strong>حزب الله استبعد فرضيّتي تصفيته أو احتجازه لديه أو لدى إيران أو لدى منظمات فلسطينيّة أو لبنانيّةنشرت صحيفة «معاريف»، أمس، خلاصات التقرير الذي سلّمه حزب الله إلى إسرائيل، في إطار عملية التبادل الأخيرة، عن اختفاء رون أراد، تضمنّت تفاصيل ما توصلت إليه تحقيقاته في هذا الشأن

محمد بدير
«في الليلة الواقعة بين الرابع والخامس من شهر أيار 1988، اختفت آثار رون أراد. لقد هرب الملاح الأسير من مكان احتجازه في قرية النبي شيت، بمبادرة منه أو بمساعدة داخلية، وهو لم يُرَ بعد ذلك على قيد الحياة». هذه هي، وفقاً لصحيفة «معاريف»، الخلاصة الرئيسية التي يتوصل إليها التقرير الموجز عن مصير الملاح الإسرائيلي، والذي سلّمه حزب الله إلى إسرائيل في إطار عملية الرضوان الأخيرة. في النبي شيت، ودائماً بحسب التقرير، كان أراد محتجزاً في منزل الحاج «أبو طلال» الذي نُقل إليه من بيروت في منتصف شهر آذار من العام نفسه، وعُهد بحراسته إلى ابن أبو طلال، م. ص.، وق. ي.، اللذين تركا المنزل ليلة الاختفاء وذهبا إلى ميدون حيث دارت قبل ساعات مواجهات شرسة بين المقاومة وجيش الاحتلال.
بقي مع أراد، الذي كان محتجزاً في إحدى الغرف المغلقة داخل المنزل، الابن الأصغر لأبي طلال، ع.، وكذلك ابنتاه (ع. وز.) اللتان كانتا مسؤولتين عن الاهتمام بالجانب الإنساني لنزيلهما الأسير.
ويروي التقرير، استناداً إلى شهادة الأختين، ما حصل في تلك الليلة: «عند الساعة العاشرة ليلاً، حين نام ع. (الأخ) وع. (القريب) على السطح، بقيتا (الأختان) في البيت، سمعتا حركة باب فُتح ثم أُغلق، وحركة في المحيط. خرجت ع. لتستطلع الأمر وأيقظت أخاها ع.، لكنه لم يقم. خافت وهربت إلى الداخل. صباحاً، بين الساعة السابعة والنصف والثامنة، دخلت إلى غرفة أراد لتقديم الطعام، ففوجئت بأن الملاح الأسير قد اختفى. عندما عادت الأخت س. وعرفت بما حصل، دخلت مع أخيها ع. إلى الغرفة التي احتُجز فيها الملاح. الباب كان مفتوحاً، ولم تكن عليه إشارات كسر أو خلع من الداخل. بل وجدا هناك ورقة كُتب عليها كلمات باللغة العبرية ورسومات على شاكلة خريطة مرتجلة، بطانية، فراش وكرسي صغير. الملاح لم يكن هناك. ذهبا وأبلغا أمهما بأن رون أراد قد اختفى».
ويورد التقرير اقتباساً من شهادة الأخت س. تقول فيه: «نزلت إلى غرفة هذا الرجل، وجدت الباب مفتوحاً. من الخارج بدا مغلقاً ولكن من دون إقفاله. الباب الداخلي كان مقتلعاً وكذلك القفل. أسرعت عائدة إلى بيت صهري، هناك كانت أمي، وأبلغتها بما حصل. بعد ذلك، ذهبنا أنا وأمي إلى بعلبك وأخبرنا ز. ح.، أبو يحيى، بأن الرجل الذي كان عندنا قد هرب. فوجئ، وقال سنرى ماذا سنفعل».
كذلك يورد التقرير اقتباساً من شهادة والدة الفتيات تقول فيه: «بقينا طوال الليل عند صهرنا وقريب عائلتنا الذي قُتل. صباحاً قلت لابنتي س. إنه يجب أن ننزل إلى بيتنا لنرى الرجل (رون أراد) ونطعمه. س. ذهبت إلى البيت، وجدت الباب مفتوحاً، ولم يكن أحد في الداخل. عادت إليّ فوراً وأبلغتني بأن الغرض الذي كان عندنا قد اختفى. فهمت منها أن الرجل ليس هناك». وتروي إحدى الفتيات أن «الطيّار تحدث معنا بلغة عربية ثقيلة، وأحياناً كان يتحدث بودّ وارتياح. قال لي إنه طيّار، وإنه يعرف المكان من خدمته، وإنه لو أُطلق سراحه يوماً وأُعيد إلى وطنه وطُلب إليه قصف لبنان، فإنه لن يقصف بيتنا، لأننا نعامله جيداً». ووفقاً للتقرير، فإن أراد اختفى في ليلة مقمرة، كانت الرؤية فيها ممتازة. وهو لم يكن محتجزاً تحت الأرض، وكان بإمكانه استطلاع المحيط متعرّفاً عليه من خلال نافذة حمام غرفته.
