بغداد ــ زيد الزبيديتسارعت الأحداث على الساحة الكردية الداخلية، وتحديداً في صفوف حزب الرئيس العراقي جلال الطالباني، «الاتحاد الوطني الكردستاني». ويبدو أنّ لوثة الانشقاقات الداخلية، التي يُعَدّ تاريخ الحزب حافلاً بها منذ تأسيسه في عام 1975، في طريقها للانتشار السرطاني في جسده التنظيمي. ففي شهر واحد، خسر الحزب 6 من كبار قياديّيه في سيناريو يتوقع البعض أن تتّسع دائرته لتذكّر بما حصل في عام 2006 عندما كاد الانقسام يودي بقيادة الطالباني وفريقه على يد رفيق دربه في تأسيس الحزب ونائبه في القيادة حينها، نوشيروان مصطفى.
وبعدما فصلت قيادة الحزب القياديين الأربعة (شورش حاجي، وملا خدر، وهوشيار عابد، وهفال كويستاني) على خلفية تأسيسهم «تيار التغيير الديموقراطي» قبل أسابيع، برز فصل هلّو إبراهيم أحمد، وهو شقيق السيدة هيرو، زوجة الطالباني، بحجّة «عدم التزامه القواعد الحزبية».
ويرى مراقبو الشأن الكردي العراقي أن فصل نسيب الرئيس جاء على خلفية اعتقاد الأخير بأنّ نوشيروان مصطفى هو من يقف خلف انشقاق «تيار التغيير». وبما أنّ هلو إبراهيم مقرب جداً من الرجل، وكان من الذين قرروا البقاء في صفوف «الاتحاد» في أزمة عام 2006، فإنّ «طرده بات ضرورياً».
لكن ظهر بوضوح أنّ التيار «الاتحادي» المعارض للطالباني، لا يزال قوياً وفاعلاً. فبعد يوم واحد من فصل هلو إبراهيم، ردّ مجلس محافظة السليمانية بطرد نائب المحافظ جوتيار نوري، الموالي للطالباني، من منصبه. وأعلن رئيس مجلس المحافظة كاوه عبد الله أنّ المجلس قرّر سحب الثقة من نوري «بسبب تقصيره في عمله الإداري»، فيما رأى نوري القرار «غير قانوني».
في هذا الوقت، اعترف مسؤول الإعلام المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني، آزاد جندياني، بأنّ الاتحاد يواجه مشكلة التكتلات منذ أربع سنوات، وأن هذه التكتلات «أصبحت أكثر تنظيماً، منذ تقديم نائب الأمين العام السابق نوشيروان مصطفى، مذكرته الانتقادية إلى الأمين العام للاتحاد جلال الطالباني قبل أربعة أعوام، ومن ثم استقالته في كانون الأول سنة 2006».
وأشار جندياني إلى «أن التحركات الجديدة مدفوعة من البعض»، وكانت «بالون اختبار» على كيفية تعامل «الاتحاد الوطني» وقيادته مع هذه الظاهرة، في تلميح واضح إلى مصطفى.
وأضاف جندياني: «كانت اختباراً لجدية القيادة في التصدي لحالة التشرذم، وتأسيس الحزب داخل الحزب، التي لن نسكت عنها».
وعاد جندياني ليبرر قرار فصل أنصار مصطفى، فلفت إلى أنه «منذ تقديم نوشيروان مذكرته الانتقادية، أصبحت الدعوات والكتابات التي تسيء إلى الاتحاد الوطني والسكرتير العام (الطالباني)، تظهر على شكل تكتلات أكثر تنظيماً، ونوشيروان مصطفى، بكتاباته وتحريض الشارع الكردستاني على قيادته السياسية، يريد أن يسيطر على جميع قرارات القيادة، وأن يكون الرجل الوحيد والأول داخل الاتحاد، في الوقت الذي ينتقد فيه الطالباني لكونه الرجل الأول، كما يدّعي، وأنه صاحب الأمر والنهي داخل الاتحاد الوطني».
وكان المسؤول في حزب الطالباني يشير في كلامه إلى ما يدرج نوشيروان مصطفى على نشره منذ 2006 في جريدته «وه شه» أي «الكلمة»، التي تصدر عن شركة «وشه» التابعة له، من مقالات نقدية بعنوان «نحن وهم».
في المقابل، فإنّ ردّ التيار المقابل جاء جرياً على قاعدة «المعاملة بالمثل». وطبعاً غُلِّف قرار سحب الثقة من نوري، بتهم الفساد وسوء الإدارة. والصراع بين نوري وعدد كبير من أعضاء مجلس المحافظة قديم، لكن شرارته اشتعلت فقط بعد حملة الطرد الأخيرة. وكان محافظ السليمانية دانا أحمد مجيد، المحسوب على تيار نوشيروان مصطفى، قد طلب من نائب رئيس مجلس المحافظة الاستقالة منذ فترة، إلا أنّ الأخير ردّ على الطلب بأنّ ترشيحه للمنصب جاء من قيادة الاتحاد الوطني في الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت عام 2000، وبالتالي فإنّ استقالته أو إقالته «تبقى من اختصاص قيادة الاتحاد».
وكان ردّ فعل نوري متوقعاً، إذ رأى أنّ «القرار غير قانوني فلم اتسلم قبل هذا القرار توبيخاً أو إنذاراً، فكيف يسحبون الثقة مني دون أي دلائل على تقصيري في أدائي الوظيفي؟».
واللافت هو أنّه بعدما كان نوري يصرّ على اختصاص رئاسة «الاتحاد» في ترشيحه وفصله، فقد تحول إلى القول إنّ القرار «يجب أن تتم المصادقة عليه من قبل مجلس وزراء حكومة إقليم كردستان».
يُذكَر أنّ مجلس محافظة السليمانية يتكون من 41 عضواً، 28 منهم من «الاتحاد الوطني الكردستاني» ومعظمهم محسوبون على تيّار نوشيروان مصطفى، وخمسة من «الحزب الديموقراطي الكردستاني» الذي يقوده رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، وخمسة من «الاتحاد الإسلامي»، وثلاثة أعضاء من «الجماعة الإسلامية».