محمد وهبةلطالما عرف العاملون في الشأن العام ماذا يعني الرقم بالنسبة إليهم، ولطالما كانت الاجابة «وجهة نظر». ولبنان يعاني منذ الأزل، تقريباً، من لعنة الارقام، فالجميع من دون استثناءات واسعة، يحاولون توظيف أرقامهم الرسمية (!) لمصلحة السياسة التي يخدمونها ليل نهار. وهذه النظرة انعكست في تكرر طلبات ممثلي بعض الدول والهيئات المانحة سراً وعلناً، إذ يشكو الخبراء الاقتصاديون في هذه الجهات من شحّ أو تناقض في الارقام، التي تقدمها لهم الدولة اللبنانية وسياسيوها.
الاعتراف الضمني بمبدأ «وجهة نظر» كان واضحاً أول من أمس في كلام رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في ورشة عمل «إصلاح قطاع الإحصاء في لبنان» التي أقيمت بالتنسيق مع البنك الدولي وبحضور المدير العام للإحصاء المركزي وممثلين لسفراء الدول المانحة، فقد قال: «إذا لم يحصل صانعو القرارات على إحصاءات مستقلة تماماً وحيادية، فلن يتمكنوا من اتخاذ القرارات المناسبة لمواجهة التحديات».
وبهذا المعنى نسف السنيورة الشفافية التي لطالما «تفاخر» بها عن أرقام لبنان، وهو كان أبرز القيّمين عليها في الحكومات المتعاقبة التي وصفت كل ما تفرع من هذا المبدأ بأنه «إنجازات»، ليتبيّن لاحقاً أن وجهة النظر تحولت ثقافة عامة استُخدمت في الارقام التي تصدرها وزارة المال، مصرف لبنان و... وحتى اليوم يرفض الكثيرون الاعتراف بطرق تركيب الارقام الرسمية، فهل يعرف أحد كيف يحتسب الاحتياط النقدي بالعملات الاجنبية في «المركزي» وما هو الفرق بين الدين العام الحكومي ودين الدولة؟ هذه أمثلة بسيطة ومثلها الكثير «المستور عليه».