وبحسب «معاريف»، يثير تقرير حزب الله ثلاث فرضيات بشأن اختفاء أراد هي:
1ــــ إخراجه من الغرفة من دون مقاومة وتصفيته انتقاماً لشهداء المقاومة الذين سقطوا في ميدون، والذين كان بينهم أقرباء للعائلة التي احتجز لديها.
2ــــ اختطافه من مكان احتجازه من جهات مختلفة: إيران، حزب الله، منظمات فلسطينية أو لبنانية.
3ــــ فراره من الأسر مستغلاً الأجواء التي ولّدتها عملية ميدون.
ويناقش التقرير بالتفصيل الفرضيات الثلاث مفنّداً الأولى والثانية ومتبنّياً الثالثة. ففي إطار مناقشة الفرضية الأولى، يستبعد التقرير أن يكون لأحد من الذين كانوا يعلمون مكان وجوده مصلحة في قتله، كما أن التحقيقات لم تظهر أي إشارة تدل عليه في محيط مكان احتجازه، «لا جثة، لا دماء، ولا علامات دفن». وفي إطار مناقشة الفرضية الثانية، ينفي التقرير احتمال وجود أراد لدى إيران. فالأخيرة «دولة منظمة من الناحية الأمنية والسياسية والإدارية، وقائداها الخميني والخامنئي، أصدرا تعليمات واضحة بالإبلاغ عن أي أمر يرتبط برون أراد». فضلاً عن أنه كان «خلال عشرين عاماً لدى الإيرانيين فرص أمنية وسياسية وعسكرية للاستفادة من أراد لو كان حياً أو ميتاً في أيديهم». أما حزب الله، فهو «المستفيد الأول من الكشف عن مصير رون أراد، والمتضرر الأول من اختفائه، وهو دفع الثمن الأغلى والأكبر سعياً وراء أسر جنود إسرائيليين، وما كان ليفعل ذلك لو كان أراد في حوزته... علماً بأن الحزب لم يخفِ في الماضي حيازته أسرى أو أشلاء جنود إسرائيليين». كما يستبعد التقرير احتمالات وجود أراد لدى السوريين أو جهات فلسطينية أو لبنانية أخرى.
في المقابل، وفي سياق تبنّيه فرضية الفرار، يشير التقرير إلى أن أراد كان ملاحاً حربياً عمل كثيراً في المنطقة وعرفها بالكامل، وربما كان هذا أحد أسباب قراره بالهرب، «وقد كانت تلك الفترة فترة زراعية في فصل الربيع، ولم يكن هناك مشكلة في المكوث والتنقّل وسط الحقول..».
ويستنتج التقرير أن «أراد فرّ من مكان احتجازه وتوجّه جنوباً نحو الحزام الأمني، إلا أنه تعرض لحادث لا نعلم طبيعته، بل نتائجه النهائية». ويضيف التقرير «لقد مكث في منطقة بعيدة، جبلية ومقفرة، نادراً ما تطأها قدم إنسان. ربما انهار ولم ينجح في الصمود حيال العوامل الطبيعية. أُصيب، عانى من كسور، نزف دماً، حمى، تسمم، ظمأ، سقوط عن صخرة عالية أو ربما آذاه حيوان مفترس أو داس في حقل ألغام إلخ». ويخلص التقرير إلى أن أراد «مات، وجثته تفتّتت نتيجة لعوامل طبيعية، ولم يُعثر عليها، إذا أخذنا بالحسبان أن ليس هناك أي جهة تبنّت ملاحقة آثاره بشكل موسّع في أرجاء المنطقة الجغرافية الكبيرة، لأسباب كثيرة... كل جهة اعتقدت أن الجهة الأخرى تحتجزه وامتنعت عن القيام بأي خطوة لا فائدة منها... لذلك نؤكد أنه في ضوء البحث المنطقي، رون أراد يُعدّ ميتاً، مكان دفنه مجهول».
يشار إلى أن الدوائر الأمنية المختصة في إسرائيل شككت في صدقية تقرير الحزب وعدّته تقريراً غير مهني ولا يكشف أي جديد عن مصير رون أراد.