Strong>لعلّ «وثيقة الإصلاح السياسي» التي أُقرَّت بقانون على هامش الاتفاقية الأميركية ــ العراقية، أمس، هي أبرز ما يشير إلى «البازار» السياسي الذي طبع ملف الاتفاقية منذ بدء التفاوض بشأنها حتى جلسة الأمس التاريخية«وثيقة الإصلاح السياسي»، بجميع المعايير الدستورية والسوابق التاريخية، غريبة عن الأنظمة الديموقراطية. إذ إنها عبارة عن مجموعة تعهّدات مرفقة بعبارة مقدسة هي «بحسب ما ينصّ عليه الدستور»، في وقت تنص فيه المادة 142 من هذا الدستور على إعادة النظر به وتعديله.
وتعبّر «الوثيقة» عن جملة من شروط لكتلتي «جبهة التوافق» و«التحالف الكردستاني» اللتين أرادتا إقرارها للقبول بإمرار الاتفاقية، على شاكلة مساومة تناسى القيّمون عليها أنها تتعلق بمصير العراق وسيادته وتاريخه ومستقبله.
وفي موقف انفردت به أيضاً عن غيرها من الكتل التي سلّمت براحات نوابها المرفوعة مصير العراق إلى الاحتلال، انسحبت الكتلة الصدرية عند بدء قراءة «وثيقة الإصلاح» واصفةً إيّاها بـ«عملية متاجرة» لا تتصل بالاتفاقية، بل بمزايدات هادفة لتحصيل مكاسب سياسية ضيّقة.
«التسوية» توافرت فيها جميع شروط «المتاجرة» كما سمّاها نوّاب الكتلة الصدرية. العرض والطلب بدأ قبل أيام؛ «التوافق» (العرب السنة المشتكون من هيمنة الشيعة والأكراد على السلطة منذ 2003) رفعت سقف مطالبها، ما أدّى إلى تأجيل الجلسة إلى الأمس. أرادت أولاً توسيع العمل بقانون «العفو» عن المعتقلين وتعديل قانون «المساءلة والعدالة» (تعديل اجتثتاث البعث)، ووصلت إلى طلب إلغاء قانون «المساءلة» والمحكمة الجنائية العليا التي تشكلت لمحاكمة رموز نظام صدام حسين.
عقدة كادت تطيح التسوية، أو هكذا بدا لضرورات الديكور الديموقراطي. اجتماعات ومفاوضات وتنازلات متبادلة أدّت في النهاية إلى الاتفاق على وضع الوثيقة بقانون واحد صُوّت عليه ونال 149 صوتاً من أصل 198 حاضراً (من 275 نائباً يؤلفون عدد أعضاء البرلمان العراقي). نص تنازلت فيه «التوافق» على مطلب إلغاء «المساءلة» و«المحكمة» في مقابل إدراجه في جلسة الاتفاقية بعدما أراد الوفد المفاوض عن «الائتلاف الموحّد» إرجاءها إلى جلسة لاحقة.
وترى «التوافق» أن قضية المعتقلين أساسية لها، لكسب الأصوات في أي انتخابات تنظَّم، باعتبار أن معظم المعتقلين هم من العرب السنّة. ورغم أنها «كسبت» معركة هذه الفقرة، إلا أنها تنازلت في قانونين مهمين، هما قانون الموازنة وتوزيع الثروات النفطية، وتعديل قانون المحافظات.
وتتضمن الوثيقة مجموعة مبادئ عامة، كتفعيل قانون العفو العام، والعمل على إعادة المهجرين إلى العراق، وضرورة إعادة مناقشة الدستور لتعديله، وإيقاف الملاحقة بحق التيارات السياسية واحترام استقلالية القضاء، وضمان نزاهة الانتخابات، ودمج عناصر مجالس «الصحوات» في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية وعدم محاكمة سوى المجرمين منهم، وإعادة بناء القوات المسلحة على أسس مهنية غير سياسية.
