أعلن أمس انضمام لبنان مجدّداً إلى برنامج صندوق النقد الدولي لما بعد الكوارث والحروب، وهو بمثابة نسخة ثانية معدّلة للبرنامج الذي نفّذه لبنان بعد باريس ــ 3، وانتهت مفاعيله في نهاية 2007
محمد وهبة
لم يفصح وزير المال محمد شطح عن تفاصيل برنامج «ايبكا ــ2» الجديد مع صندوق النقد الدولي، لكنه قال إن لبنان سيحصل على قرض جديد بقيمة 39 مليون دولار لمساعدته على تنفيذ سلسلة من الإجراءات الرامية إلى ضبط العجز والإنفاق العام وتحرير قطاع الاتصالات وخصخصته وإصلاح قطاع الطاقة وخفض التحويلات إليه... والأهم، بحسب ما صرّح به الوزير شطح، هو الهدف الضمني لهذا البرنامج الذي سيسهّل على الحكومة سعيها لصرف حوالى 300 مليون دولار من التعهّدات العالقة بموجب باريس ــ 3، والمشروطة بتنفيذ هذه الإجراءات، وقال شطح لـ«الأخبار» إن جزءاً من تعهدات دول أميركية وأوروبية والبنك الدولي ينتظر صرفه التزام الحكومة بتنفيذ شروط وضعتها هذه الدول والمؤسسات المانحة، وبالتالي فإن برنامج «ايبكا ــ 2» مخصّص لإقناع من يجب إقناعه بأن الإصلاح الحقيقي مستمر وسوف يحصل.
وكان لبنان قد انضم إلى هذا البرنامج بعد باريس ــ 3 لمدة سنة، انتهت في نهاية عام 2007، وقد تضمّن جملة واسعة من الشروط والإجراءات الضريبية كخفض استدانة الدولة من مصرف لبنان، وزيادة مستوى الاحتياطات بالعملات الأجنبية، وتحديد سقوف للإنفاق والعجز، وزيادة الإيرادات، وتنفيذ عمليات الخصخصة وتحرير بعض القطاعات ورفع الضريبة على القيمة المضافة وضريبة الفوائد وزيادة رسوم البنزين... وحصلت الحكومة في حينه على قرض مكلف بقيمة 77 مليون دولار، بالاستناد إلى حقوقها كمساهم في الصندوق، وكانت قد التزمت بالانضمام إلى برنامج تقليدي في نهاية الفترة يمتد على 3 سنوات ويسمح بتدخّلات أوسع للصندوق في الشؤون السيادية المالية والنقدية، إلا أن الظروف التي مرّت بها البلاد، والعجز السياسي عن تقديم التزامات مثيرة للجدل، فضلاً عن عوامل أخرى تتصل بالصراع السياسي عشية الانتخابات... ساهمت في اللجوء إلى النسخة الثانية من البرنامج السابق، بانتظار الظروف المؤاتية للخطوة الكبيرة المقبلة التي ستضع لبنان نهائياً تحت وصاية صندوق النقد.
وجاء الإعلان عن البرنامج الجديد بعد جولة مفاوضات أجرتها بعثة من الصندوق في بيروت أخيراً، واكتفى شطح بالإشارة إلى أن الإطار العام لهذا البرنامج مماثل للبرنامج القديم في عام 2007، مشيراً إلى أن توقيع مثل هذا البرنامج للمرة الثانية هو أمر غير معتاد من الصندوق.
وأشار مسؤول البعثة دومينيكو فانيزا إلى وجود أربعة أهداف للبرنامج الجديد من دون أن يوضح التفاصيل المتصلة بها أو الإجراءات التي يشترطها صندوق النقد الدولي على الدولة اللبنانية. وبحسب فانيزا فإن الهدف الأول للقرض يتمثل في دعم السياسات الاقتصادية والمالية المعلنة للحكومة بحيث تتلاءم الأهداف المالية والاقتصادية في موازنة عام 2009 مع أهداف البرنامج وأولويات الإصلاح المطلوب من الحكومة وإطلاق بعض المبادرات المرتبطة بمؤتمر باريس ــ3.
أما الهدف الثاني، فيتعلق بتوحيد الضرائب وتحقيق تقدم في هذا المجال، فيما الهدف الثالث يتمحور حول تقوية الاحتياط النقدي بالعملة الأجنبية، أما الرابع فيتصل «بإصلاح قطاع الطاقة لأنه أمر أساسي بالنسبة للمالية العامة ولتخفيف خسائر مؤسسة كهرباء لبنان الضاغطة، إذ يجب إيجاد حلول ترفع العبء عن المواطن الذي يتحمّل كلفة مرتفعة من جرّاء فاتورة المولّدات الخاصة، وتخفيف كلفة دعم الكهرباء. كذلك يجب تحرير قطاع الاتّصالات وخصخصته، وهذا أمر مهم لأنه يترك أثراً سريعاً على الدّين العام ويسهم في تحقيق نموّ اقتصادي ويرفع قيمة العائدات الضريبية».
ويرى فانيزا أن نسبة الدّين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ستنخفض بشكل مستقل عن تنفيذ أو عدم تنفيذ خصخصة قطاع الاتصالات، مشيراً إلى أن عدم التنفيذ أمر مؤسف، «لكننا نتفهم ضرورة حصول توافق سياسي على الخصخصة إذا تعرقلت بسبب السياسة». وتوقع أن يحقق الاقتصاد اللبناني نمواً بنسبة 6 في المئة في عام 2008 وأن تنخفض هذه النسبة إلى 5 في المئة في عام 2009.
ويوضح شطح أن تحقيق النموّ الاقتصادي الحقيقي يسهم في انخفاض قليل أو استقرار نسبة الدّين العام إلى الناتج المحلي القائم، «لكن طموحنا أن تنخفض نسبة الدين بالنسبة للاقتصاد بطريقة مطّردة»، لافتاً إلى أن إجراءات «ايبكا ــ2» ستسهم في تحقيق هذا الأمر للتخفيف من الضغوط المادية على المالية العامة، إذ يشكل دعم المحروقات (حالياً يجري دعم المحروقات للكهرباء فقط) عبئاً على الخزينة وعلى الدين العام، ولذلك يجب تصحيح عملية الجباية في مؤسسة كهرباء لبنان وعقلنة الفوترة.
ووجه شطح رسالة إلى «من يلزم» تفيد بأن برنامج «ايبكا ــ2» يمثل استمرارية عملية الإصلاح الحقيقي المستمر، ولا سيما أن هناك دولاً مانحة عربية وأجنبية تربط الإفراج عن مبالغ المساعدة المقررة للبنان في مؤتمر باريس ــ3 بوجود اتفاق تعاون مع صندوق النقد الدولي، كذلك فإن الفترة المنصرمة أظهرت وجود شكوك حول قدرة الدولة على القيام بإصلاحات ضرورية في الاقتصاد.
وترى بعثة صندوق النقد الدولي أن وضع لبنان لا يزال هشّاً لأن السبب الرئيسي مرتبط بارتفاع نسبة المديونية العامة المرتفعة وحاجات التمويل بالعملة الأجنبية الضخمة.