقع لافتاتهم التي كُتب عليها «كلا كلا اتفاقية»، و«كلا كلا للباطل» و«نعم نعم للعراق»، تُرك الصدريون إلى مصيرهم ولم يسعفهم سوى 5 نواب آخرين في رفض «الاتفاقية» و«اتفاق الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون طويل الأمد بين الولايات المتحدة والعراق» الملحق بها.
أما من ناحية الحضور، فلا أرقام رسمية تؤكّد العدد. ففيما أعلن رئيس البرلمان محمود المشهداني أن الحاضرين هم 198 من أصل 275، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» بأنهم كانوا 220. أما الموقع الإلكتروني الرسمي للبرلمان، فذكر أن المصوّتين للاتفاقية هم 198!
بكلام آخر، إنّ العدد الذي لم يشارك في جلسة التصويت، انقسم بين من فضّل التوجّه إلى الحج في السعودية لأداء شعائره الدينية في عيد الأضحى، ومن فضل «عدم الإحراج» في التصويت فالتزم منزله أو مكان إقامته خارج الأراضي العراقية. وبما أن التصويت جرى بطريقة سريعة أو «متسرّعة»، وكذلك مهمة عدّ الأصوات، فإن أسماء من سيبقى التاريخ يذكرهم على أنهم صوّتوا لمصلحة «الاتفاقية»، تبقى خارج النشر إلا من عُرفَت وجوههم على شاشات التلفزة التي بثّت الجلسة القصيرة مباشرة على الهواء.
وكان يوم أمس، قد بدأ باكراً، تخلله خوف لدى كثيرين، من أن تتأجل الجلسة البرلمانية كما حصل مع سابقتها قبلها بيوم. وتوافد النواب باكراً إلى المنطقة الخضراء تحت حماية أمنية مشددة لم تصل إلى حظر التجوال في بغداد، حيث كان يجب أن تعقد الجلسة في العاشرة صباحاً. لكن اجتماعات الكتل التي كانت تتفاوض على شروط إمرار الاتفاقية، أدّت إلى تأجيل الموعد إلى الثالثة من بعد الظهر. وكانت هيئة الرئاسة العراقية قد أصدرت بياناً تعلن فيه تأجيل الجلسة «إلى أمد غير محدّد» قبل أن يعاد تحديد الموعد النهائي بعد دقائق.
وسهّلت تنازلات كتلة «جبهة التوافق العراقية»، عقد الجلسة في اللحظات الأخيرة بعد مفاوضات شاقّة كان هدفها توفير أصوات نواب العرب السنة والأكراد لمصلحة «الاتفاقية» خوفاً من «فيتو» قد يلجأ إليه نائب الرئيس طارق الهاشمي عندما يصل القانون الخاص بها إلى هيئة الرئاسة.
وأبرز ما تنازل فيه العرب السنة في «الوثيقة»، هو سحب بند إلغاء قانون «المساءلة والعدالة» وشرط إلغاء المحاكمة العليا التي تحاكم رموز نظام صدّام حسين، في مقابل تمكّنهم من إدراج شروط إعادة النظر بالدستور وتوسيع هامش العفو عن المعتقلين ووقف الملاحقات بحق العرب السنة.
وقبل عرض الاتفاقية على التصويت، تُليَت بنود «الوثيقة» السياسية التي تلبّي مطالب الأكراد والعرب السنة تعبيراً عن تسوية شاركت فيها جميع الأطراف إلا الصدريين. ونالت «الوثيقة» أصوات 149 نائباً، وأُفسح المجال أمام التصويت على قانون الاتفاقية الذي يبدأ بفرض موعد إلزامي لإجراء استفتاء شعبي على «سوفا» وملحقها في موعد أقصاه 30 تموز 2009، على أن تتولى المفوضية العليا للانتخابات مسؤولية تنظيمه.
وكما مرت دقائق الجلسة سريعة، استعجل المشهداني إعلان رفعها إلى يوم الثلاثاء 16/12/2008، ليتسنّى للصدريين، في مؤتمر صحافي، إعلان عدم اعترافهم بشرعية الاتفاقية و«وثيقة الإصلاحات»، على الرغم من مناشدات المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ لهم بالاعتراف بـ«ما قرره ممثلو الأمة والشعب».
وبعد الجلسة، أجمعت مواقف ممثلي الكتل السياسية على «تهنئة العراق» على «الإنجاز» الذي تحقق، غير أن الصدريين فضّلوا توجيه تعازيهم للشعب العراقي «على الذلّ الذي لاقوه» على حدّ تعبير مساعد السيد مقتدى الصدر في النجف، الشيخ حازم الأعرجي.