Strong>استراتيجية قتالية أنتجتها دوائر التخطيط في جيش الاحتلالقدّم قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، أمس، عرضاً لافتاً لعضلات قواته، كشف خلاله عن مبادئ الخطط العسكرية التي سيجري اعتمادها في أي مواجهة مقبلة على الجبهة اللبنانية. تتلخّص هذه المبادئ بعبارة واحدة هي «نموذج الضاحية». دلالة العبارة هو استنساخ التدمير الوحشي الذي مارسته آلة الحرب الإسرائيلية إبّان عدوان تموز بحق الضاحية وتعميمه على بقية المناطق اللبنانية، وخصوصاً قرى وبلدات الجنوب التي تحوّلت، «إلى مواقع عسكرية كاملة التجهيز تابعة للمقاومة». أمّا المنطق الذي يرتكز عليه هذا النهج فهو إدراك إسرائيل أن التلويح بالقتل الجماعي للمدنيين هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يكون فاعلاً في ردع حزب الله

محمد بدير
إنه «نموذج الضاحية»، كما يطيب لقائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي آيزنكوت، تسميته، موضحاً ما يعنيه بالقول «ما حصل للضاحية الجنوبية في بيروت في 2006 سيحصل لكل قرية تُطلق منها النار نحو إسرائيل. سنستخدم القوة ضدها بصورة غير تناسبية ونلحق بها دماراً هائلاً، هذه بالنسبة إلينا ليست قرى مدنية بل قواعد عسكرية». «نموذج الضاحية» هو، وفقاً لذلك، عنوان الاستراتيجة القتالية التي أنتجتها دوائر التخطيط في الجيش الإسرائيلي في ضوء هزيمة تموز 2006 والعبر التي استُخلصت في أعقابها.
ولمزيد من الإيضاح، حرص آيزنكوت، في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» نُشرت أمس، على التشديد على أن الحديث ليس عن توصية قدمها الجيش إلى المستوى السياسي، بل عن «خطة جرت الموافقة عليها»، مضيفاً «لن نعمل بعد الآن على اصطياد منصات إطلاق الصواريخ، فهذه خطوة عبثية. حينما يكون في الجانب الآخر آلاف الصواريخ والقذائف لا يمكنك أن تصطادها. يمكن الانبهار بعملية هنا أو أخرى هناك ولكن الجبهة الداخلية ستبقى تتعرّض للقصف».
ورداً على سؤال عمّا إن كان هذا النهج يعني إلغاء نظرية المراحل والعمل على الحسم السريع من خلال استخدام كامل القوة من اللحظة الأولى، أجاب آيزنكوت «أجل. هذا هو الرد. نقولها بالعبرية: إن أطلقوا علينا النار من القرى الشيعية في لبنان فالخطة التي سنتّبعها هي إطلاق نار كثيف جداً»، مذكّراً بأن إسرائيل دمّرت في «حرب لبنان الثانية» 120 ألف منزل في لبنان، لافتاً إلى «أننا لن نفرق كما في الحرب السابقة بين أهداف لحزب الله وأخرى للحكومة».
ولدى اعتراض مراسلي الصحيفة على جدوى هذا النهج عبر الإشارة إلى أن الصواريخ بقيت خلال عدوان تموز تتساقط على إسرائيل رغم ذلك، قال آيزنكوت بلهجة تحذيرية «إن حزب الله يدرك جيّداً أن إطلاق النار من داخل القرى سيؤدي إلى تدميرها. قبل أن يصدر (الأمين العام لحزب الله، السيد حسن) نصر الله أوامره بإطلاق النار على إسرائيل سيكون عليه أن يفكر 30 مرة في ما إذا كان يرغب في تدمير قاعدته الشعبية داخل القرى. هذا ليس أمراً نظرياً بالنسبة إليه. إن إمكان إلحاق الأذى بالسكان هو الكابح الأساسي لدى نصر الله وسبب الهدوء في العامين الأخيرين».
ورأى الجنرال، المرشح لقيادة أركان الجيش بعد انتهاء ولاية غابي أشكنازي، أن «هناك فشلين رئيسيّين في حرب لبنان الثانية: الأول أننا لم نقصّر الحرب. والثاني أننا سمحنا خلال 33 يوماً بأن نتعرض للقصف الصاروخي، القصف الأكثر كثافة منذ حرب الاستقلال». وأضاف «الاستنتاج هو: حينما تندلع الحرب المقبلة يجب حسمها بسرعة وبقوة، من دون إيلاء أهمية للرأي العام العالمي. لدينا القدرة على تنفيذ ذلك، لدي قوة هائلة مقارنةً بما كان، وليس لدي أي مبرر لعدم تحقيق الأهداف التي تلقى على عاتقي».
