الارتباط شديد بين الاقتصاد الريعي والفساد، وتأثيرات هذا النهج الاقتصادي الذي يفاخر به راسمو السياسات الاقتصادية في لبنان سيّئة ومسيئة... هذا رأي عدد كبير من خبراء الاقتصاد العرب

رشا أبو زكي
الإصلاح يرتفع وينخفض بحسب الإيرادات النفطية، ونمو ثقافة الريع اقتصادياً تمظهر خمولاً عربياً، وحقق منطقة استهلاكية غير منتجة يعتصر الفساد مجتمعاتها من القاعدة إلى الرأس... والحلقة النقاشية التي نظمتها «المنظمة العربية لمكافحة الفساد» تمحورت حول ورقة عمل للدكتور زياد الحافظ عن «البنية الاقتصادية في الأقطار العربية وأخلاقيات المجتمع»، ومن المحيط إلى الخليج وصف واحد لاقتصادات الدول العربية، وعبارتان تربّعتا على مداخلات أكثر من 30 خبيرة وخبير من مصر، لبنان، العراق، المغرب، الإمارات، والأردن... «الفساد» و«الاقتصاد الريعي». ولبنان الذي تمتزج فيه عناصر الريع والفئوية والفساد، يتجسد مخلوقاً مهمته الحفاظ على سيطرة السلطة الحاكمة. إذ يرى زياد الحافظ أن بنية الاقتصاد اللبناني الريعية قائمة على حالتين، خارجية مدعّمة بتدوير الفوائض المالية النفطية، وداخلية مكّنت النظام الطائفي الفئوي من المتاجرة بالنفوذ وبالتالي خلق ريع داخلي. والمهمة الأولى للطبقة الحاكمة هي تقاسم المغانم أو الريع عبر نظام المحاصصة الذي يكرّسه النظام الفئوي الطائفي المذهبي. ومظاهر الفساد تتجلى في لبنان بالنظام الريعي ذاته، ومن مظاهره طريقة تكوّن الدين العام اللبناني بحيث تراكم عبر تحويل واردات الدولة إلى فئات محدودة عبر إصدار سندات الخزينة بفوائد مرتفعة جداً بالمقارنة مع الفوائد العالمية، ما مثّل ريعاً مضموناً لأصحاب النفوذ المحليين والإقليميين على حساب المال العام...
فقد فشلت معظم محاولات الإصلاح الاقتصادي في مختلف الدول العربية وبطء التنمية والنمو. وبحسب الحافظ، إن كان هذا الإصلاح ينطلق من هدف تلميع صورة النظام السياسي القائم لجعله أكثر قبولاً في المجتمعات الدولية، فإن هذا النظام في الوطن العربي مرتكز على الفئوية بكل أشكالها... فكيف من الممكن أن تنجح مشاريع الإصلاح إن لم تقطع العلاقة بين النظام الفئوي والاقتصاد الريعي السائد؟
ومن تعريف الريع إلى أشكاله تبرز الإشكالية. فهذا النمط الاقتصادي السائد مصدره، وفق الحافظ، «خارجي وداخلي، ويقوم على أمور عديدة كالنفط والغاز والمعادن والسياحة والمساعدات الخارجية وتحويلات المغتربين خارجياً، والخدمات التابعة للدولة والتجارة والمضاربات المالية والعقارية والخدمات وتجارة النفوذ والسيادة داخلياً...»، والمؤشرات العربية الدالة على بنية الاقتصاد العربي الريعية لا تنتهي، هذا الاقتصاد الذي يولّد ثقافة خاصة به، تتلازم مع البنية السياسية القائمة التي يغذيها الريع ويسهم في استدامة النظام السياسي والاقتصادي القائم. ومن ميزات هذه الثقافة، بحسب دراسة الحافظ، اقتناص مجهود الآخرين من دون القيام بأي مجهود لإنتاج الثروة، ما دامت «واصلة» دون تعب و«بمشيئة إلهية». ومع غياب المجهود، تغيب المساءلة والمحاسبة، لتصبح النخب الحاكمة الريعية المحرك الأساسي للاقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة.... وهذا الواقع ينعكس ترويجاً لثقافة الفساد، وابتعاداً عن الإبداع والتطور... وكان موقف رئيس مجلس الأمناء ورئيس مجلس إدارة المنظمة العربية لمكافحة الفساد، الرئيس سليم الحص، واضحاً من الاقتصاد الريعي، معتبراً أن المداخيل التي تتأتّى من الفوائد على الرساميل وعائدات الأوراق المالية أو من موارد استثمارات خارجية أو دولية داخل البلد، أو من أرباح ترتبط بمواقع أو قيود أو مميزات معينة، تشجع على قيام ممارسات غير صحية، وما قد يترتب من آفات اجتماعية مجلبة للفساد والإفساد.
علاقة الفساد بالاقتصاد الريعي لها مفهوم محدد وفق وزير المال السابق جورج قرم، الذي رأى أن الريع لا يتأتّى من أموال غير ناتجة من جهد، بل هنالك موارد ريع تأتي من مواقع احتكارية لنافذين في السلطات والدولة، وكذلك يوجد حالات ريعية ناتجة من جهد، إلا أن الإيراد يفوق بكثير الجهد المبذول، مثل الحالات الاقتصادية القائمة على السياحة. واعتبر أن الفساد ليس عملية رشوة فقط، بل يتمثّل في سكون المجتمعات بفعل اعتمادها على العائدات الريعية، لتنتج حالة من الخمول العام، وفي مفهوم الفساد الواسع يعتبر هذا الخمول مصدر الوهن العربي، إن كان في المجتمع أو في السلطة.
أما نائب رئيس مجلس الوزراء الأردني السابق، طاهر كنعان، فقال إن الحكم الأخلاقي لا يرتبط بالنهج الريعي المتّبع، بل بطريقة توزيع الفائض الناتج من هذا النهج على أفراد وطبقات المجتمع.
أستاذة العلوم السياسية في جامعة الإمارات، ابتسام المكتبي، ربطت بين الإصلاح في دول الخليج والإيرادات النفطية، واعتبرت أن حالة الفساد تقوم في السيطرة على المال العام لمصالح خاصة وضيّقة.
أما الدكتور أحمد حجار من مصر، فقد أوضح أن أشكال الفساد في الاقتصاد الريعي متعددة، ولكنها تتعلق مباشرة بالمال العام. إذ إنه لا يدخل في موازنات الدول الخليجية سوى جزء ضئيل من عائدات النفط، فيما تذهب الحصة الأكبر إلى أماكن مجهولة، «وهذا الفساد المطلق»، مشيراً إلى نوع آخر من الفساد، وهو القائم على استغلال فائض قيمة العمل الذي يصل أحياناً إلى 100 في المئة لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال، ويتمثل ذلك في سياسات الأجور المتّبعة في عدد كبير من الدول العربية...