بعدما كانت زراعة العنب «مُربحة» وتستمر من الموسم إلى آخر، قضت «صدمة» الأسعار والأدوية «المزوّرة والمغشوشة»، والخسائر المتلاحقة على آمال مزارعي البقاع، فإذا بهم يقتلعون الدوالي ويتحولون إلى مهن أخرى!
البقاع ــ رامح حميـة
لا يختلف وضع مزارعي العنب عن سائر مزارعي البقاع لناحية الخسائر الكبيرة التي يتعرضون لها من جهة، والتفكير الجدي في البحث عن بديل من جهة ثانية. فقد بدأ هذا القطاع يشهد الخسائر المتتالية في الأعوام الثلاثة الماضية، وذلك نتيجة الأسعار المتدنية وتحكم التجار بها، وغياب الرقابة عن الأدوية الزراعية والأسمدة المطروحة في الأسواق، بالإضافة إلى الاستمرار في تغييب تعويضات حرب تموز، التي يحتاج إليها المزارعون حالياً بغية تغطية جزء ولو قليلاً من الخسائر التي يتعرضون لها. ويمثّل الحل الذي اختاره مزارعو العنب العام الماضي والحالي، إنذاراً فعلياً بزوال هذه الزراعة، لا يمكن تجاهله، لكونهم يقدمون، بنسب كبيرة، على اقتلاع الدوالي والتفكير جدياً بزراعات تكون أقل خسارة وأكثر ربحاً!
فقد أشار مهيب التويني، وهو مزارع عنب، إلى أن الانخفاض في سعر العنب لافت، فمن غير الممكن أن يتدنى سعره من 2000 ليرة إلى 300 ليرة، ويقول: «نحنا مزارعين عنب أباً عن جد ومنعرف إنو العنب ما تغيّر»، رافضاً مقولة «أن النوعية اختلفت من الجيد إلى الوسط»، مؤكداً أن تراجع الأسعار يعود إلى «مزاجية التجار، سواء الذين يقصدون الكروم أو أولئك المنتشرين في الحسبة». وأوضح أن ما نسبته 20% من كروم قصرنبا الممتدة على ما يقارب ألفي دونم، بدأ أصحابها باقتلاعها للإفادة منها في التدفئة الشتائية، وللتفتيش عن زراعة أخرى بدلاً منها (العنب الاسود). ولفت التويني إلى مشكلة كبيرة يعانونها، تتمثل «بالتزوير والغش بالأدوية الزراعية والأسمدة الكيماوية التي يشترونها»، «حيث لا رقابة من الدولة على من يتاجر بها وبماذا يتاجر»، موضحاً أن الكروم ترش من 5 إلى 8 مرات دون فائدة، حيث تبقى الدوالي ضعيفة. وطالب الدولة بعدة خطوات لحماية زراعة العنب البقاعية، من الرقابة على الأدوية التي تباع للمزارعين، والإرشاد الزراعي، وتوفير أسواق جديدة للتصريف، والتعويضات المستحقة.
أما المزارع علي شداد فلم يتوان بعد رؤيته فاتورة الحسبة عن اتخاذ القرار الذي يراه «صائباً»، المتمثل بقطع جميع الدوالي في كرمه الممتد عشر دونمات ويقول: «العنب بات مرضاً مخفياً، فكلفة إنتاجه أصبحت تفوق بأضعاف الأسعار التي نبيع بها، في ظل عدم اهتمام من الدولة»، مضيفاً: «ما بيكفي التاجر صار عم يتدلل علينا حتى نبيعو العنب بأبخس الأثمان، حالياً عم نبيع العنب للحسبة»، وتساءل: «هل يعقل بيع شرحة العنب البيتموني بزنة 14 كيلوغراماً بخمسة آلاف ليرة؟». وناشد شداد المسؤولين الإفراج عن تعويضات حرب تموز التي تساعد ـــــ إذا دُفعت ـــــ في تقليص حجم الخسائر المتراكمة علينا منذ عام 2006.
من جهته كشف المزارع عثمان الديراني ما سمّاه «لعبة التجار» للحصول على العنب وتحقيق الأرباح، فأشار إلى أن التجار باتوا يعملون وفق خطة مدروسة لشراء العنب و«حرق أسعاره، فهم يتفقون مع المزارعين على الأسعار بـ500 أو600 ليرة للكيلو، وعلى موعد محدد للقطاف، ليبدأوا بعد ذلك سياسة المماطلة بغية حشر المزارع وعنبه في زاوية اقتراب موعد هطول الأمطار والصقيع الذي يصيب العنب بـ«الجلبيط» و«التشقق»، الأمر الذي يسمح لهم بالتحكم بالسعر الجديد، وهو 300 ليرة، الذي يفرضونه على المزارع. في حين أن المزارع لا يقبض أمواله من التجار إلا في الشهر الثالث أو الرابع من السنة المقبلة بذريعة عدم التمكن من بيع العنب!
ولفت الديراني إلى أن التجار تتوافر لديهم القدرة على استخدام البرادات وتحقيق الأرباح من خلال الأسعار الجيدة التي يحصلون عليها، فضلاً عن دعم «إيدال» لهم دون غيرهم. فالمزارع لا يستفيد منها، لأنه ليس تاجراً مصدراً، مطالباً بالإبقاء على «إيدال»، شرط أن تشمل المزارع بدعمها.


300 ليرة

هو سعر كيلوغرام العنب الذي يسلمه المزارعون للتجار، فيما يُباع في الأسواق بـ 1500 ليرة!