مئات الإعدامات السريّة في «غرف موت» ترعاها حكومة المالكي!يبدو أنّ أخبار معتقل الرعب في أبو غريب التي ملأت الصحف وشغلت العالم في 2004، لن تبقى يتيمة. لا بل إنّ وحشيّة الاحتلال في تعذيب العراقيين والمعتقلين لديه باتت تنافسها وحشيّة يمارسها عناصر أمن الجمهورية العراقية الحالية «الديموقراطية»
كلام كثير قيل ولا يزال عن تفنُّن في أساليب التعذيب والإعدامات في عراق ما بعد الاحتلال، لكنّها بقيت جميعها غير محسومة. إلا أنّ الصحافي البريطاني الشهير، روبرت فيسك، كشف في تحقيق مطوَّل نشره في الـ«إندبندنت» أمس عن أنّ سياسة الإعدامات السرية باتت أشبه بسياسة رسمية تعتمدها «الحكومة الديموقراطية» التي يرأسها نوري المالكي.
وسيكون صعباً للغاية على المالكي وأعوانه تكذيب معلومات التقرير، إذ إنّ عليهم في هذه الحالة أن يفتحوا أبواب معتقل الكاظمية أمام الإعلام، بعدما فتحته أمام بعض الدبلوماسيين الغربيين العاملين في بغداد، الذين نقلوا بدورهم لفيسك ما رأوه من مشاهد وحشيّة تُرتكَب بحقّ معتقلين لهم جميعهم صفة واحدة: «متمرّدون أمر القضاء العراقي بتنفيذ الأحكام بحقّهم على عجل».
أحداث عمليات الإعدام بالشنق تدور تفاصيلها في أبرز معتقل أيّام حكم الرئيس الراحل صدام حسين في الكاظمية، إحدى ضواحي بغداد. وهو المعتقل الذي أُعدم فيه صدّام بدوره.
هناك، استُبدلَت وحشيّة النظام السابق بوحشيّة لا تقلّ عنها شراسة، مع فارق وحيد، أنّ من يمارسها اليوم «هم من يُفتَرَض أنّهم أدوات سلطة تنفيذيّة ديموقراطية أتت بها الولايات المتحدة».
اللافت أنّ حالات الشنق التي قال فيسك إنها بالمئات تحصل «بعيداً عن عيون الغرب ولا تُسَجَّل في أي وثائق رسميّة» من دون الإشارة إلى ما إذا كان ضحاياها يُسجّلون في خانة المفقودين أو خلاف ذلك.
وفي السياق، لا يجزم فيسك بأنّ هذه الممارسات تحصل بأمر مباشر من المالكي أو أحد وزرائه، غير أنه يكرّر أكثر من مرّة عبارة أنّ «أبطال» عمليات الشنق هم رجال «رئيس الحكومة الديموقراطية نوري المالكي».
وبحسب تعابير الكاتب، فإنّ عناصر الأمن العراقيين هم «أخصّائيّون في التعذيب»، غير أنّ اختصاصهم لا يزال عوده طريّ. وهنا المأساة التي يسهب في روايتها نقلاً عن دبلوماسيين «دُعوا إلى إحدى جلسات الإعدام تلك». وآخر هؤلاء الدبلوماسيين، بريطاني حضر آخر جلسة قبل أسبوع واحد.
ويصف فيسك ساحة الإعدام حيث يُحضَر «المتمرّد» معصوب العينين، ليكون غالباً محلّ تجربة بالشنق التي تفشل أكثر من مرّة. وأحد المحكوم عليهم، يروي فيسك، «دُفع عن الكرسي التي وقف عليها ليُشنَق، غير أن الرجل نجا وسقط أرضاً وكان قادراً على الوقوف على رجليه...»، إلى أن تتكرّر «المحاولة» مرات عديدة من دون أن تنجح. وعندما يضيق صبر رجال الأمن، يأخذونه إلى زاوية الساحة ويطلقون النار على رأسه!
ثمّ يسرد فيسك تفاصيل حكاية محكوم شيشاني، تمكّن من الهرب من معتقل الكاظمية، ما أجبر السلطات العراقية على طلب المساعدة من القوات الأميركية التي عادت واعتقلته، ما نجّاه من الإعدام. ومن ثم يدخل الصحافي البريطاني في قصّة أخرى هي كيف أنّ الاحتلال يعاني منذ 2003 من كون السلطات العراقيّة لا تسلّمه لائحة دقيقة بأسماء معتقليها. وهنا حدّث ولا حرج عن حالات مضحكة مبكية، حيث يُستجوَب أحد المعتقلين بصفته «عالماً نووياً في النظام السابق»، ليتبيّن بعدها لمستجوبيه أنه الشخص الخطأ «إذ إنّه لم يسبق له أن دخل مدرسة في حياته»!
وينتقل فيسك إلى كشفٍ ولو متأخّراً، استناداً إلى مصادره الغربيّة، عن معاني شنق صدّام حسين في معتقل الكاظمية نفسه؛ فالهدف من طريقة شنق صدّام حسين وأخيه غير الشقيق برزان التكريتي ورئيس جهاز القضاء السابق عوض حامد البندر في أواخر عام 2006، لم يكن سوى «إظهار كيف يجب أن تعمل وكيف ستعمل العدالة العراقيّة».
(الأخبار)

وبرّرت الحكومة العراقية في حينه، إعادة العمل بعقوبة الإعدام بالحاجة المؤقتة لها حتّى يستقرّ البلد. لكنّ تقرير منظّمة العفو الدوليّة رأى أخيراً أنّه بعد 4 سنوات على تطبيق هذه العقوبة في العراق «ازدادت نسب العنف، وأنّ تطبيق هذه العقوبة لم يأتِ بأي نتائج إيجابية على هذا الصعيد».
ويُقَدَّر عدد حالات الشنق المعلَنة حتى اليوم بـ33 فقط، وينتظر 200 شخص تنفيذ هذه العقوبة بحقهم.