يظن البعض أن الفترات التي تسبق الانتخابات النيابية تكون مناسبة لتحقيق بعض المكاسب الاجتماعية، إلا أن بعض الظن يسقط بفعل الحسابات السياسية والشخصية
محمد زبيب
يترأس رئيس مجلس النواب، نبيه بري، عند العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم، جلسة مشتركة للجان المال والموازنة، الإدارة والعدل، الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية، مخصصة لدرس مشروع القانون الوارد في المرسوم الرقم 13760، الرامي إلى تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي، وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية (ضمان الشيخوخة). ويُتوقع أن تكون هذه الجلسة «حامية»، وقد يعيد النواب السجال إلى نقطة الانطلاق، فيطيحون فرصة تمرير مشروع القانون، الذي توصلت إليه اللجنة النيابية الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة، بعد مناقشات مستفيضة بدأت منذ عام 2006، أدّت إلى «المزاوجة» بين المشروع الذي وضعته حكومة الرئيس عمر كرامي عام 2004، والاقتراح الذي تقدّمت به كتلة التغيير والإصلاح عام 2006، علماً أن اللجنة المذكورة استرشدت بأعمال اللجنة الوزارية الخاصة التي ألّفها الرئيس الراحل رفيق الحريري عام 2003، فضلاً عن عشرات مشاريع القوانين والدراسات والتجارب التي جرى إعدادها منذ عام 1963، عندما أُنشى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتضمّن فرعاً مؤقتاً هو «فرع تعويضات نهاية الخدمة»، ليكون بمثابة مرحلة انتقالية نحو تبنّي نظام معاشات التقاعد، وهي المرحلة التي استغرقت 45 عاماً حتى الآن!
ظهر المؤشّر على «الحماوة» المتوقعة في جلسة اليوم، بعدما تلقّى العديد من الناشطين في الهيئات الاقتصادية والنقابات العمالية، والعاملين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي... تعليمات «سياسية» منذ أسابيع تقضي بشن هجوم مركّز على المشروع المطروح بهدف إجهاضه، بحجة وجود ثغر فيه، وأنه لا يلبي التطلعات إلى تأمين تقاعد لائق للمضمونين!
وعلى الرغم من جدّية الكثير من الملاحظات على مواد مشروع القانون المقترح، ولا سيما لجهة غياب أي تحديد دقيق للمعاش التقاعدي، بما يمثّل حماية فعلية للمتقاعد وأسرته، وارتكازه أكثر على نظام الرسملة من النظام التوزيعي ــ التكافلي (علماً أنه ينص على حد أدنى للمعاش، ولكن بقيمة 180 ألف ليرة فقط من دون ربطه بطريقة واضحة بتطوّر الحد الأدنى للأجور)... فإن هذه الملاحظات تبدو كأنها تحاول تغطية هدفين سياسيين أساسيين يقفان وراء الرغبة في إجهاض المشروع أو إفراغه من مضمونه الحقيقي:
■ الهدف الأول يحمله أساساً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ومعه وزير المال محمد شطح، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وإدارة صندوق الضمان الاجتماعي، وبعض هيئات أصحاب العمل، إذ إن مشروع القانون ينص على إنشاء مؤسسة عامة جديدة مستقلة عن صندوق الضمان، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وهذا ما يستوجب إنجاز الحسابات الفردية لكل مضمون (وهو أمر لم يحدث في أي يوم من الأيام)، وإجراء مقاصّة على أموال فرع تعويضات نهاية الخدمة في المرحلة الانتقالية، إذ سيجري تصفية حقوق جميع المضمونين لدى الفرع المذكور من أجل نقلها إلى المؤسسة الجديدة لإدارتها وتوظيفها، وهذا يعني:
1- الكشف عن حقيقة الوضع المالي لفرع تعويضات نهاية الخدمة، إذ قد يتبين مقدار العجز الهائل وعدم سلامة حساباته، كما سيتبين حجم المخالفات القانونية الحاصلة عبر سحب أموال تعويضات المضمونين لتغطية عجوزات فرع ضمان المرض والأمومة، فضلاً عن أن مشروع القانون يضع قيوداً على توظيفات أموال التقاعد بما يضيّق هامش المناورة أمام الحكومة ومصرف لبنان للاستئثار بهذه الأموال وتعريضها لمخاطر جمّة، عبر توظيفها في سندات الخزينة بالليرة اللبنانية حصراً، وأحياناً بفائدة صفر... بمعنى آخر أن الانتقال من نظام إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى سيكشف أن أموال فرع نهاية الخدمة المقدّرة بحوالى 5 آلاف مليار ليرة هي أقل من ذلك بكثير، ما سيؤدّي إلى وضع الحكومة أمام استحقاقات كبيرة، هي ليست بوارد مواجهتها، الآن على الأقل.
2- يفرض مشروع القانون المطروح تحديداً نهائياً ودقيقاً لمبالغ التسوية المترتبة على أصحاب العمل، والمقدّرة بمئات مليارات الليرات، من أجل تسديدها للمؤسسة الجديدة وإقفال حسابات فرع تعويضات نهاية الخدمة، وهذا ما يحاول أصحاب العمل التهرّب منه.
3- تريد إدارة الضمان أن تبقى هي المسؤولة عن إدارة نظام التقاعد والحماية الاجتماعية لكي تحافظ على قدرتها، المتاحة حالياً خلافاً للقانون، على تغطية عجوزات فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية من أموال تعويضات المضمونين والفوائد الناجمة من توظيفاتها لهذه الأموال، التي لا يستفيد منها إطلاقا المضمون وصاحب العمل الذي يسدد الاشتراكات.
■ أما الهدف الثاني، فيحمله الرئيس نبيه بري نفسه، الذي ينظر إلى الأمر من زاوية «المحاصصة» فقط، فالرئيس بري يعتبر أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من حصّته، وبالتالي، فإن إنشاء مؤسسة أخرى لإدارة نظام التقاعد والحماية الاجتماعية سيقلّص من هذه الحصّة لمصلحة طرف آخر في التركيبة السياسية، ولذلك، فهو يعترض على هذه النقطة بالذات، ويصرّ على بقاء النظام الجديد في إطار صندوق الضمان ليضمن سيطرته السياسية عليه، فضلاً عن أنه يتواطأ مع موقف الرئيس السنيورة في النظر إلى الوضعية المالية للضمان عموماً، تفادياً لحصول مشكلة لاحقة في تمويل صندوق الضمان الصحّي.
هذان الهدفان يلتقيان على إطاحة مشروع القانون، أو تعديله جذرياً، علماً أن الكتل النيابية سبق أن وضعت حلاً مقبولاً في المنتدى الاجتماعي الذي نظّمته المفوضية الأوروبية في بيروت منذ وقت قصير، إذ جرى التوافق على إقامة نظام تأمين صحي موحّد وشامل لكل اللبنانيين بإدارة صندوق الضمان وبتمويل الموازنة العامة بعد إلغاء الاشتراكات الإلزامية، وهذا يسهّل تنفيذ التوافق الآخر على إقامة نظام موحّد أيضاً لضمان الشيخوخة يحل محل الأنظمة الثلاثة المتناقضة الموجودة حالياً، التي تخلّ بمبدأي العدالة والمساواة بين المواطنين.


75 %

من مجمل القوى العاملة في لبنان غير مشمولين بأي نظام لتأمين تقاعدهم أو حمايتهم في سن الشيخوخة