14 عائلة مشرّدة بعضها يقيم في فنادق بانتظار «العودة»
عكا ــ فراس خطيب
كان الحذر سيد الموقف في عكا أمس؛ فالدولة العبرية ستدخل بعد قليل إلى عيد آخر، اسمه «العرش»، والبرد يتسلل إلى الهدوء المتزايد. كانت ساحة البلدية خالية، يتوسطها أفراد من عائلة رمّال بعدما غادرها الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز. كانوا صامتين، بانتظار فرج لم يأت بعد: كل شيء ينتهي، لكنَّ مأساتهم لا تزال في البداية. هم من سكان الحي الشرقي، لكنهم يتخذون الفندق عنوةً مأوىً لهم؛ غالبية حاجياتهم لا تزال داخل منزلهم المتروك. كان النقاش يدور حول كيفية عودتهم لربع ساعة، لجلب حاجياتهم الخاصة والكتب المدرسية وما إلى ذلك: «إذا شاهدونا هناك فسيقتلوننا. هذا انتحار. لقد ذهبنا أمس وهاجمونا ونحن محاطون بالشرطة. كيف سنذهب اليوم؟»، تقول ولاء، الابنة الكبرى لدى العائلة.
الضابط اقترح على العائلة عدم الذهاب في ساعات العصر، بل الانتظار حتى الليل، ليتمكنَّ أفراد الشرطة من «حمايتهم»: الدولة التي تحافظ على جودة حياة مئات الآلاف من المستوطنين لا تقوى اليوم، للمفارقة، على مرافقة عائلة عكاويّة منكوبة، لربع ساعة، إلى الحي الذي تسكن فيه، لجلب بعض الحاجيات الضرورية، لتبقى هذه العائلات تحيا حالة من اللجوء «المؤقت»، لا تستطيع الدخول إلى بيتها الواقع على مقربة من الفندق.
الشرطة الإسرائيلية تعزّز حضورها في الحي الشرقي. هو لبّ الصراع ونبض المواجهات. الدخول إلى هناك صعب للغاية، فالشرطة لا تزال حاضرة بقوة. «إذا فهموا أن السائق عربي، فسيحطمون السيارة ربما»، يقول أحد سكان عكا، مضيفاً «هناك تكمن المشكلة الأصلية. هناك أكثرية يهودية، يريدون تحويلها إلى وجود يهودي كامل من دون عرب. وسيفعلون كل شيء من أجل هذا الهدف. لا يريدون عرباً هناك».
كانت الاعتداءات على العرب في ذلك المكان حاضرة طوال الوقت، لكن بصورة أخفّ، لا يمكن مقارنتها مع أحداث الأيام الماضية: «كانوا يضربون الحجارة علينا أثناء الانتفاضة الثانية لكن بشكل لم يتطوّر. ضربوا الحجارة علينا أيضاً في حرب لبنان الثانية. دائماً كانت هناك اعتداءات، لكنَّ هذه المرة كانت الأصعب. كانوا شرسين جداً، في عيونهم حقد لا يوصف».
ساحة البلدية لا تزال مأوى للباحثين عن حلول غير موجودة، وعائلة أحمد بـ«انتظار الفرج» أيضاً. تسكن في الحي الشرقي أيضاً في بيت خاص. في ليلة السبت الماضي، شعر رب العائلة، محمد، بأن أفرادها عرضة للاعتداء، وبعث بهم إلى مكان آخر وبقي هو ليحرس البيت. عند الساعة الثانية عشرة والربع تعرض البيت لزجاحات حارقة: «تجمّع أكثر من مئتي إنسان عنصري وبدأوا يضربون الحجارة، وبقيت صامداً في البيت، على الرغم من أنني أعاني من تسعة كسور في عظامي. جاءت الشرطة وأخذتني من البيت. بعد دقائق من خروجي، اعتلاه اليمينيون، سرقوا ما فيه من محتويات وأحرقوه».
