حسام كنفاني... وأخيراً خرجت الورقة المصرية إلى العلن بعد كثير من الأخذ والردّ والتسريبات حول بنودها. لكن من الواضح أن الورقة لم تبتّ أيّاً من القضايا الخلافيّة، وغرقت في العموميّات مع ترجيح كفّة مطالب الرئيس عبّاس. كذلك فإنها رمت كرة اللهب في حضن اللجان اللاحقة للحوار، التي قد تفجّر أي اتفاق

القاهرة راعت «حماس» وأخذت بمطالب عباسوبالاطّلاع على الورقة الأصليّة لرئيس الاستخبارات المصريّة عمر سليمان والمطالب التي قدّمها نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» موسى أبو مرزوق، والرد الذي سلمه أبو مازن إلى الرئيس المصري حسني مبارك، يمكن تبيان مجموعة من التعديلات والمزاوجة بين المطالب جرى اعتمادها في النقاط الورادة في مشروع البيان الختامي.
ــ كان لافتاً خلوّ الورقة المصريّة من عبارة تشير إلى عملية الحسم العسكري لـ«حماس» في قطاع غزة أو حتى إعادة الأوضاع في القطاع إلى ما كانت عليه قبل الرابع عشر من حزيران عام 2007. والاكتفاء بـ«مبادئ عامّة» تشدّد على «وحدة الأراضي الفلسطينية جغرافياً وسياسياً وعدم القبول بتجزئتها تحت أية ظروف»، وعلى «حرمة الدم الفلسطيني، وتجريم الاقتتال الداخلي، ووقف التحريض، ونبذ العنف».
ويمكن وضع غياب الإشارة إلى أساس الخلاف الفلسطيني في خانة مراعاة حركة «حماس»، وهو ما أثار اعتراض عبّاس، الذي كان قد أصرّ على المبادرة اليمنية كأساس لدعوته للحوار، مع ما تنصّ عليه من إعادة للوضع إلى ما كان عليه قبل الحسم «الحمساوي».
غير أن الورقة أشارت إلى مرجعيات الحوار. مرجعيات راعت بين «حماس» و«فتح»، إذ أوردت اتفاقي مكة والقاهرة ضمنها، إرضاءً للحركة الإسلاميّة، إضافة إلى مبادرة عبّاس للحوار.
ــ حسمت الورقة شكل الحوار الوطني باستبعاد الثنائية و«المحاصصة»، ما يعني أن لا لقاء سابقاً للحوار الشامل بين «حماس» و«فتح» وذلك نزولاً عند رفض أبو مازن لطلب موسى أبو مرزوق، الذي جوبه برسالة ردّ من عباس إلى مبارك، والتي جاء فيها أنه «حال التوافق (إذا جرى التوافق) على مبدأ تشكيل اللجان، فلا بد من مشاركة الفصائل فيها، ونطلب رسمياً من الشقيقة مصر أن تكون في جميع اللجان، التي قد تتشكل».
وفي المحصلة، جاءت الورقة المصرية نزولاً عند رغبة عباس، إذ نصّت على «تشكيل لجان (الحكومة، الانتخابات، الأمن، منظمة التحرير، المصالحات الداخلية) لوضع ما يتم التوصل إليه موضع التنفيذ، ولا مانع من مشاركة عربية في أي من هذه اللجان إذا ما طلبت التنظيمات ذلك».
ــ كان للمقاومة حصّة من الورقة المصريّة، رغم غيابها في أيّ من التسريبات السابقة، إذ أشارت إلى أنها «حقٌ مشروع في إطار التوافق الوطني»، لكنها شدّدت على «الحفاظ على التهدئة في الإطار الذي توافقت عليه جميع الفصائل والقوى الفلسطينية في القاهرة».
