قراءة في «سياسة الرد الجديدة» على حزب الله
شالوم زاكي
وصف غادي ايزنكوت سياسة الرد الجديدة على حزب الله بـ«عقيدة الضاحية». وبموجبها، فإن «ما حل من دمار في الضاحية عام 2006، سيقع في كل قرية يطلق حزب الله النار منها باتجاه إسرائيل»، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي «سيفعّل ضد هذه القرى قوة نارية غير تناسبية، وسيسبب أضراراً ودماراً هائلاً، إذ إن هذه القرى بالنسبة إلى إسرائيل هي قواعد عسكرية، لا قرى مدنية».
وشدد ايزنكوت على أن الجيش الإسرائيلي سيعمد إلى حسم الحرب المقبلة بسرعة وبقوة ومن دون التفات إلى الرأي العام العالمي، مشيراً إلى أن «حزب الله يدرك جيداً أن إطلاقه النار من داخل القرى في جنوب لبنان، سيؤدي إلى تدميرها».
حسبما يظهر من كلام ايزنكوت، هناك سياسة رد جديدة على حزب الله، مغايرة لتلك التي اعتُمدت في حرب لبنان الثانية. إلا أن إعلانها وعرضها علناً، كما يبدو، يهدف إلى زيادة مقدار التحذير الإسرائيلي الموجه إلى الحزب، ومحاولة من إسرائيل لمنعه من القيام بعمليات، من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد، والى إشعال النار مجدداً في الشمال.
لكن هل تؤدي هذه السياسة فعلاً إلى تعزيز الردع الإسرائيلي قبالة حزب الله؟ الجواب مرتبط بالتقدير الذي سيتبلور لدى مسؤولي الحزب تجاه الصدقية والتصميم الإسرائيليين، على تنفيذها فعلياً.
جرت صياغة السياسة الجديدة بأسلوب صريح وواضح لجهة الشكل الذي سترد من خلاله إسرائيل. لكن في الوقت نفسه، هناك قدر من الغموض وعدم الوضوح في ما يتعلق بالأسباب الدافعة إليه. ومن ناحية فعلية، لم تعط العقيدة الجديدة إجابات واضحة عن أسئلة أساسية:
أ ـــــ هل تتعلق المسألة بسياسة رد ستُفَعّل في حال نشوب مواجهة حربية شاملة بين إسرائيل وحزب الله، أي إذا أصبح من الواضح أن كل قواعد اللعبة، المتعارف عليها، قد تغيرت كاملاً بين الطرفين؟ أم أن سياسة الرد ستفعّل أيضاً في حال نشوب مواجهة محدودة بينهما؟
ب ـــــ هل الإطلاق المتقطع للصواريخ سيؤدي بالفعل إلى تغييرات في قواعد اللعبة؟ أم أن الإطلاق المكثف هو وحده المسبب والدافع نحو تنفيذ السياسة الجديدة؟
ج ـــــ هل تُفَعّل سياسة الرد في حال إطلاق الصواريخ، أم أيضاً في أعقاب إطلاق «عادي» لسلاح المدفعية؟
د ـــــ هل تُفَعّل سياسة الرد إذا أدى سقوط الصواريخ إلى إصابات في الأرواح؟ أم أن مجرد الإطلاق المكثف، حتى باتجاه «المناطق المفتوحة»، ومن دون وقوع إصابات، سيدفع نحو تفعيلها؟
هـ ـــــ هل سيكون هناك تمييز بين استهداف حزب الله للقواعد العسكرية حيث يصاب فيها جنود، واستهداف المستوطنين المدنيين؟
و ـــــ هل تُفَعّل سياسة الرد فقط في حال إطلاق الصواريخ باتجاه أهداف استراتيجية إسرائيلية، أم أنها ستفعّل انطلاقاً من مبدأ أن «قصف كريات شمونة كقصف تل أبيب؟».
