أربيل | لعلّ ملف النفط في بلاد الرافدين هو أحد الملفات التي تتصدر الأولويات العراقية اليوم. ولعلّه، أيضاً، أحد محركات العملية السياسية برمتها. فانطلاقاً من المحافظات الجنوبية، وصولاً إلى حدود إقليم كردستان مع تركيا، يمثّل النفط العراقي أحد عناصر الصراعات في البلاد، دون نسيان الأطماع الخارجية باستغلاله.وضمن هذا الإطار العام، يبرز نفط إقليم كردستان كأحد المفاصل الرئيسية في هذا الملف، على اعتبار أنه تتقاطع ضمنه مسألة توزيع الثروات في البلاد، إضافة إلى مسألة التصدير الخارجي. وتتأتى تعقيدات ملف نفط الإقليم، أيضاً، من واقع عدم وضوح علاقة مؤسسات الدولة العراقية في ما بينها، وتحديداً لناحية العلاقة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم.

وعوّلت الحكومة العراقية الحالية برئاسة حيدر العبادي على اتفاق نفطي «مرحلي» جرى التوصل إليه في تشرين الثاني الماضي، هدف إلى إعادة ترتيب العلاقات مع أربيل، بطريقة لا تزال غير واضحة وتُطرح حولها عدد من الإشكاليات.
وبموجب الاتفاق، ستصدّر «الحقول الكردية» 250 ألف برميل يومياً عبر شركة تسويق النفط «سومو» العراقية، بينما يتم تصدير 300 ألف برميل إضافية من منطقة كركوك العراقية عبر خط أنابيب يمتد عبر أراضي كردستان. وكان وزير النفط العراقي، عادل عبد المهدي، قد أوضح في وقت سابق أن الاتفاق أبرم «في الأساس» كي يتسنى لبغداد وضع موازنة لعام 2015، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن إقليم كردستان يمكنه الاستمرار في تصدير ما يزيد على الحد البالغ 250 ألف برميل يومياً لحسابه. لكن في المقابل، فإنّ الإجراء القانوني الذي اتخذته بغداد ضد السلطات في أربيل بسبب الصادرات النفطية يبقى قائماً.
رغم الاتفاق النفطي إلا أن مشاكل أخرى لا تزال عالقة بين بغداد وأربيل كمشكلة الأراضي المتنازع عليها

وبرغم التوصل إلى الاتفاق، إلا أنّ ذلك لم يعالج الأمور بشكل نهائي، في وقت لا تزال فيه مشاكل أخرى عالقة، مثل مشكلة الأراضي المتنازع عليها. وللإشارة، ففي موضوع الأراضي المتنازع عليها، أمّن تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» خلال الصيف الماضي أرضية خصبة لإعادة خلط الأوراق بين الطرفين، من ديالى شرقاً مروراً بمحافظة كركوك، وصولاً إلى الحدود مع سوريا في نينوى غرباً.
وصوّت مجلس النواب العراقي، الأسبوع الماضي، على موازنة السنة المالية لعام 2015، وكان من تداعيات ذلك إنهاء ما سمي «الحصار الاقتصادي» الذي فرضته الحكومة العراقية السابقة على الإقليم، والذي استمر نحو عام، متسبباً بأزمة مالية في إقليم كردستان برغم مواصلة التصدير عبر ميناء جيهان في تركيا.
وفي حديث إلى «الأخبار»، قال عضو «لجنة النفط والطاقة» في البرلمان العراقي، إبراهيم بحر العلوم، إنه «تمت الموافقة على الموازنة، ومررت، فيما ننتظر (راهناً) مصادقة رئاسة الجمهورية العراقية عليها كمرحلة أولى». وأضاف: «بناء عليه، ننتظر التزام الأطراف بما تم الاتفاق عليه من حيث تصدير الكميات المقررة من النفط في الموازنة».
وعن العوائق التي تواجه تنفيذ الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل، قال بحر العلوم: «يفترض أن تكون هناك لجان فنية لمتابعة الأمور، وخاصة من حيث كميات الإنتاج والتصدير المخصصة في الموازنة، وستبدأ هذه اللجان عملها في القريب العاجل».