الإشارة إلى المقاومة تأتي مراعاة لبعض الفصائل الفلسطينية، وبينها «حماس»، مع الأخذ بسياسة عبّاس إذ حصرت العمل المقاوم ضمن «التوافق الوطني» و«اتفاق التهدئة» ليتوازى مع سياسة أبو مازن.
ــ فقرة الحكومة في الورقة هي الأكثر ضبابيّة، إذ نصّت على تأليف «حكومة توافق وطني»، من مهماتها رفع الحصار والإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق، من دون إيضاح شكل الحكومة، فصائليّة أو تكنوقراط، أو خليط من الاثنين معاً، علماً بأن الورقة الأساسيّة لعمر سليمان كانت تنصّ على «حكومة توافق وطني (انتقالية ـــ غير فصائلية)»، وهو ما رفضته «حماس»، مطالبة بمشاركة فصائلية. غير أن عبّاس في رسالته إلى مبارك تمسّك بصيغة عمر سليمان، مشدّداً على «ألا تعيد الحكومة العتيدة الحصار على الشعب الفلسطيني».
ــ وفي ما يتعلق بإعادة بناء الأجهزة الأمنية، أسقطت الورقة المصرية مطلب «حماس» ذكر الضفة الغربية، وذلك بناءً على اعتراض عبّاس. كذلك شطبت القاهرة، بناءً على اعتراض عبّاس، فقرة من ورقة عمر سليمان الأصليّة تضمّنت الإشارة إلى أن إعادة بناء الأجهزة تتطلب «فترة زمنية من 6 إلى 9 أشهر تكون حماس خلالها هي المسؤولة عن التهدئة وعن الأمن».
ورأى عباس، بحسب نصّ رسالته إلى مبارك، أن فقرة سليمان «فيها اعتراف بشرعية انقلاب حماس والدور الأمني لها كفصيل»، وأن «حماس» «سوف تأخذ شرعية لمدة تسعة أشهر وستواصل الاستفادة من هذه الشرعية حتى في حال انهيار الاتفاق».
لذا، جاء بند الأجهزة الأمنيّة عاماً، ونصّ على إعادة البناء «على أسس مهنية ووطنية بعيداً عن الفصائلية، وما يتطلّبه ذلك من تقديم المساعدة العربية اللازمة لإنجاز عملية البناء والإصلاح».
يشار إلى أن عبّاس طالب في رسالته بأن يتم الدعم العربي عن طريق السلطة فقط، وأن يقوم حرس الرئاسة بتسلّم المعابر جميعاً وفوراً تمهيداً لتنفيذ الاتفاق وفكّ الحصار عن القطاع.
ــ الفقرة الخاصة بالانتخابات جاءت بمعظمها في مصلحة الرئيس الفلسطيني. إذ تجنّبت ذكر القانون الأساسي الذي تستند إليه «حماس» لإعلان نهاية ولاية عباس في 9/1/2009. بل على العكس، أشارت إلى «إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في توقيت متفق عليه، ومراجعة قانون الانتخابات وفقاً لما تقتضيه مصلحة الوطن»، وذلك أيضاً مراعاةً لعباس، الذي يريد قانون انتخاب كاملاً على أساس النسبيّة.
ــ الورقة المصريّة أوردت «تطوير وتفعيل منظمة التحرير»، رغم مطالبة عباس بتأجيل هذا البند. إلا أنها وضعته في إطار «تطوير وتفعيل»، وليس «إصلاح» كما تريد «حماس»، ورمته في حضن اللجان من دون جدول زمني، إذ كان أبو مرزوق قد حدّد شهرين من تاريخ انتهاء الحوار الشامل لإصلاح المنظمة.
ــ الورقة تجدّد أيضاً تفويض عبّاس «إدارة المفاوضات السياسية»، باعتبار أن هذه المسألة من صلاحيات منظمة التحرير ورئيس السلطة. ورغم أن هذا البند مستنسخ من اتفاق مكّة، إلا أن «حماس» اعترضت عليه، على أساس أن منظمة التحرير بحاجة إلى إصلاح خاضع للحوار.
