بغداد ــ زيد الزبيديتابع الشارع العراقي باهتمام متفاوت وقائع التصويت على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، والمناقشات في مجلس النواب، التي بدت مناورات مفتعلة لإيجاد المبررات أمام الشعب لموضوع يتعلق أساساً بالسيادة والكرامة الوطنية. وبدا المواطنون، قبيل التصويت، على اقتناع تامّ بأن هذه الاتفاقية ستمر في البرلمان، الذي ينتمي معظم أعضائه إلى كتل وجماعات سياسية رضيت بالاحتلال وتعاملت معه.
ويقول الموظف في وزارة التعليم العالي، سنان طه سلمان، إن «هؤلاء الذين يتناقشون (النواب)، وأحياناً يصرخون، بشأن قضايا تبدو صغيرة في الاتفاقية، إنما يحاولون التغطية على أمر كبير جداً، هو قبولهم بالاحتلال، ومساعدتهم إياه في استباحة العراق، أرضاً وشعباً».
ويتساءل سلمان: «على أي أساس تقوم هذه الاتفاقية؟ ولماذا لم تتضمن إشارة واحدة إلى الغزو والاحتلال؟ هذه النقطة فقط هي وصمة عار، لأنها تعطي مشروعية لكل ما ارتكبته القوات الأميركية والمتعاونون معها على أرض العراق».
وعمّا طرحه بعض النواب بأن نص الاتفاقية هو أفضل ما حُصل عليه، أو «أفضل السيئات»، تقول الباحثة الاجتماعية، خديجة خليل: «لا يرضى بالسيئ إلا السيئ»، إن هؤلاء يحاولون أن يقولوا للناس إن الذي يسرق بيتين أو ثلاثة بيوت أشرف من الذي يسرق عشرة بيوت، وحتى هنا، فالمقارنة غير ممكنة، لأن الاحتلال سرق وطناً وشعباً، وقتل واعتقل وشرد الملايين، ودمّر بلداً كاملاً، وها هم يعقدون اتفاقية صداقة معه، وهي صداقة موجودة أصلاً بينهم، ويكرسون الاحتلال، ويعطونه الشرعية الخادعة».
ويقارن العميد في الجيش العراقي السابق، نافع عبد الكريم، بين الاتفاقية الأميركية مع العراق، وسواها من الاتفاقيات التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دول أخرى قائلاً: «هؤلاء البرلمانيون الذين يقولون إن هذه الاتفاقية أفضل من تلك التي عقدت مع ألمانيا أو اليابان، إنما يغالطون أنفسهم، ويزوّرون التاريخ، لأن ألمانيا واليابان كانتا في حرب متبادلة مع الولايات المتحدة والمتحالفين معها، بينما العراق تعرض لغزو من جانب واحد، وخارج إطار الشرعية الدولية، لذلك يجب أن تكون الاتفاقية مبنية على اعتراف المحتل بأخطائه وخطاياه، وتعويض العراق والعراقيين عن كل الأضرار التي نجمت عن الغزو والاحتلال، وكذلك عن الحصار الاقتصادي الذي دام زهاء ثلاث عشرة سنة».
ويضيف عبد الكريم: «إن من المخزي ادعاء الحكومة العراقية أنها صاحبة فكرة الاتفاقية، لكي تقوم الولايات المتحدة بحمايتها، وضمان بقائها في الحكم أداةً للمحتل، لأنها تعرف جيداً ما مصيرها لو رحلت قوات الاحتلال».
أما سائق سيارة الأجرة، طارق سلام، فيقول: «ما بُني على باطل فهو باطل، وإن أساس ما يسمونها العملية السياسية، هو الاحتلال، ولا يوجد احتلال غير باطل، لذا لا نستغرب أن يقر مجلس النواب الذي أنشئ في ظل الاحتلال اتفاقية كهذه». ويؤكد أن «الكثير من عمليات الدهم والاعتقالات التي نفذتها القوات الأميركية في الآونة الأخيرة، تمت بموجب مذكرات قضائية عراقية، توجد لدى تلك القوات كميات كبيرة منها، وما عليها سوى أن تضع أي اسم فيها، حتى المالكي نفسه إن شاءت، لتدهم منزله وتعتقله، وتقدمه للمحكمة العراقية التي تنشئها، لتحكم عليه بالإعدام».
وفي النتيجة، هناك شبه إجماع على أن الذي يدير دفة السياسة في العراق، هو الاحتلال. وما الضجيج الذي حدث حول الاتفاقية بين «النخب السياسية»، إلا للتمويه، وإشعار من لا يفهم الأمور جيداً بأن هناك ديموقراطية ورأياً آخر، وأن «الشعب» قبل بالأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال والمستفيدون منه.