وبحسب المراقبين السياسيين، فإن هذه المطالب التي تضمنتها «وثيقة الإصلاح» ليست جديدة، وهي موجودة في الدستور، وفي قوانين سبق أن أقرها البرلمان.
إلا أن الضمانات حول تنفيذها غير موجودة في نص الوثيقة، وحكومة نوري المالكي لم تفعل شيئاً لتفعيلها. كذلك، فإن الوثيقة الجديدة لا تعني أكثر من وعود، تتطلب الكثير من الجهد والإرادة «غير المتوافرة»، لوضعها موضع التنفيذ، وخاصة أن التعديلات الدستورية متعثرة منذ ثلاث سنوات.
ورأى القيادي في الحزب الإسلامي، عبد الكريم السامرائي، أن إضافة موضوع الاستفتاء الشعبي في وثيقة الإصلاح السياسي هي «نجاح كبير، لأن كلمة الشعب ستكون فاصلة بالموافقة على الاتفاقية».
أمّا الكلام على «ضمانات من الحكومة بعدم استخدام الصلاحيات الواسعة التي ستحصل عليها، بموجب الاتفاقية، ضدّ القوى والأحزاب السياسية، أو الانفراد بالسلطة»، فهي بنود أدخلها التحالف الكردستاني بحسب ما كشفه القيادي في حزب «الدعوة» حيدر العبادي، «لانتزاع البعض من صلاحيات الحكومة المركزية».
أما وقد أُقرَّت وثيقة الإصلاح والاتفاقية وقانون الاستفتاء على «سوفا» في موعد أقصاه 30 تموز المقبل، فيمكن قراءة شيء من ملامح المرحلة المقبلة في ضوء بصم الكتل كافة ما خلا الصدريين و5 نواب آخرين على الاتفاقية ووثيقة الإصلاحات.
وقيمة الاستفتاء المنتظر، أنه أُدخل في قانون الاتفاقية نفسه، أي إن بنود «سوفا» لن تُطبَّق بمعزل عن الإرادة الشعبية إلا لسبعة أشهر، بما أن موعد البدء بتطبيقها هو مطلع العام المقبل.
ويجمع المراقبون على أن الاستفتاء سيظهر كم أن العراقيين ملتصقون بساستهم الذين انتخبوهم في الانتخابات التشريعية لعام 2006 التي انبثق منها البرلمان الحالي. انتخابات شابتها مقاطعة عربية سنية واسعة (وصلت المشاركة في محافظة الأنبار إلى 1 في المئة) وتزوير وسط حالة أمنية لم تكن تسمح لا بانتخابات ولا بتصويت نزيه تحت نير الاحتلال الذي أراد واجهة سياسية متعاونة معه تظهر للمجتمع الدولي أنها منتخبة ديموقراطياً.
وإذا استمرّ الوضع الأمني بالتحسّن النسبي، فقد تتوافر الفرصة للناخب العراقي بالتعبير عن رأيه في معطيين: بنود الاتفاقية نفسها المنشورة منذ أسابيع باللغة العربية، التي سيكون قد مر على تطبيقها نحو 7 أشهر. والأهم، سيدلي برأيه بممثليه الذين صوتوا لها «من دون خجل»، على حدّ تعبير عدد من مسؤولي الكتل الموافقة عليها، ليس نائبا الحزب الشيوعي حميد مجيد موسى ومفيد الجزائري سوى عينة عنهم.
وهناك استحقاق انتخابي سيسبق موعد الاستفتاء. فالانتخابات المحلية ستنظَّم في 31 كانون الثاني المقبل وستكون فرصة لرسم خريطة سياسية جديدة في بلاد الرافدين. ولا شك في أن تصويت الأمس، سيكون أحد العوامل التي ستؤثّر جدياً في قرار الناخب العراقي.
(الأخبار)