strong>تلخّص ورقة لبنان المقدمة إلى شبكة المنظمات العربية غير الحكومية وتالياً إلى القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية التي ستعقد في الكويت، جملة من الانتقادات للسياسات الاجتماعية والاقتصادية القائمة...
تسعى شبكة المنظمات العربية غير الحكومية إلى تحقيق نوع من التشابك بين منظمات المجتمع المدني بشأن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وعملية دمقرطتها، في سبيل تحضير هذه المنظمات للمشاركة في القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، في كانون الثاني المقبل في الكويت، إلى جانب الحكومات والقطاع الخاص. وبذلك يعمل كل بلد منضمّ إلى الشبكة إلى تحديد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية القائمة محلياً، ومنها لبنان... وفي ورشة عمل إقليمية تُعقد ليومين متتاليين (أمس واليوم) تحت عنوان «الإصلاحات الديموقراطية في المنطقة العربية: التركيز على السياسات الاقتصادية والاجتماعية»، استعرضت المنظمات العربية المشاركة واقع الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلدانها، وقدّم الدكتور سناء أبو شقرا ورقة لبنان تحت عنوان: «مبادرات الإصلاح في لبنان»، التي تضمّنت عرضاً لواقع السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتّبعة، من محاصصة وزبائنية وتهميش للقطاعات الإنتاجية...
وتشير ورقة لبنان إلى أن المؤشرات الإيجابية في برنامج الحكومة لا تزال نظرية، في معظمها، وتبقى كذلك ما لم تُمتحن في التطبيق. وتتطرّق إلى غياب الإشارة إلى المعوّقات التي اختبرتها الحكومة في السابق، أو التي تتوقّعها على طريق تحقيق برنامجها. والمقصود بالمعوّقات ليس الأزمة السياسية الراهنة، ولا الصعوبات الاقتصادية المتزامنة معها، بل الآليات الداخلية للنظام التي تمنع إصلاحه، وتعترض سبيل تعديله، أو تحديثه، حتى في مراحل الانفراج السياسي، ومنها مثلاً الطبيعة «الزبائنية» لهذا النظام وسيطرة الزعامات الطائفية على الدولة «بالمحاصصة»، وعبر قوة الأمر الواقع.
وهنا يُطرح السؤال: هل تستطيع الحكومة أن تتجاوز إرادة هؤلاء الزعماء إذا ما تعارضت خطتها مع مصالحهم؟ هل ستكيّف خطتها مع مصالحهم؟ هل تسمح توازنات القوى، ووقائع الحياة نفسها بإدماج الزعامات هذه في مشروع إصلاحي اجتماعي واقتصادي، عبر تسوية تتدرّج صعوداً نحو استراتيجية تنموية؟ هل الإيحاء بأن الوضع العام المتأزم هو المصدر الوحيد للمشكلة يغطي، عن غير قصد، أو عمداً، الخلل البنيوي في نظام الطائفية السياسية القائم، وتعارضه العضوي مع مبادئ التنمية الشاملة، كالتوازن بين القطاعات والمناطق وتعزيز عمل هيئات الرقابة، وفصل الإدارة عن السياسة... وسواها. كما تلفت الورقة إلى أن الأوضاع الريفية في لبنان وسبل تنمية الريف بالمعنى الواسع تتجاوز ما يسمّى «عقدة الزراعة» في الأدبيات التي تتناول هذه القضية، وهي بذاتها بالغة الأهمية. فيما الضعف الواضح في مقاربة مشكلة البطالة، بدو كأنه نتاج طبيعي لأداء الاقتصاد وحده، والواقع أن موضوع البطالة هو أبرز كاشف للعلاقة بين البرامج الاجتماعية ومضامين السياسات الاقتصادية.
وتعتبر الورقة أنه من الغريب، ألّا يحظى نقاش القضايا الاقتصادية والاجتماعية بأي مساهمة جدية من جانب قوى المعارضة السياسية في لبنان. وأكثر من ذلك تعمد هذه المعارضة إلى استغلال الاحتجاجات الاجتماعية، سياسياً، بصورة تدفع الكثير من المتضررين إلى الانكفاء عن المشاركة فيها. هذا التسييس الفاقع للحركات المطلبية يعيد إنتاج الانقسام السياسي الطائفي نفسه، ويضعف الركيزة الاجتماعية لهذه الحركات. وتعتبر الورقة أن المعارضة المتوافقة، بنسبة عالية، على الموقف السياسي، لا تستطيع التوافق على برنامج اقتصادي اجتماعي موحّد ومتناقض مع مشروع السلطة، لأن البنية الاجتماعية لهذه المعارضة متنافرة إلى حد كبير، من حزب الله الذي يضم قاعدة عريضة من الفئات المتوسطة والدنيا في الطائفة الشيعية، إلى قوى تمثّل بورجوازيات طائفية وقيادات تقليدية وإقطاعية. وسيمثّل برنامج الاعتراض الاجتماعي المفترض، تشكيكاً في علاقات لبنان الاقتصادية مع العالم، وهو أمر يتناقض مع طبيعة المصالح التي تحملها قوى وفعّاليات أساسية في هذه المعارضة.
وتعتبر الورقة أن الانقسام السياسي الحاد الذي يعصف بلبنان مهدِّداً وحدته ككيان ودولة، يطرح موضوعياً مهمة الإصلاح السياسي كمسألة لا تحتمل التأجيل على مكوّنات المجتمع كافة.
وتدعو إلى اعتماد سياسة اقتصادية تتلازم فيها أهداف النمو الاقتصادي مع مضمون اجتماعي محدّد وواضح. وما يستلزم ذلك من تدخّل نشيط من جانب الدولة، يتجاوز نهج «التوزيع» نحو بناء قاعدة إنتاجية مقبولة، زراعية وصناعية، تسهم في تنمية الأطراف، وتقليص البطالة والحد من الهجرة. بخاصة أن الأزمة العالمية الراهنة تضعف تدفق تحويلات المهاجرين الآن، وستزيد من تقلصها في المستقبل. وفي هذا السياق أيضاً لا بد من الاهتمام جدياً بمطالب القطاعات الإنتاجية لناحية كلفة الإنتاج ومعوّقات التصدير والمنافسة. من جهة أخرى. تستطيع الدولة اللبنانية، نظراً لأوضاع لبنان الخاصة، أن تعيد طرح مطالب المنتجين اللبنانيين في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية، وسيكون التجاوب الخارجي معها جزءاً من التضامن الذي يحظى به لبنان.
(الأخبار)