Strong>الحكومة تبغضهم، والاحتلال يستثمرهم، وأحزاب السُّنة العرب تخشاهم، و«الإرهاب» يلاحقهمصحيح أنّ ظاهرة «الصحوات» في بلد يقع تحت الاحتلال ليست محصورة في الحالة العراقية، إلا أنها تأخذ في هذا البلد طابعاً خاصاً. ومنذ مطلع الشهر الجاري، دخل «القاعديون السابقون» عصر القلق المزمن على مصيرهم

بغداد ــ زيد الزبيدي
يردّد مسؤولون أميركيون في العراق معزوفة مفادها أنّ 90 في المئة من أفراد ميليشيات «الصحوات»، كانوا ناشطين في تنظيم «القاعدة»، أو من مؤيّديه على الأقلّ. غير أنّ العارفين في شؤون العراق بعد الاحتلال، يدركون أنّ هذه نسبة مبالغ فيها كثيراً، حتى مع الأخذ في الاعتبار التصنيفات الأميركية التي تطلق اسم «القاعدة» على كل فصائل المقاومة، والعناصر المسلحة وحتى غير المسلحة، المناوئة للاحتلال.
إلا أنّ دمج عناصر «الصحوات» بالقوات الحكومية، يفترض بحسب حكومة نوري المالكي، «دراسة ملفاتهم الأمنية، لاستبعاد الذين كانوا من الإرهابيين».
ورغم أنّ هؤلاء «الإرهابيين» هم العناصر أنفسهم الذين تصالحوا أو تعاونوا مع الأميركيين بعدما كانوا في حالة حرب معهم، بيد أنّ الحكومة ترى أنهم ما زالوا متهمين بحمل السلاح، ما يعني أن هؤلاء سيبقون ملاحقين إذا رُفع الغطاء الأميركي عنهم، وبالتالي إذا توافرت الأجواء المناسبة لعودة دوامة العنف.
وبحسب الكثير من المحلّلين، فإن اعتماد الاحتلال على عناصر سابقين في المقاومة، وعلى قوات عشائرية لتوفير استقرار بعض المناطق والمحافظات، إنّما هو إقرار بفشل حكومة بغداد وشللها، وعجزها عن بسط نفوذها في مناطق أساسية من البلاد.
من هنا، يمكن القول إنّ الهدف الرئيسي المتوخّى من تأليف «الصحوات»، إنما صبّ في مصلحة قوات الاحتلال بالدرجة الأولى، على المديين القصير والمتوسط.
والحقيقة الواضحة هي أنّ الاحتلال خطّط لاستغلال بعض سلبيات المقاومة، في شن حملة «تجييش»، تحت ذريعة محاربة «القاعدة» و«الإرهاب»، من أجل خلق مناطق عازلة Buffer zone تفصله عن ضربات المقاومة، وكذلك، تقلص من مساحة انتشار قوات الاحتلال، التي تحدّ بالنتيجة من عدد عمليات المقاومة، نتيجة تقلص عدد الأهداف المتاحة.
ويرى المتابعون أنّ مجالس «الصحوة»، وتسليحها، بهذا العدد (أكثر من 120 ألف عنصر)، مثّل ورقة ضغط ومناورة بيد إدارة الاحتلال من ناحيتين:
الأولى، لإجبار الحكومة على تقديم المزيد من التنازلات والتبعية السياسية، وذلك من خلال تهديدها بدمج هذه القوات «السنّية» بوزارتي الدفاع والداخلية، وهذا ما لا تريده الحكومة ذات الصبغة الطائفية، حيث إنها تتفادى تسليح العشائر لكونها لا تضمن ولاءها المستقبلي. ومن ناحية ثانية، لإرغام القوى السياسية المحسوبة على العرب السنّة، كـ«جبهة التوافق» والحزب الإسلامي تحديداً، على تقديم المزيد من التنازلات أيضاً، وذلك من خلال تهيئة بديل قوي لها، في حال رفضها الانصياع للإدارة الأميركية. وهذه النقطة بدأت تظهر نتائجها بوضوح منذ تعويم عدد من هذه المجالس سياسياً، عبر التلويح بمشاركتها في الانتخابات المحلية المقبلة لتنافس الأحزاب العربية السنية التقليدية، في مقدمتها «الحزب الإسلامي» وباقي مكوّنات «جبهة التوافق العراقية».
