حيفا ــ فراس خطيب54 عاماً مرّت على فضيحة «العمل المشين» التي أدَّت إلى نهاية الحياة السياسية لعدد من كبار المسؤولين في الدولة العبرية. ورغم طول الفترة، لا يزال الإسرائيليون مشغولين حتى اليوم بتفاصيل تلك الفضيحة التي سعت من خلالها خلية يهودية صهيونية لضرب أهداف مدنية في القاهرة والاسكندرية، للحيلولة دون الانسحاب البريطاني من مصر.
وكشفت صحيفة «معاريف»، أمس، أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في حينه بنيامين جيبلي، الذي توفّي قبل شهرين، اتهم قائد هيئة الأركان موشيه دايان في حينه بإصدار الأوامر لتنفيذ العملية المذكورة التي شوّهت سمعة الدولة العبرية في العالم وأدّت إلى صراع سياسي داخلي كبير.
وقالت «معاريف»، إنّ جيبلي كان ينوي الكشف عن تفاصيل القضية قبل ثلاث سنوات، حيث قال للمدير السابق لمكتب الرئيس، شمعون بيريز، بوعز أفلباوم، «أنا غاضب من دايان، لن أغفر له على توريطي بقضية المواعيد (المزوّرة). لقد خانني، وأنا تستّرت عليه».
وقد أدّت قضية «العمل المشين»، إلى استقالة جيبلي من الجيش. إلا أن القضية بقيت قيد البحث بالنسبة له. وقد أبلغ اثنين من كتبة السيرة الذاتية، باتهامه لدايان بضلوعه بـ«إصدار الأوامر»، ومحاولة تشويه الحقائق المتعلقة بالقضية، وتزوير تواريخ في وثائق متعلقة بالفضيحة التي أدت إلى نهاية الحياة السياسية لوزير الدفاع في حينه بنحاس لافون. وامتدت أيضاً بشراراتها إلى نهاية الحياة السياسية لمؤسس الدولة العبرية ديفيد بن غوريون.
وبدأت القصة في تموز 1954، حين أمر حكّام تل أبيب مجموعة من الشبان اليهود الصهاينة، بتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية ضد أهداف مدنية في مصر. وأرادت إسرائيل من ورائها خلق فوضى سياسية، تمنع البريطانيين من الانسحاب من مستعمرتهم العربية.
وسعى أفراد الخلية إلى وضع عبوات ناسفة في أماكن مدنية مثل مكاتب البريد ودور السينما، إلا أنَّ الخطة فشلت واعتقل أفراد الخلية. ويرجح الإسرائيليون أنّ تسليم أفراد الخلية حصل بواسطة العميل الإسرائيلي أفري إلعاد، الذي اتُّهم بعدها بالاتّصال مع السلطات المصرية، وصار اسمه مع مرور الأيام «الرجل الثالث».
وعتّمت السلطات الإسرائيلية على القضية لفترة طويلة جداً، وخصوصاً أن رئيس الحكومة في ذلك الوقت، موشيه شاريت، لم يكن يعلم بالعملية، فيما كان جيبلي على علم بها. بينما ادّعى لافون أنه علم بها فقط بعد قبض أجهزة الأمن المصرية على أفراد الخلية. في المقابل، فقد قال دايان «لم أعلم بتاتاً بالعملية لأنني كنت موجوداً خارج البلاد».
ومنذ ذلك التاريخ، جرى الكثير من المحاولات لتوريط دايان بالقضية، على خلفية أنه يقف خلف إصدار الأوامر، إضافة إلى رواج رواية أنّ دايان فعل هذا من أجل إسقاط حكومة شاريت وإعادة بن غوريون. وهذا ما حدث بالفعل، إذ عاد بن غوريون بعد شاريت، قبل أن يستقيل مجدّداً في مطلع الستينيات في ظلّ تطورات في تحقيقات القضية نفسها.
وفي السياق، أشارت «معاريف» إلى أنّ محاولات ربط دايان بالقضية، «باءت بالفشل في أعقاب صمت جيبلي. وفي مقابل هذا، اقترح دايان على بن غوريون، إقالة جيبلي من الجيش».
في عام 1992، وفي أعقاب كتاب أصدره شبتاي تبيت «كابلن» (اختصار لكلمة قشرة الموز)، الذي اتهم فيه جيبلي بأنه هو من أصدر الأوامر، قرّر جيبلي أن ينشر كتاباً بدوره، طالباً من الكاتب أرييه كريشك تحريره.
وعن شهادته يقول كريشك «لقد قلت لجيبلي إنّك في كتاب كهذا عليك الحديث عن كل شيء». ويلفت إلى أنّ الأخير أعرب له عن استعداده نفسياً لفعل ذلك. غير أنّ الرقابة العسكرية منعت نشر الكتاب.
في عام 2002، توجه جيبلي إلى المدير السابق لمكتب بيريز، بوعز افلباوم، لمساعدته في نشر كتاب جديد عن «العمل المشين»، مبرراً ذلك بأنّ «دايان خانني وأنا تستّرت عليه».