ز ـــــ هل تُفعَّل السياسة الجديدة بعد أن يُعطى سكان القرى اللبنانية تحذيراً، بأن قراهم ستقصف بقسوة، أم أن هذه السياسة تُنَفّذ تلقائياً من دون إعطاء السكان مهلة للانسحاب منها؟
ح ـــــ وفي النهاية، كيف تُطبّق الخطة إن اتضح أن سكّان القرى قد امتنعوا عن مغادرتها؟ هل يفعّل الجيش عمليات الإطلاق المكثف التي ستؤدي إلى مقتل المئات، بل وربما الآلاف، من المدنيين؟
لا جواب واضحاً عن هذه الأسئلة. وبالتالي، يمكن حزب الله أن يفترض أنه سيجري تفعيل سياسة الرد الجديدة، إزاء سيناريوات شبيهة بسيناريوات تموز ـــــ آب 2006، أي: مواجهة شاملة بين إسرائيل والحزب، وفقط عندما يقدم هو على إطلاق مكثف للصواريخ، باتجاه المستوطنات والمدن الشمالية، مثل نهاريا وعكا وحيفا والعفولة والخضيرة.
أيضا، وحتى في ظروف متطرفة كهذه، يمكن حزب الله أن يقدّر أن إسرائيل ستتردد كثيراً في تنفيذ سياسة تفعيل قوة وحشية جداً، إزاء حزب الله والقرى اللبنانية. وهناك سلسلة من الحجج والدلائل تشير إلى أن إسرائيل ستمتنع عن تنفيذ سياسة الرد، التي وُصفت أعلاه، منها:
أ‌ ـــــ اتضح خلال سنوات المواجهة الطويلة بين إسرائيل و«المنظمات الإرهابية»، أن مستويات رفيعة جداً في إسرائيل، أطلقت تهديدات متكررة بشأن سياسة رد إسرائيلية (شبيهة)، وأنها سترد بقسوة في حال استهداف إسرائيل. إلا أنها امتنعت في حالات كثيرة عن تنفيذ جزء معتبر من هذه التهديدات. تماماً كما هو السلوك الإسرائيلي في أعقاب انسحاب الجيش من جنوب لبنان في أيار 2000، وفي المراحل التي أعقبته. وأيضاً بعد الانسحاب قطاع غزة في آب 2005.
ب ـــــ امتناع إسرائيل عن الاستهداف المكثف للسكان المدنيين، ليس نابعاً فقط من ردة فعل المجتمع الدولي، بل من القيود الإسرائيلية الداخلية والضغوط الخارجية، وبشكل أساسي من الإدارة الأميركية.
ج ـــــ امتناع إسرائيل عن استهداف البنية التحتية اللبنانية في بداية حرب لبنان الثانية، رغم أن المسألة كانت تتعلق بمواجهة شاملة مع حزب الله، إضافة إلى ما برز من تردد في استهداف إمدادات الوقود والكهرباء والمياه في قطاع غزة في مرحلة إطلاق الصواريخ المكثف نحو سديروت وعسقلان، يدل على عوامل داخلية تمنع إسرائيل من استخدام القوة التي تستهدف السكان المدنيين، وإن كانوا موجودين في أرض العدو، ذلك أن هناك خطورة في أن يؤدي القصف العنيف للقرى إلى مقتل عدد كبير من المدنيين. وهناك شك في أن تعرض الحكومة الإسرائيلية نفسها لمخاطرة كهذه.
د ـــــ يمتلك حزب الله منظومة صواريخ بعيدة المدى، قادرة على استهداف كل مكان في إسرائيل.. ويمكن الحزب أن يفترض أنه يمتلك قدرة على إيجاد «توازن رعب» فعال جداً، يمثّل رادعاً لإسرائيل.


«توازن الرعب»من شأن هذه التقديرات وغيرها، أن توصل حزب الله إلى استنتاج هام، أن إسرائيل ستمتنع عن تنفيذ سياسة الرد الجديدة. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يحاول في مرحلة ما العمل على اختبار صدقية إسرائيل وتصميمها، من خلال عدد متنوع من السيناريوات. وهنا تكمن الخطورة الكبيرة جداً في التصريحات الإسرائيلية بشأن سياسة الرد الجديدة. فإذا لم يكن هناك تصميم على تنفيذها، فإن النتيجة قد تكون «نهش» قدرة الردع الإسرائيلية، عوضاً عن تعاظمها.