نقص في التشريعات

تسبب النقص في تشريع عدد من القوانين خلال الفترة التي أعقبت سقوط النظام السابق عام 2003 بتعزيز خلافات عديدة بين بغداد وأربيل، فيما كان لعدم وجود قانون خاص بالنفط والغاز دور رئيسي في مفاقمتها، لأن هذا القانون ينظم التوزيع العادل للثروات بين كل مناطق العراق، لكنه لم ير النور خلال السنوات الماضية.
وفي حديثه إلى «الأخبار»، قال المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي، سعد الحديثي، إنّ «المشاكل والنقاط الخلافية عديدة بين الطرفين (بغداد وأربيل) ومتراكمة منذ سنوات طويلة»، مرجعاً السبب إلى «نقص في تشريع العديد من القوانين». واستدرك الحديثي حديثه بالقول إنّ «الأجواء، حالياً، مشجعة لتجاوز مرحلة تبادل الاتهامات. الاتفاق النفطي الأخير مع حكومة إقليم كردستان يعتبر بداية طيبة، لكنه لا يمثل حلاً لكل النقاط الخلافية، إذ إنه حل آني وليس جذرياً»، مؤكداً أنّ «هذا الحل يحتاج الى تطوير وإيجاد آلية ثابتة».
وكشف الحديثي، في تصريحه، عن زيارة مرتقبة لوفد رفيع المستوى من الإقليم لبغداد. وقال: «سيزور وفد من حكومة إقليم كردستان، برئاسة رئيس حكومة الإقليم نجيرفان البرزاني، بغداد قريباً، بهدف استكمال بحث النقاط الخلافية وتطوير الاتفاق النفطي الأخير، إضافة إلى التحديات الأمنية التي تواجه الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم». ورأى أن زيارة كهذه قد تشكل «عاملاً مساعداً في تقارب وجهات النظر في البحث عن حلول للأزمات والوصول الى توافقات معينة».
من جهته، قال نائب رئيس «لجنة الطاقة والثروات الطبيعية» في برلمان إقليم كردستان، دلشاد شعبان، لـ»الأخبار»: «حالياً ليس هناك مشاكل بين أربيل وبغداد، والاتفاقية النفطية بين الجانبين أصبحت قانونية (استناداً إلى) الميزانية الاتحادية لعام 2015. الطرفان ملزمان بتطبيقها الآن».
وتابع شعبان حديثه بالقول إنه «كانت هناك مشاكل فنية في حقول كركوك، كاحتراق حقل خباز النفطي وبعض الأنابيب تحتاج إلى صيانة، ويجب تبديل مضخات دفع النفط في الإقليم لأنها لا تستطيع تصدير أكثر من 450 ألف برميل يومياً. حالياً توصل الجانبان إلى اتفاق، حيث تعمل وزارة النفط الاتحادية وحكومة الإقليم على معالجة هذه المشاكل، والخطوات تسير بشكل جيد. أربيل ملزمة بدفع حوالى 200 مليون برميل من النفط إلى بغداد خلال العام الجاري». وأشار إلى أنّ «الفترة المقبلة ستشهد زيارات مكثفة متبادلة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، لمناقشة عدد من المواضيع العالقة كقضية المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها بين الطرفين وكيفية التعامل مع نفط الإقليم والمستحقات المالية بين الجانبين».
بدوره، كان نائب رئيس الوزراء العراقي، روز نوري شاويس، قد قال في لقاء متلفز مساء أول من أمس، إنّ إقرار الموازنة بالصيغة الحالية لا يعني الالتزام بالاتفاقية النفطية الأخيرة بين بغداد وأربيل فحسب، بل حل العديد من المشاكل ومنها مشكلة رواتب قوات «البشمركة»، معتبراً أن الاتفاق بين بغداد وأربيل لا يراوح مكانه، بل يمضي بالاتجاه الصحيح.




«الحرس الوطني»: الخلاف الجديد

تبدو لافتة التبدّلات الطارئة على طبيعة علاقة أربيل ببغداد منذ تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء العراقية نهاية الصيف الماضي. فهو أخذ منحى توافقياً في التعامل مع الإقليم، بخلاف سلفه نائب رئيس الجمهورية الحالي، نوري المالكي، الذي كان متشبثاً بعدد من المبادئ السياسية والقانونية في العلاقة مع أربيل.
برغم ذلك، فإنّ ملفاً جديداً بدأ يتفاعل بين الجانبين، وهو ملف «الحرس الوطني» الذي أقرت الحكومة المركزية مشروعه في جلستها الأخيرة بداية الأسبوع الجاري. ومن الواضح أنّ سبب رفض أربيل لـ»الحرس الوطني» هو لتأكيد سيطرتها ضمن أراضيها، وضمن أراض متنازع عليها.
وفي حديث متلفز، أكد نائب رئيس الوزراء العراقي، روز نوري شاويس، أن «التحالف الكردستاني» يؤيد تشكيل قوات «الحرس الوطني» في كل مناطق العراق، وفق قانون متفق ومصوّت عليه. لكنه استدرك بالقول إنه «لا داعي» لاستحداث هذا التشكيل في إقليم كردستان لكونه يمتلك قوات «البشمركة». وقال: «إننا أيضاً لا نمانع في تشكيل الحرس الوطني في كركوك، لكن أي إجراء يتخذ هناك يجب أن يكون بالاتفاق مع القوى الكردستانية لتفادي المشاكل وتعقيد الأمور، وأيضاً لخصوصية هذه المحافظة».
من جهته، أكد الأمين العام لوزارة «البشمركة» في حكومة إقليم كردستان، جبار ياور، أول من أمس، أن «تشكيل الحرس الوطني لا يشمل إقليم كردستان لأن الإقليم لديه قواته بحسب الدستور العراقي»، وأن «إدارة محافظة كركوك رفضت تشكيله في المحافظة».
(الأخبار)