حسام كنفانيبات الحوار الفلسطيني اليوم عند نقطة مفصلية تحددها نتائج مشاورات وفد حركة «حماس» مع المسؤولين المصريين في القاهرة. مشاورات قد ترسم مسار الحوار وآلية نجاحه، إذا قُدّر له أن يسجّل خروقاً، في ظل أجواء تشاؤمية تسيطر على المشهد الفلسطيني.
لقاءات «حماس» في القاهرة من المفترض أن تخصص لمناقشة الورقة المصرية، التي بات من المعروف أنها تتضمّن: حكومة توافق وطني من التكنوقراط وانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة وإعادة بناء الأجهزة الأمنية بـ«مساعدة عربية» وأخيراً إصلاح مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
الورقة، وفق التسريبات الفلسطينية والمصرية، تحظى بموافقة غالبية الفصائل. وعلى هذا الأساس، ستُعرَض على «حماس» بوصفها مشروع اتفاق وطني ينهي الانقسام ويمهد لحوار شامل.
وبحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ«الأخبار»، فإن القاهرة أبلغت الفصائل الفلسطينية أنها ستوزع في منتصف الشهر الجاري الورقة رسمياً على الأطراف الفلسطينية، على أن تليها الدعوة إلى الحوار الشامل، الذي سيكون في الأسبوع الأول أو الثاني، على أبعد تقدير، من شهر تشرين الثاني المقبل.
غير أن حسابات المصريين لا شك ستختلف بعد لقاء وفد «حماس»؛ فرغم أن الحركة لا ترغب في أن تظهر مسؤولةً عن فشل الحوار، إلا أنها في المقابل ليست في وارد إسقاط ما تحمله من أوراق ضغط وانتظار نتائج قد لا تكون في مصلحتها في المستقبل القريب والبعيد. ومن هنا جاءت هجمة التصريحات «الحمساوية» والحديث عن «اللاءات»، التي وإن نفيت لاحقاً، إلا أنها تعبّر عن موقف مركزي للحركة يفصح عنه كل من قياداتها بشكل مختلف.
عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، أسامة المزيني، تحدث صراحة عن «أربع لاءات». القيادي محمود الزهار نفاها لاحقاً، لكنه شدد على أن الحركة ليست مع «المصالحة بأي ثمن». رئيس المكتب السياسي، خالد مشعل، كان الأوضح حين تحدّث عن «الشرعيات» واتفاق مكة واتفاق القاهرة. وزاد نواب «حماس» على التصريحات بالقرار الذي أصدروه برفض تمديد ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
تجميع المواقف والقرارات يبلور توجهاً واضحاً لحركة «حماس» سيكون أساس المساومات في القاهرة: لا لحكومة توافق وطني لا تمثل الفصيلين الكبيرين على الساحة الفلسطينية (فتح وحماس). لا لانتخابات مبكرة تنهي سيطرة الحركة الإسلامية على السلطة التشريعية والتنفيذية. ولا كيل بمكيالين في التعامل مع الأجهزة الأمنية عبر فصل أجهزة الضفة عن غزة، على اعتبار أن أجهزة الضفة هي حالياً في العهدة الأميركية ممثلة بالجنرال كيث دايتون.
الشروط «الحمساوية» تصب أساساً في تحسين الموقف التفاوضي للحركة في مواجهة الورقة المصرية. الورقة الأبرز في يد «حماس» اليوم هي ولاية الرئيس محمود عباس. وكان لافتاً في حديث مشعل لصحيفة «فيغارو» الفرنسية استخدامه لتعبير «الشرعيات الفلسطينية»، في إشارة إلى أكثر من شرعية يُفاوَض عليها في المرحلة الراهنة. التعبير ينبئ بنوع من المقايضة قد تطرحه «حماس» على طاولة البحث المصري. مقايضة موجهة إلى أبو مازن. عنوانها الأساسي: أعطِنا الحكومة نعطِك الرئاسة.
غير أن الرد «الفتحاوي» سيكون جاهزاً، وهو الطعن في شرعية رئاسة المجلس التشريعي، على اعتبار أن القانون الأساسي ينص على التجديد لهيئة رئاسة المجلس مطلع كل دورة تشريعية، وهو ما لم يحصل منذ تشرين الأول الماضي، مع العلم أن الدورة التشريعية الأخيرة بدأت في آذار الماضي.
والتوجه التالي بالنسبة إلى «فتح»، بحسب مصادر مطلعة في منظمة التحرير، سيكون الطعن في شرعية بقاء عزيز دويك رئيساً للمجلس التشريعي، وبالتالي عدم أحقيته في تسلم الرئاسة الانتقالية للسلطة الفلسطينية بعد انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني. والأمر ينسحب أيضاً على رئيس المجلس بالإنابة، أحمد بحر، الذي أبدى قبل أيام استعداده لتولّي مهام الرئاسة.
غير أن التأجيل «الفتحاوي» لطرح هذه الورقة في العلن نابع من عدم اعتراف الحركة بنهاية الولاية أصلاً في التاسع من كانون الثاني 2009. لكنها بالتأكيد ستكون محل نقاش مستفيض على طاولة الحوار الموسعة المرتقبة.
«حماس» أيضاً تسعى إلى مساومة المصريين أنفسهم. عنوان المساومة هو الجندي الإسرائيلي الأسير، جلعاد شاليط، ومعبر رفح. وتؤكّد مصادر مطلعة أن الحركة الإسلامية لن تذهب إلى حوار شامل قبل حل الملفين، ما سيعزز موقفها التفاوضي.
وعلى هذا الأساس تشير المصادر إلى أن طريق المصالحة «لا يزال طويلاً ومعقداً. والأجواء التشاؤميّة هي التي تسيطر على المشهد إلى الآن». وتضيف أن «الجو لا يزال غير ناضج لإنتاج حوار يتوّج بمصالحة».
جملة من المساومات ساحاتها الأراضي المصرية، قد تؤدي إلى تأجيل الحوار والدخول في جولة جديدة من المشاورات لمناقشة «التعديلات الحمساوية».