وبناءً عليه، يمكن اعتبار أن الورقة المصريّة لم تبتّ أيّاً من القضايا الخلافيّة، وتركت الأمر إلى اللجان الخماسية، التي قد تتحوّل إلى حقل ألغام قد تفجّر الاتفاق الذي قد يخرج عن لقاء القاهرة، في حال انعقاده.

نص بنود مسوّدة «اتفاق القاهرة» تضمّنت الورقة المصرّية الموزعة على الفصائل الفلسطينية مقدّمة إنشائية عامة، تحدّد خلالها تاريخ انعقاد الحوار الشامل، قبل أن تنتقل إلى بنود «الاتفاق» المفترض أن توقعه الفصائل في التاسع من تشرين الثاني المقبل. وفي ما يأتي نص بنود الورقة:

وفاءً لدماء الشهداء الأبرار، وإجلالاً لمعاناة أسرانا البواسل، وإيماناً بعدالة قضيتنا الوطنية، وتأكيداً لاستمرار نضالنا من أجل نيل حقوقنا المشروعة بما فيها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتأكيد حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، ويقيناً بأن تضحيات شعبنا الفلسطيني الصامد على مدار عقود مضت لا يجوز أن تهدرها خلافات حزبية ضيقة،
وانطلاقاً من التحديات الجسام، والمخاطر العظام، التي تحيط بالقضية الفلسطينية، وقناعةً من الجميع بأن استمرار الوضع الحالي يتجه بنا نحو مزيد من تكريس الانقسام السياسي والجغرافي والتقسيمي الذي يكاد يعصف بآمال وطموحات شعبنا وقضيتنا العادلة، وفي ضوء المسؤولية التاريخية التي تفرض علينا جميعاً تنحية خلافاتنا التنظيمية، واستشرافاً لمستقبل لا بد أن نصنعه بأنفسنا، وارتباطاً بالمحادثات الثنائية الفاعلة التي عقدتها التنظيمات الفلسطينية مع القيادة المصرية خلال الفترة من 25/8/2008 وحتى 8/10/2008، والتي أظهرت توافقاً غير مسبوق حول ضرورة إنهاء الانقسام والأسس المطلوبة لمعالجته، فقد اجتمعت الفصائل والقوى الفلسطينية في القاهرة يوم 9/11/2008 واتفقت على مشروعها الوطني على النحو التالي:
أولاً: مبادئ عامة
1 ـــــ المصلحة الوطنية الفلسطينية تسمو وتعلو فوق المصالح الحزبية والتنظيمية.
2 ـــــ وحدة الأراضي الفلسطينية جغرافياً وسياسياً وعدم القبول بتجزئتها تحت أية ظروف.
3 ـــــ الحوار هو الوسيلة الوحيدة لإنهاء أية خلافات داخلية.
4 ـــــ حرمة الدم الفلسطيني، وتجريم الاقتتال الداخلي، ووقف التحريض، ونبذ العنف وكل ما يمكن أن يؤدي إليه من وسائل وإجراءات.
5 ـــــ الديموقراطية هي الخيار الوحيد لمبدأ تداول السلطة في إطار احترام سيادة القانون والنظام واحترام الشرعية، ودعم الديموقراطية يتطلّب أن تكون هناك مشاركة سياسية من الجميع بعيداً عن مبدأ المحاصصة.
6 ـــــ المقاومة في إطار التوافق الوطني هي حق مشروع للشعب الفلسطيني ما دام الاحتلال قائماً.
7 ـــــ الاعتماد على المرجعيات الرئيسية السابقة (اتفاق القاهرة، آذار 2005 ـــــ وثيقة الوفاق الوطني، أيار 2006 ـــــ اتفاق مكة، شباط 2007 ـــــ مبادرة الرئيس/ محمود عباس للحوار الشامل، 2008 ـــــ قرارات القمة العربية المتعلقة بإنهاء حالة الانقسام).