ومن الناحية النظرية، يُعدّ تاريخ 17 أيلول 2006، الذي أعلن فيه عبد الستار أبو ريشة رسمياً تأسيس «مجلس صحوة الأنبار»، تاريخاً لانطلاق هذه الظاهرة. إلا أنّه من الناحية العلمية، «لا يمكن ظاهرة أن تنشأ بقرار»، بل هناك عوامل عديدة تفاعلت وتضافرت قبل هذا التاريخ، لم تسهم في نجاح الإعلان فحسب، بل وانتشاره بقوة في مناطق كانت حتى وقت قريب «قلعة» للمقاومة، ومحرّمة على قوات الاحتلال، بل إن مجرد ذكر اسمها يثير الرعب بين صفوف جنوده.
وبحسب مراقبين سياسيين، فإنّ الولايات المتحدة أدركت بعد معركة الفلوجة الأولى أنها أمام قوة ليست بثانوية، وأنّ الأسلوب العسكري وحده غير كافٍ لحسم المعركة. كذلك فهمت أنها، ومعها الحكومات المتعاقبة، أعجز من أن تستطيع حسم الوضع المتفجر في قلعة المقاومة «الرمادي».
وفي هذا السياق، تلاقت أهداف بعض شيوخ عشائر الرمادي ووجهائها، مع متضررين من تصرفات بعض فصائل المقاومة، وفي مقدمتها تنظيم «القاعدة»، تحركهم دوافع الثأر العشائرية والبدوية، نتيجة تصفية آبائهم أو أبنائهم. وقد مثّل هذا الصنف الخميرة الأولى لهذه الظاهرة، إضافة إلى وجود صنف آخر من الشيوخ والوجهاء الذين فقدوا سطوتهم، فباتوا مستعدين لتقديم أي ثمن للنيل من المقاومة التي قلّصت من مكانتهم ونفوذهم.
وبحسب بعض التحليلات، فإن الاختراق الذي أصاب تنظيمات «القاعدة»، لم يصب بالدرجة نفسها فصائل المقاومة الوطنية العراقية، وذلك لأسباب عديدة، لعلّ أهمها أنّ قيادة هذه الفصائل عراقية بحتة. إلا أن ذلك لا يبرر عدم نجاح فصائل المقاومة في نشر رقعتها وتوسيعها على أساس وطني، وشغلها بمناطقها، حيث لا تزال الصبغة الرئيسية لها تنحصر في مذهب معين.
كذلك لم تحقق نجاحات في إدامة الصلة بأشكال المقاومة الموجودة في جنوب البلاد، وكذلك تركيزها على الجانب العسكري الصرف، وإهمالها الجوانب الاستراتيجية الأخرى للصراع اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.
أما على صعيد الحديث عن العامل الاقتصادي في نشوء ظاهرة «الصحوة»، لا يمكن إهمال دور التجار والمقاولين في تشجيع نهج «الصحوات» للحصول على مكاسب من جرّاء تأمين الطرق التجارية، وكذلك ضمان عقود مقاولات إعادة الأعمار.
وتبقى مسألة أساسية أدت دوراً مهماً في نمو ظاهرة «الصحوات»، وهي توجه بعض القوى السياسية، بما فيها جهات في السلطة، لمساعدة الاحتلال في تحقيق أكبر نجاح سياسي له، متمثلاً في تغيير أهداف المقاومة باتجاه النفوذ الإيراني، ما هيّأ الأساس النفسي لكثير من الأفراد لإمكان التعاون مع المحتل، وبالتالي لا بأس من العمل تحت قيادته وإمرته بحجة أن العدو الأساسي هو إيران لا الولايات المتحدة.