عندما تسأله عن المستقبل، وطريقة العودة قال: «يريدون تطهير الحيّ من العرب. لكنَّهم لن ينالوا مرادهم. هذه أرضنا. نحن نعيش بين بضعة آلاف من اليهود، ولكن أقول لك، حتى لو كانوا خمسين مليوناً من اليهود، لن أترك بيتي. أيام الـ48 (النكبة) انتهت. حين كانوا يعتدون على الناس ليخرجوا. سأعود إلى بيتي بعد أيام. وسأعيش. والله سيمنحني القوة».
قصص العائلات لا تنتهي. هناك امرأة أخرى فضلت عدم الكشف عن اسمها تقول: «لقد عملت سنوات وأنا أوفّر من أجل البيت. لكنّهم جاؤوا خلال ليلة وضحاها وأحرقوه، وابني وزوجي اللذان دافعا عن المنزل من الاعتداء اعتقلا يومين، والقاضي أطلق سراح المعتدين». الحياة في ذلك المكان كانت أفضل بحسب ربة العائلة: «كانوا يشاركوننا أفراحنا وأتراحنا، نأكل من الصحن نفسه، وهم أنفسهم اعتدوا علينا وحرقوا بيوتنا الليلة».
حتى هذه اللحظة لا تبدو الأمور على ما يرام. الحلول قيد البحث. الأنباء في عكا تتحدث عن مئات المستوطنين دخلوا إلى المدينة ليعززوا الاعتداءات ضد العرب. يقول أحد الشبّان: «لا يوجد في الأحياء العربية يهود. ولكنْ، هناك عرب في الأحياء اليهودية. الشرطة تحرس الأحياء اليهودية من العرب، لكنها لا تحرس العرب في داخل الأحياء اليهودية».
هناك أيضاً ما يغضب الكثيرين في عكا. فقد اجتمع بعض القادة المحليين وكتبوا بياناً بالعبرية تضمن اعتذاراً على بعض ما حدث في «ليلة الغفران». ويقول عضو البلدية أحمد عودة: «عندما قرأت البيان رفضت التوقيع عليه. الحقيقة أنه كانت هناك اعتداءاتٍ عنصرية على العرب. هل عليهم الاعتذار لأنه اعتدي عليهم، أنا أخجل من بيانات كهذه وقد قلتها بصراحة. لا يمكن محاكمة الضحية وترك المعتدين».
مواقع تحريضية ضد فلسطينيي 48 كتبت «يجب إلحاق الضرر بجيوبهم كي يتعلموا». ورئيس البلدية يعمل منذ سنوات جاهداً لتعزيز «الوجود اليهودي»، وقادة اليهود في المدينة لا يزالون يتهمون القيادة العربية بـ«التحريض». يرفضون المصالحة، ويقولون إنَّ «عكا هي مدينة يهودية يسكنها عرب». البلدية ألغت مهرجان «المسرح الآخر» في عكا. وهو مهرجان يدخل عشرات الآلاف يومياً إلى البلدة القديمة. لكن عضو البلدية عودة يقول: «سننظم ما هو بديل يعود بالفائدة علينا. وسنعمل جاهدين على تنظيم زيارات إلى عكا».
الأجواء في البلدة القديمة لا تزال هادئة والحركة خفيفة والمحالّ التجارية تنتظر الفرج. يقول أحد تجّار السوق، وهو يملك محلاً لبيع الفلافل، «نحن لا نتّكل عليهم، في النهاية سيعودون. هم أصلاً لا يأتون حبّاً بنا. إنما يأتون ليأخذوا ما ليس متوفراً لديهم، ورائحة ما هو موجود هنا. ونحن لا نزال أصحابها».


منتدى لتهدئة النفوس!وأشار بيريز، الذي رافقه وزير الأمن الداخلي آفي ديختر والحاخامان الرئيسيان في إسرائيل شلومو عمار ويونا مستغر، إلى «ضرورة التعايش بين اليهود والعرب الإسرائيليين، جنباً إلى جنب، وأن يكون المستقبل الذي ينتظر عكا مشرقاً».
ودعا بيريز، بعد اجتماعه بالقيادات المحلية والدينية اليهودية والفلسطينية، «جميع زعماء ووجهاء اليهود والعرب في عكا إلى العمل الحثيث على تهدئة الخواطر»، معلناً «تشكيل منتدى من رجال الدين اليهود والمسلمين، يعمل فوراً على تهدئة النفوس ومتابعة التطورات».