ولدى سؤاله عن الجديد الذي تمتلكه إسرائيل مقارنةً بما كان لديها قبل عدوان تموز، أجاب آيزنكوت «لدينا اليوم صورة استخبارية أفضل من عام 2006. فقد قمنا بنقل جزء كبير من الموارد الاستخبارية للساحة اللبنانية. نحن نجمع معلومات بشكل أكثر أهمية والتغطية أكثر جدية، تلك إحدى العبر التي تعلّمناها بالطريقة الصعبة».
ورغم تأكيده «تغيّر الواقع» بعد عدوان تموز لجهة انتشار الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية وتعزيز قوات اليونيفيل، الذين «يعمل بعضهم بمستوى مرتفع والبعض الآخر لا»، أقر آيزنكوت بأن حزب الله «حسّن بدرجة كبيرة قدراته الصاروخية منذ انتهاء الحرب». وأضاف إن حزب الله «تسلّم منظومات صاروخية لم تكن لديه في السابق ونحن نعرف أن حزب الله سينفّذ قصفاً بحجم أوسع مما شهدناه في الحرب الأخيرة. ويمكنك اليوم رؤية الجدران التي تختبئ خلفها الصواريخ (في القرى اللبنانية)، وهي معدّة للإطلاق. وفي الوقت المناسب سيجري إسقاط الجدران وتطلق الصواريخ»، لكنه استدرك أن «لدينا سلاحاً يفوقه مئة ضعف». وتابع «إننا في الجيش نعرف كيف نردع الطرف الآخر عن الفعل، لكننا نجد صعوبة في ردعه عن زيادة قوته».
وكشف آيزنكوت أن الجيش يبحث دائماً مسألة التوصية بتنفيذ هجوم وقائي ضد حزب الله، رافضاً الإجابة عن سؤال عمّا إذا كانت إسرائيل لا تزال ترغب في اغتيال نصر الله، مكتفياً بالقول إن حدس الأخير «سليم» في هذا الإطار.
من جهة أخرى، رفض آيزنكوت اتهام إسرائيل بانتهاك القرار الدولي 1701 من خلال الخروق الجوية للسيادة اللبنانية، معتبراً أن الطلعات الجوية ضرورية لأن «حزب الله يعزز قدراته ضدنا وهذا ينتهك الاتفاق الموقع من جانب الحكومة اللبنانية لإنهاء الحرب». وأضاف «لذلك هناك شرعية في الاستمرار في الطلعات الجوية فوق جنوب لبنان وفوق لبنان عموماً». وعن الرد المتوقع لحزب الله انتقاماً لاغتيال قائده العسكري الشهيد عماد مغنية، قال آيزنكوت «ليس لدينا في الوقت الراهن إنذار محدّد، قاعدة الافتراض لدي، ومن دون علاقة بما يقولونه (قادة الحزب)، هو مواجهة سلسلة تهديدات معيّنة. أهمها التخطيط لعملية التسلل إلى بلدة إسرائيلية والتعرض للمدنيين فيها». ورداً على سؤال عن البديل عن مغنية في قيادة الحزب، أجاب «بحسب معرفتي بحزب الله، لا يوجد أحد يمكنه أن يكون بديلاً، كانت تلك ضربة هائلة، برأيي هم يوجدون منذ ذلك الوقت في مكان آخر تماماً».
وبرغم لهجته الواثقة، رفض آيزنكوت الجزم بأن الأمور ستكون «مغايرة في المرة المقبلة»، معلّلاً ذلك بالقول «كلنا تحوّلنا إلى شكّاكين بعض الشيء. ربما من الأفضل استخدام عبارات أقل درجة مما نعتقده».


ضربات «بأضعاف مضاعفة» ضدّ سورياورأى آيزنكوت أن من يقف قبالة إسرائيل على الحدود الشمالية هو محور سوريا وإيران وحزب الله، الذي يسمح بإدخال الأسلحة من دون أي كوابح.
ودعا السوريين إلى عدم النوم بهدوء إذا بدأ حزب الله إطلاق صواريخه على إسرائيل، قائلاً إن عليهم أن يشعروا بالقلق عندما «يلقون بالحجارة على إسرائيل من بيتهم الزجاجي».
ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي يراقب «كيف يقوم الجيش السوري بتبنّي نمط حزب الله ووسائله القتالية في الحرب الأخيرة. ولذلك هم يزيدون من أسلحتهم المضادة للدبابات والطائرات ومن منظومتهم الصاروخية عموماً».