ثانياً: اتفق المجتمعون الذين يمثلون جميع الفصائل والقيادات السياسية الفلسطينية على إنهاء حالة الانقسام من خلال الموافقة على حل القضايا الرئيسية كالآتي:
8 ـــــ الحكومة
تأليف حكومة توافق وطني ذات مهام تتمثل في رفع الحصار وتسيير الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، والإعداد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، والإشراف على إعادة بناء الأجهزة الأمنية.
9 ـــــ الأجهزة الأمنية
إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس مهنية ووطنية بعيداً عن الفصائلية، لتكون وحدها هي المخوّلة مهمة الدفاع عن الوطن والمواطنين، وما يتطلّبه ذلك من تقديم المساعدة العربية اللازمة لإنجاز عملية البناء والإصلاح.
10 ـــــ الانتخابات
إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في توقيت متفق عليه، ومراجعة قانون الانتخابات وفقاً لما تقتضيه مصلحة الوطن.
11 ـــــ منظمة التحرير
تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني طبقاً لاتفاق القاهرة، آذار 2005، بحيث تضم جميع القوى والفصائل، والحفاظ على المنظمة إطاراً وطنياً جامعاً ومرجعية سياسية عليا للفلسطينيين، وانتخاب مجلس وطني جديد في الداخل والخارج حيثما أمكن.
ثالثاً: وافقت جميع الفصائل وطوائف الشعب الفلسطيني على الالتزام بمتطلبات المرحلة القادمة كالآتي:
12 ـــــ الحفاظ على التهدئة في الإطار الذي توافقت عليه الفصائل والقوى الفلسطينية خلال اجتماعاتها في القاهرة يومي 29، 30/4/2008.
13 ـــــ توفير المناخ الداخلي الملائم من أجل إنجاح مرحلة ما بعد الحوار الشامل والتنفيذ الكامل لمقتضيات هذه المرحلة، وما تفرضه من حتمية وقف وإنهاء أية أعمال أو إجراءات داخلية من شأنها الإضرار بالجهد المبذول لإنهاء حالة الانقسام، وضرورة التفاعل بإيجابية مع متطلبات المصالحات الداخلية.
14 ـــــ الاتفاق على تشكيل اللجان التي تتولى مهمة بحث التفصيلات المطلوبة وآليات عملها، لوضع ما يتم التوصل إليه موضع التنفيذ، وذلك في إطار معالجة كافة قضايا الحوار والمصالحة (لجنة الحكومة ـــــ لجنة الانتخابات ـــــ لجنة الأمن ـــــ لجنة منظمة التحرير ـــــ لجنة المصالحات الداخلية) على أن تبدأ هذه اللجان عملها بعد انتهاء اجتماعات الحوار الشامل مباشرة، ولا مانع من مشاركة عربية في أي من هذه اللجان إذا ما طلبت التنظيمات ذلك.
رابعاً:
15 ـــــ اتفقت جميع الفصائل وقوى الشعب الفلسطيني على أن إدارة المفاوضات السياسية هي من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية المبنية على قاعدة التمسك بالأهداف الوطنية، على أن يُعرَض أي اتفاق بهذا الشأن على المجلس الوطني للتصديق عليه أو إجراء استفتاء حيثما أمكن.
خامساً:
اتفق المجتمعون على أن المشروع الوطني بما يحمله من آفاق واضحة، وتطلعات مشروعة، وطموحات ليست بمنأى عن إمكان التحقيق، يتطلب أن تتحوّل النيات الحسنة والإرادات الصادقة إلى برنامج عمل يُنَفَّذ في إطار من المسؤولية والقناعة والالتزام أمام أجيال سوف تحاسبنا على المسؤولية التي تحمّلناها، وأجيال من حقها أن تحيا في استقرار ورخاء في ظل دولتها المستقلة.